وثيقة اليوم تعيد التاريخ إلينا من تلقاء نفسها، وهي مدونة في كراسات تاريخ الوطن بيوم (3 ذي القعدة 1373 هـ) (4 يوليو/ تموز 1954م)، أي أن عمرها نحو 60 سنة. لذلك فهناك مازال بيننا في هذا الزمن من عاصرها وشهد أحداثها عيناً بعين، لكن الأجيال الجديدة من الشباب لم تعاصرها ولم تعلم بها.
وميزة هذه الوثيقة أنها ليست منقطعة بذاتها، بل هي ضمن سلسلة من عدة وثائق شكلت عنوان مرحلة جد مهمة من تاريخ البلاد. لذلك فهي مرتبطة بوثيقة أخرى جاءت بعدها بحوالي 16 شهراً كردٍّ عليها وتجاوب معها. فما هي هذه الوثيقة؟
لنقرأ معاً محتواها: «3 ذي القعدة 1373
حضرة صاحب الفخامة معتمد الدولة البريطانية في البحرين بعد السلام وتقديم فائق الاحترام
نتشرف أن نرفق لكم بطيه نسخة من المطالب القومية المقدمة لصاحب العظمة حاكم البلاد للاطلاع عليها ودمتم
المطالب التي يتقدم بها أهالي البحرين إلى صاحب العظمة حاكم البلاد راجين أن يأمر بتحقيقها:
1 - تشكيل مجلس استشاري بطريق الانتخاب الحرِّ يمثل أهالي البلاد سنَّة وشيعة بالتساوي، وصلاحية هذا المجلس النظر في شئون البلاد الداخلية بصورة عامة ويسنُّ الأنظمة واللوائح ويرفعها إلى حاكم البلاد لإبرامها أو نقضها بالبيانات.
2 - تشكيل لجنة من رجال القانون لسنِّ قانون عام للبلاد يتمشى مع حاجاتها وتقاليدها المرعية على أن يعرض هذا القانون على المجلس الاستشاري، أي الهيئة التي تمثل البلاد تمثيلاً صحيحاً لإقراره.
3 - إصلاح المحاكم وتنظيمها، وتعيين قضاة لها ذوي كفاءة يحملون شهادات جامعية في الحقوق ويكونون قد مارسوا القضاء في ظل القوانين المعترف بها ومثل هؤلاء القضاة يكون استقدامهم من الخارج، إذا لم يتوافر وجودهم في البلاد.
4 - إجراء انتخابات حرة لتشكيل مجالس للبلديات والصحة والمعارف.
5 - إصلاح دوائر الأمن وتركيز المسئولية في شخص واحد، فإذا ما حدث ما يعكر الأمن فعلى المسئول تبعة ذلك.
6 - تعويض أهالي منكوبي الحوادث من الطرفين التي حدثت منذ اليوم العاشر من محرم وإصدار عفو عام عن المسجونين والمبعدين.
7 - معاقبة المسئولين عن إطلاق النار من قبل الشرطة على الشعب يوم الخميس 30 شوال 1373.
نسخة إلي صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين
˝ ˝ صاحب الفخامة المقيم السياسي في البحرين
˝ ˝ صاحب السعادة المعتمد السياسي في البحرين
˝ ˝ صاحب السعادة مستشار حكومة البحرين
نسخ لتوزيعها على الجمهور».
إذن هي عريضة مطالب شعبية قدمتها القوى الوطنية للحكومة في مطلع الخمسينات من القرن الماضي ولا تختلف كثيراً عن اليوم. وكان المعتمد السياسي البريطاني الذي قُدمت له هذه الرسالة هو (جي. دبليو. وول). وتأتي ضمن الحراك الوطني المطلبي الذي يبدأ بسيطاً ثم يتطور مع عدم الحل السريع لأية أزمة كانت.
فقد بدأت الأمور في حراك الخمسينات من أحداث أرادت السلطة البريطانية والمنتفعين من حولها استغلالها طائفيّاً بعد أحداث مؤسفة جرت في سبتمبر/ أيلول العام 1953 في كل من المنامة والمحرق. ثم إلى أحداث شركة نفط البحرين المحدودة (بابكو) بين العمال ومحاولة إشعال البحرين بقتال طائفي رفضه الجميع. ثم تفجر الوضع باستخدام الانجليز للعنف ضد الناس بالقرب من القلعة «في يوليو 1954» مما أدى إلى قتل 3 أشخاص وجرح 12 آخرين من الأهالي. وجاء الحدث الآخر المحرك للمطالب في 24 سبتمبر 1954 بإضراب سواق التاكسي، والذي كان نتيجته تأسيس «صندوق التعويضات التعاوني» لحل أزمة التاكسي والتأمين على السيارات. وجاء انتخاب عبدالرحمن الباكر سكرتيراً أو رئيساً للصندوق، لتصبح للحركة الوطنية هيئة مدنية رسمية تقدم من خلالها بعض المطالب، التي سرعان ما تحولت من مجرد حل مشكلة التأمين على السيارات إلى حل مشكلات الوطن بأكملها. فضاقت حكومة (بلغريف) ذرعاً بهذا النشاط، ولذلك سرعان ما بعثت برسالة إلى الباكر تتضمن سحب جنسيته البحرينية. وكان لهذا الإجراء التعسفي ردة فعل كبيرة بين المواطنين بمختلف أطيافهم، فعقدوا اجتماعاً حاشداً في «مسجد خميس» في المنامة، وأعلنوا رفضهم سحب جنسية عبدالرحمن الباكر ودعوا إلى اجتماع في السنابس في 13 أكتوبر/ تشرين الأول متطلعين إلى تأسيس نوع من التكتل الوطني للدفاع عن كل قضايا الوطن. وبهذا، بعد حوالي أربعة أشهر من تقديم المطالب المدنية المشروعة للناس بحسب الوثيقة أعلاه، تم تأسيس «الهيئة التنفيذية العليا» في أكتوبر 1954 بعد اجتماع «مأتم بن خميس» في السنابس، وفي الفترة نفسها عُقد اجتماع آخر للهيئة في مسجد مؤمن بالمنامة. ودائماً، أمام مثل هذه الأحداث المتتالية في فترة قصيرة؛ وبسبب أحقية المطالب المقدمة من قبل الأهالي في هذه الوثيقة؛ تم تجاوب الحكومة مع مطالب الهيئة، وصدر هذا التجاوب في وثيقة أخرى في 12 ربيع الأول من العام 1375 هـ، سنعرض لها لاحقاً.
العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ
احسه كانه حلم
والله اقرأ وكانه حلم كيف ان في ذلك الزمن اناس تفكر سياسيا وتصدر منها افكار تجعلنا نتعجب افي ذلك الزمن عاش اناس سياسيون بدرجة عالية من الحرفية في صياغة ما يعد دستورا للدولة في زمن كنا نحسبه كله اناس بسطاء ..شكرا محمد حميد شكرا لك ياصوت الشعب جريدة الوسط المميزة