العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ

مشكلة زوايا الارتكاز في السياسة الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في السياسة الإيرانية عُرفٌ قديم، أصله أن في طهران مراكز قوى متعددة. هذه المراكز تؤدي عادةً إلى إنتاج سياسات معقدة، وخارطة من التحالفات المتداخلة والمقطوعة حتى بين الفرقاء. هذا من حيث الأصل، لكن وعند التفريع والتفصيل، فإننا قد نشاهد صوراً أخرى في تلك السياسة وعرفها، وفي طريقة تسييرها حتى تصل إلى قرار رسمي مُتَّخَذ.

هنا، نستطيع أن نرسم دائرة عريضة، ثم نضع في محيطها الداخلي، عدداً من النقاط، التي تمثل زوايا ارتكاز في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، وهي مؤسسات الدولة الظاهرة والمضمرة. بالتأكيد، فإن تلك الزوايا، ترتبط فيما بينها بخيط رفيع (ربما المرشد/ رجال الدين القُمِّيين)، كي نحصل في نهاية المطاف، على وحدةٍ للصورة واتفاق المشهد.

المشكلة تكمن في التالي: أن الفعل السياسي تتوجب دراسته، ثم مطابقته مع نظام المصالح للدولة، فَدَسْتَرَته، مع مراعاة مروره بزوايا الارتكاز ضمن تلك الدائرة. وإذا ما عَلِمنا أن إيران هي موزاييك سياسي وديني وعرقي وفكري، فهذا يعني أن السياسة وقرارها، مُلزَمان بتأثيرات ذلك الموزاييك، الذي يمكنه أن يسبب مشكلةً في حال تم تجاوزه.

هذا الإشكال لا يخصّ مؤسسةً واحدةً في إيران، والتي عادةً ما يُشار فيها إلى مؤسسة رئاسة الجمهورية، بل هو يسري على كافة المؤسسات الدستورية، بما فيها مؤسسة المرشد الأعلى للثورة، الذي يعتبر نقطة الجذب والدفع في النظام السياسي الإيراني، ومَنْ تؤول له الأمور. (تجربة البرلمان السادس مثالاً، وتجربة العلاقة مع الحرس الثوري مثالٌ آخر).

في مرات عديدة، كان الخلاف الأبرز هو بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور. لكنه أيضاً كان حاضراً بين القضاء ورئاسة الجمهورية. وبين مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور. وفي مرات أخرى، خلافات رئاسة الجمهورية، مع المؤسسات شبه الرسمية، والموازية لعمل الدولة، سواء الدينية منها أو الاقتصادية أو الأمنية، كمؤسسة خرداد ومجاميع حزب الله، وبعض الشخصيات المتنفذة في الدولة «تاريخياً».

وبالمناسبة، فإن هذا الأمر ليس وليد السنوات الأربع والعشرين الأخيرة، بعد مجيء آية الله خامنئي إلى منصب المرشد، بل هو موصولٌ بالتجربة الأولى للثورة، عندما كان الإمام الخميني موجوداً، والذي كان قد واجَهَ صعوبات قوية، بدأت مع التجربة البهشتية والحزب الجمهوري، ثم قضية منتظري وإيقاف الحرب مع العراق. حيث كانت تلك المحطات، قد صاحبتها ضغوطات هائلة، كادت أن تعصف بإيران، ومحاولة منه لإيجاد التوازن فيها.

من ذلك المشهد المعقد، نستطيع قراءة حاضر إيران الداخلي جيداً. وباعتقادي، فإن أهم حواضرها اليوم هي تشخيص أداء الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي لم تَزِدْ أيامه في السلطة عن مئة وتسعة وثمانين يوماً حتى يومنا هذا. فروحاني أثبت أنه قادرٌ على الدوران على زوايا دائرة السياسة في بلده، بطريقة جيدة، يراعي فيها التناقضات القائمة دون أن يفتح له جبهات وخصومات معها، قد تقوم (وهي قادرة) بعرقلة عمله في الدولة.

فهو حَمَى شرعيته بالعملية الانتخابية التي فاز فيها، واستندَ في ذلك على دعم المرشد له، وغازل البرلمان بتوافقاته معه، وضَمِنَ مجْمَع تشخيص مصلحة النظام بعضويته «التاريخية»، وقوة تياره فيه، وهَادَن مجلس صيانة الدستور بتعيينه «شخصية محافظة» وزيراً للثقافة والإرشاد في حكومته، وفي نفس الوقت هو نجل جنتي، وأمِنَ رابطة علماء الدين المناضلين بعضويته الحزبية فيها، وكذلك الحال مع مجلس الخبراء والبازار وأضرابهم.

وقد لاحظنا تلك الرؤية، في أول تجربةٍ له والمتعلقة بتشكيل الحكومة، حيث أخذ من كل رداء رقعة، بهدف تغطيتها بأكبر مساحة ممكنة من المشروعية الحزبية والسياسية. وامتد ذلك حتى إلى المديرين من الصف الثاني في الحكومة، بعكس سلفه أحمدي نجاد، الذي أدار إيران بجوقةٍ من السياسيين المؤدلجين، لينتهي إلى حكومة أوليغارشية ضيقة.

قبل أيام، طَلَبَ البرلمان الإيراني، وبالتحديد رئيسه علي لاريجاني، من حسن روحاني، إشراك رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان علاء الدين بروجردي في وفد التفاوض النووي مع الغرب. روحاني وافق على الفور على مقترح البرلمان، لأنه يدرك، بأن الهيمنة المحافظة على المجلس، قد تسبّب له مزيداً من المشكلات في حالة رفضه للمقترح.

كما أن روحاني استجاب للمحافظين التقليديين، بتعيين محمد صادق صالحي منش محافظاً لقم. واستجاب لطلب اليمين الصناعي بتعيينه بيجان زنكنة وزيراً للنفط. أما عن التعيينات الإصلاحية، فهي متعددة (نائبه مثالاً) وبأوزان مختلفة (بعضها لنساء) طمعاً في إمكانية التقرب من تحالفاتهم خلال الانتخابات البرلمانية العاشرة.

قبل ثلاثة أيام، دار جدلٌ في إيران، بعد تأخّر بث مقابلة الرئيس حسن روحاني أجرتها معه القناة الأولى في التلفزيون الإيراني، للحديث حول قضايا مختلفة. وقد قيل حينها أن رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون في إيران عزت الله ضرغامي، المنتمي للتيار المحافظ المتشدد، هو مَنْ يقف وراء ذلك التأخير والمنع. وبعد أن تم تسوية الأمر، فإن أقصى ما قاله روحاني تعليقاً على ذلك بعد ظهوره علناً هو: «لقد تأخرنا، والمشاهدون مُتعَبُون قليلاً».

هذه معادلات الداخل الإيراني، وظروف الحكومة الحادية عشرة في طهران.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 7:09 ص

      الاتفاق النووي

      ليش كان الاتفاق النووي الامريكي الايراني بعيد عن الدول العربيه الحليفة لأمريكا؟؟. وطالبو بتوضيحات هالدول وان ما يكون عكسي عليهم؟؟ ليش امريكا غيرت قليل من سياستها تجاه سوريا والدول العربيه بعد اتفاق ايران؟؟
      ليش كل الدول العربيه صارت في الهامش ول احد منهم يدري عن الاتفاق؟؟

    • زائر 8 | 1:57 ص

      اسئلة الاخ متابع الاربعة ليست أسئلة عادية وانما سيناريوهات تختص بالاجابة عليها

      مجلات الدراسات الاستراتيجية التي يقوم علي اداراتها جيش من الباحثين في مختلف التخصصات في القضايا التاريخية والآنية ..الله يساعد الاخ في الاجابة عليها اذا كان لديه متسع من الوقت او الاجابة

    • زائر 11 زائر 8 | 4:51 ص

      ملفات مهمة

      هي ملفات مهمة فعلا

    • زائر 7 | 1:44 ص

      !!!

      اكثر شي يضحك علاقتهم مع الغرب وامريكا بالذات تحس جنها العشق الممنوع

    • زائر 6 | 12:03 ص

      شخصية قوية

      روحاني عقل محافظ بقلب إصلاحي وسلوك معتدل

    • زائر 5 | 11:53 م

      متابع ... سؤال

      فيصل القاسم : ((( بعد الاتفاق الايراني الأمريكي من المرجح أن يتدفق النفط والغاز الإيراني على الأسواق، وخاصة الأوروبية، وهذا من شأنه أن يخلق توتراً كبيراً بين روسيا وإيران وخاصة فيما يتعلق بتوريد الغاز الإيراني إلى أوروبا. فقد كانت روسيا تتحكم بتوريد الغاز إلى أوروبا، لكنها الآن ستواجه المورد الإيراني. هذا ما كانت تطمح إليه واشنطن من خلال اتفاقها الأخير مع إيران: دق إسفين بين إيران وروسيا. ))) . . . . هل هذا الكلام صحيح ؟

    • زائر 4 | 11:52 م

      متابع . . . طلب ملح ( 3 )

      نرجوا من الكاتب القدير أن يكتب لنا مقالات تتناول الأمور التالية : 1- قضية النفط الصخري في أمريكا و تأثيرها على امريكا اقتصاديا و على علاقاتها الاقتصادية و السياسية مع العالم و الدول النفطية بالأخص ، وأخص من ذلك الخليج ( هل صحيح أنها ستتخلى عن الخليج قريبا بسبب ذلك ؟ ) ...... 2- سوريا : الواقع الميداني ، أين تسيطر المعارضة تحديدا و أين يسيطر النظام ؟ بغض النظر عن التهويل الاعلامي لكلا الطرفين ، و أيضا من يتقدم الآن عسكريا و سياسيا ؟ أم أن الوضع شبه ثابت ؟ نسبة الاراضي التي يسيطر عليها الطرفين ؟

    • زائر 10 زائر 4 | 3:42 ص

      صباح النفذالصخري

      ذبحتنا أنت وتعليقك النفط الصخري والنفط الصخري ليكون أنت عالم جولوجي ولا صااحب شركة تنقيب بعض التعليقات خارج السرب

    • زائر 3 | 11:51 م

      متابع ... طلب ملح ( 2 )

      نرجوا من الكاتب أن يشرح لنا هذه القضية : ماذا تعني اسرائيل بالنسبة للغرب و العالم ؟ ما هي أهميتها بالنسبة للغرب ( امريكا تحديدا ) ؟ ما هي المصلحة التي توفرها لهم بحيث يولونها و يولون أمنها كل هذا الاهتمام و كل هذا العمل ( من نزع الكيميائي في سوريا إلى اتفاق نووي في ايران ) ؟ لماذا يتسابقون لنيل رضاها ( تصريحات الزعماء و زياراتهم المتكررة ) ؟ بل حتى روسيا ظاهرا في خط الدفاع عنها ! ..... و أخيرا متى يمكن أن يوقفوا التضحية لأجلها أو يحصل بينهم ( افتراق مصالح ) ؟

    • زائر 2 | 11:49 م

      متابع ( 1 )

      أسئلة: ما هي أبرز الخلافات بين السيد علي خامنئي و الشيخ هاشمي رفسنجاني ؟ الفكرية و غيرها ( ما يعم حتى الفكر الاقتصادي والاجتماعي ) ؟ . . . أحقا ما يقال أن مصباح اليزدي يمثل فكر خامنئي ؟ أم أن بينهما اختلافات مهمة لها أئر عملي ؟ . . . ماذا كان سيحصل لو أن أمثال رفسنجاني كانوا مكان السيد الخامنئي على سدة الحكم ؟ أين موقع علي لاريجاني من كل هذا و كيف يفكر هو الآخر ؟ أي تيار وأي تفكير يبدوا الأصلح لحكم ايران ؟ ما هي مشكلة ايران في طريقة الحكم السياسي الداخلي و السياسة الخارجية و ما هي ايجابياتها ؟

اقرأ ايضاً