يقول الكاتب الياباني نوبوأكي نوتوهارا في كتابه «العرب... وجهة نظر يابانية»: «إنني أرى الحرية هي باب الإنتاج وباب التواصل والحياة النبيلة، ولذلك أرى القمع داءً عضالاً مقيماً في الوطن العربي، وما لم نتخلص منه فستفقد حياتنا كبشر الكثير من معانيها».
كانت الفقرة أعلاه مبعث تأمل بالنسبة لي وأنا أقرأ هذا الكتاب، الذي يتحدث عني وعن مجتمعي كعربية، ولأني أكره القيود بكل أشكالها استوقفتني النظرة لوطني الصغير وذاك الكبير المسمى بالوطن العربي باعتباره سجناً يختلف حراسه باختلاف المنطقة الجغرافية له، بالرغم من صحة هذي النظرة.
متنوعة وكثيرة هي القيود التي فُرِضَت علينا في أوطاننا العربية، بدءاً من القمع الرسمي الذي أنتج جلاوزة فكرية وأمنية واجتماعية وعلمية تمثلت في الجهاز الأمني القمعي الواحد في كل هذي الدول، والذي تظهر ملامحه واضحة حين يتعلق الأمر باحتجاج ما ضد ممارسة السلطات، ولو كان احتجاجاً عابراً، وصولاً إلى ملاحقة العقول التي تحاول إضافة شعاع من نور على من حولها من خلال نتاجها الفكري، الذي غالباً ما يُصادر قبل وصوله للجمهور بواسطة أجهزة وإدارات الرقابة الفكرية أو من خلال قيود الإنترنت، التي حظرت صفحات متعددة بتهمة تعليم الآخرين فهم حقوقهم، وفتح عقولهم تجاه البحث عمّا هو أبعد وأعمق من مجرد كسرة خبز، عن الحرية ربما، والتي بدورها ستجلب ما سواها كنتيجة طبيعية.
أما القيود التي فرضناها نحن على أنفسنا فلا تقل تنوعاً وقسوة، إذ أنتجنا بخوفنا من «العيب» والـ «ما يصير» والـ «مو عدلة» سلاسل كثيرة جعلتنا نقدّس الرقيب الداخلي قبل خشيتنا من ذاك الخارجي المفروض علينا، والذي ربما يمرر ما قمعناه نحن بفضل خوفنا من الآخر، ومن الحاجز الجديد الذي بنيناه فتباكينا على وجوده، والأمثلة على هذا كثيرة، بدءاً من القيود التي يفرضها بعض الكتّاب والصحافيين على أنفسهم فيما يخص السقف المسموح به في الدولة أو الجهة التي يعملون لصالحها، مروراً بما يخشاه الأديب والشاعر إن هو كتب في بعض المجالات، وبالخصوص إن كان هذا المبدع امرأة، وصولاً لما يجيزه الشرع وتحرّمه العادات المجتمعية فصار العيب أكثر من الحرام، بالرغم من احتجاج الكثيرين على هذه الحال الجديدة، وهذه ليست دعوة للتمرد على العادات بقدر ما هي دعوة صادقة للتخلص من القيود الداخلية، التي لا تجدي والتي باتت ملحاً زائداً قد يسبب ارتفاعاً في ضغط الدم عند البعض.
في الأوطان التي تبجّل الحريات من غير مساسها بالأخلاقيات، نجد المواطنين أكثر إنتاجاً وإبداعاً وتميزاً، لاخضرار الأرض التي ينتمون إليها والتي تسهم بشكل بنّاء في خلق بيئة خصبة ترعى كل ما ينبت على أرضها، فلا يحتاج المواطن إلى الهجرة بحثاً عن وطن جديد يتيح له حرية محفزة للعطاء، بعد أن خسرته بلاده لأنها لم تعرف كيف تستثمر عطاءه بشكل سليم.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ