العدد 4168 - الإثنين 03 فبراير 2014م الموافق 03 ربيع الثاني 1435هـ

نجم... 27 عاماً ويداه تنسجان الملبوسات

أبوعصام مستعرضاً «الرداء الصيبعي» الذي يستخدم في الأعراس
أبوعصام مستعرضاً «الرداء الصيبعي» الذي يستخدم في الأعراس

حوّل المساحة الفارغة في أعلى منزله إلى أشبه بمعمل لا يضم الآلات والأدوات التي يستعملها في مهنته فقط، وإنما آلات أخرى لا علاقة لها بالمهنة؛ ففي زاوية من «المعمل» تجد مكنة خشبية تتشابك حولها خيوط الصوف بألوانها المختلفة، وتتحرك إلى الأمام تارة، وإلى الخلف تارة، بينما رِجلا ذلك السبعيني تتحركان لتخلقا التناسق والترتيب، وتتوالى العملية بصورة متقنة، إلى أن تخرج قطعة قماش متكاملة، نُسجت من خيوط الصوف، تكون رداءً أو غطاءً، أو لباساً متعدد الاستخدامات.

هذا السبعيني وهو الحاج عبدالحسين نجم، فمنذ 27 عاماً وهو ينسج بيديه الخيوط الملونة، لتتشكل لوحة من قماش، يبيعها في المعارض ولزبائنه.


يحلم بـ «دكّان» يمارس فيه مهنته... وشباب يحملون راية «تراث البحرين»

نجم «النسيج» أبوعصام... 27 عاماً ويداه تنسجان خيوط «الأردية» والملبوسات

بني جمرة - علي الموسوي

حوّل المساحة الفارغة في أعلى منزله إلى أشبه بمعمل لا يضم الآلات والأدوات التي يستعملها في مهنته فقط، وإنما آلات أخرى لا علاقة لها بالمهنة، ففي زاوية من «المعمل» تجد مكنة خشبية تتشابك حولها خيوط الصوف بألوانها المختلفة، وتتحرك إلى الأمام تارة، وإلى الخلف تارة، بينما رِجلا ذلك السبعيني تتحركان لتخلقا التناسق والترتيب، وتتوالى العملية بصورة متقنة، إلى أن تخرج قطعة قماش متكاملة، نُسجت من خيوط الصوف، تكون رداءً أو غطاءً، أو لباساً متعدد الاستخدامات.

وفي زاوية أخرى، تجد مجسمات بيوت مصنوعة من الخشب، قد غطاها الغبار، وفي الزاوية الأخرى تجد جهازاً رياضياً لتقوية العضلات، بدت عليه علامات العطل، والصدأ.

هذا السبعيني وهو الحاج عبدالحسين نجم، أو كما يُعرف بين أهله وأصدقائه «أبو عصام»، في المنزل الذي يحمل رقم (12) في بني جمرة، رُسمت الخيوط على أصابع يديه، فمنذ 27 عاماً وهو ينسج بيديه الخيوط الملونة، لتتشكل لوحة من قماش، يبيعها في المعارض ولزبائنه، إذ مازال مصرّاً على الاستمرار في هذه المهنة التي تعلّمها من الحاج إبراهيم بن حسين النجار في العام 1986، لأنه عشقها، وأصبحت تسير في عروقه كما الدم، فهو لا يكل ولا يمل، رغم قلة المردود المادي، ورغم الجهد الذي يبذله من أجل كل قطعة، مازال محافظاً على هذه المهنة التراثية.

عمره كما يقدره بنفسه، يصل إلى 72 عاماً، ولديه 6 أبناء، 4 منهم متزوجون ويسكنون معه في المنزل نفسه، شاءت الظروف والأقدار أن يوسّع منزله، ويستغني عن الحفرة التي كان يجلس فيها ويحرك آلة النسيج فيها، ويستمتع بسماع «صوت الخيوط»، من أجل أن يوسع على أبنائه، ويبني لهم غرفاً يعيشون فيها، إلا أنه أبى إلا أن يستفيد من «سطح المنزل»، وينشئ له مصنعاً أو كما أسلفنا «معملاً»،

الحاج «أبوعصام» استقبل «الوسط» من بداية الطريق المؤدي إلى منزله، ووصولاً إلى المنزل الذي وصفه بأنه «متواضع»، وباللهجة العربية الدارجة، قال: «تفضلوا... حياكم»، مشيراً بيديه إلى الدرج المؤدي إلى سطح المنزل، حيث المكان الذي مازال يحافظ على مهنة النسيج، وبمجرد الدخول إلى ذلك «المعمل» تهب نسائم روائح الخيوط.

وأمام المكنة التي يُطلق عليها اسم «نول النسيج» يضع «أبوعصام» كرسيين حجمها كبير، ليجلس عليهما ضيوفه، وأمامهما طاولة صغيرة مغطاة بقطعة قماش مصنوعة من خيوط النسيج، ذات ألوان مختلفة، وعليها أنواع مختلفة من العصائر والمكسرات.

وقبل أن يبدأ أبوعصام حديثه، أخرج من إحدى زوايا المعمل، دفتراً أخضر وقلماً، وقال: «سأسجل بعض النقاط التي أود الحديث عنها، حتى لا أنساها».

من الفندقة إلى النسيج

أكمل «أبوعصام» دراسته الثانوية في المسار العلمي، والتحق بعدها للعمل في شركة نفط البحرين (بابكو)، قبل أن يذهب إلى لبنان لدراسة الفندقة على حساب «بابكو»، وبعد أن عمل في الشركة 5 أعوام، غادرها ليفتح له ورشة نجارة.

وقبل أن يفتح عينيه على مهنة النسيج، عمل في فندق الريجنسي، ومن ثم الشيراتون، والخليج، وبعدهم بيسان، وكان ذلك ابتداءً من العام 1982، وبسبب التعب في العمل في مجال الطبخ، بحسب قوله، ترك هذه المهنة، وتعلم مهنة النسيج، فبالإرادة والتصميم لا يوجد ما هو صعب، ويمكن تحقيق أي شيء بالإصرار والإرادة، بحسب تعبير أبوعصام.

تاريخ النسيج

بدأ الحاج «أبوعصام» حديثه عن تاريخ النسيج، إذ رأى أن أول من بدأ النسيج هو النبي إدريس، وهو أول نبي بعد النبي آدم، واستمرت على مدة السنين. وتاريخ النسيج في البحرين قبل الميلاد بألفي عام، وهناك وثائق في المتحف تدل على أن دلمون تستورد القطن من بلاد ما بين النهرين.

في المتحف حصلوا على ما يُسمى «الكريب» أو «المكوك»، في أحد المواقع الأثرية مصنوع من الحجر، وهو حالياً عبارة عن قطعة خشبية تحمل شكلاً معيناً، توضع فيها الخيوط.

أما القرى التي كان أهلها يمارسون مهنة النسيج، فهي: أبوصيبع، الدراز، المرخ، سار، بني جمرة، القرية، داركليب، ولا يتذكر «أبوعصام» أي هذه القرى كانت السباقة في صناعة النسيج.

تسمية مكنة النسيج

يقول إنهم يطلقون على المكنة التي تستخدم في النسيج «نول النسيج»، وهي تسمية موجودة في أكثر بلدان آسيا وشرق وآسيا، «ونحن نشاهد في بعض البرامج التلفزيونية، أن هذه المكنة موجودة في تونس والجزائر والعراق ولبنان وسورية»، بحسب قوله. وتضم هذه المكنة أقساماً مختلفة، وهي: المسداه، دفاف، المشط.

ويشير إلى أن المكنة لها قياسات محددة، ولا يمكن عمل مكنة بقياسات غير محددة، وأن بإمكانه عمل هذه المكنة المصنوعة من الخشب.

لماذا بني جمرة؟

يشير «أبوعصام» إلى أن أهالي قرية بني جمرة، هم الذين استمروا دون غيرهم من أهالي القرى الأخرى، في مهنة النسيج، ويعود ذلك بحسب اعتقاده، إلى أن أهالي القرى الأخرى غيروا مسار تجارتهم بعد التنقيب عن النفط، كما أن أبناءهم لم يأخذوا مهنة الآباء، وليس في مهنة النسيج فقط، وإنما في الكثير من المهن التراثية.

وفي بني جمرة كانت كل الأسر تعمل في صناعة النسيج، وكان عدد المصانع الموجودة في بني جمرة يصل إلى 12 مصنعاً، وكل مصنع يعمل فيه ما لا يقل عن 3 أشخاص، إما إخوة أو أقارب، وكل شخص يصنع ما يستطيع من النسيج، وذلك يعني أن جميع أسر بني جمرة كانت في تعمل في مهنة صناعة النسيج.

أما عن عدد الأشخاص الذين مازالوا يمارسون هذه المهنة، فيذكر أن أبناء عبدالرضا جعفر عبدالرسول وهو «أبوعصام»، هم الذين مازالوا يعملون في هذه المهنة.

حلم «أبوعصام»

وعلى رغم أن «أبوعصام» قد تجاوز عمره 70 عاماً، إلا أنه مازال يحمل في قلبه الكثير من الأحلام والآمال، فهو يحلم بأن يكون لديه «دكّان» تكون مساحة 10 أمتار مربعة، يمكنه من خلاله أن يواصل العمل في هذه المهنة، ويعرض ما ينسجه من القطع القماشية، كما يكون هذا الدكان وجهة سياحية، ومكاناً يزوره الكبار والصغار ويتعلمون هذه المهنة البحرينية القديمة، إلا أن قلة المال تحول بينه وبين تحقيق حلمه.

كما إنه يحلم بأن يحمل الشباب راية المحافظة على التراث البحريني، وخصوصاً مهنة صناعة النسيج، فهي من المهن التي تفخر البحرين بها. وفي هذا يقول: «كان هناك شباب في التسعينات يعملون في النسيج، ويعتبرونها مصدر رزقهم، وتوقفوا عن العمل في هذه المهنة بسبب غياب تسويق ما يقومون بنسجه من قطع قماشية وأردية وأغطية وغيرها من قطع النسيج.

ولم يخفِ أنه علّم أبناءه الحرفة التي تعلمها قبل 27 عاماً، إلا أنهم يبتعدون حالياً عن هذه المهنة، فبعد أن كان يصحبهم معه إلى المعارض وغيرها من أماكن العرض، أصبحوا يخجلون من ذلك الآن، وخصوصاً أنهم كبروا.

ويقول في تعليقه على ذلك «العيب الذي فينا هو الحياء والخجل من الآخرين، في حين أن هذا فخر بأن يتعلم الإنسان صناعة النسيج».

كما قام «أبوعصام» بتدريب طلبة في مدرستي الدراز الإعدادية للبنين، والسنابس الإعدادية للبنات، وكانت مدة التدريب تقريباً عاماً كاملاً، وكانت الطالبات متجاوبات، بل إن بعضهن يعرفن المهنة، إلا أنه لم يستمر في تدريب طلبة المدراس، لعدم وجود مردود مادي من ذلك، إذ كان يذهب 3 أيام في الأسبوع ليدرب طلبة المدرستين المذكورتين، إلا أنه لم يحصل على مردود مادي من ذلك، وحاول مع وزارة التربية والتعليم أن توظفه، إلا أنها لم تقبل بذلك، بحجة عدم امتلاكه لشهادة تربوية، وعلى رغم أنه كان يذهب إلى الوزارة بشكل يومي، ويبدي رغبته في العمل والدراسة معاً لمدة عامين، إلا أنه لا جدوى.

حكاية النسيج

تبدأ قصة نسج أية قطعة القماش، من وضع خيوط الصوف في القطعة البلاستيكية التي تُثبت في «الكريب» أو «المكوك»، فخيوط الصوف لا يمكن استعمالها في النسيج قبل أن تُلف حول هذه القطعة البلاستيكية التي تُشبه القلم، وتتعدد ألوان وأنواع الخيوط المستخدمة بحسب طلب الزبائن، فبعضهم يحب الصوف، وبعض آخر القطن. ويستغرق عمل قطعة قماش طولها مترين، قرابة ساعتين ونصف.

وفي إجابته عن تساؤل عما يمكن نسجه، قال إن النسّاج يمكنه أن ينسج الإزار والرداء الصيبعي (رداء يُستعمل حالياً في الأعراس، إذ يُغطى رأس العروس به)، والرداء الأسود، وهناك رداء تضعه النساء والكبيرات في السن على رؤوسهن، وهو أقدم من «المشمر»، ومازال هذا الرداء يُصنع ويستعمل من قبل بعض النساء، بل وصل إلى السعودية، حيث يستعمل في منطقتي الإحساء والقطيف السعوديتين.

معوّقات النسيج

ويرى أن المعوقات التي تواجه المواصلين في مهنة صناعة النسيج، تتمثل في عدم وجود اهتمام بهذه المهنة التراثية من قبل الجهات الرسمية، وعدم وجود مكان محدد يضم النسّاجين. ويعود «أبوعصام» بذاكرته إلى الوراء، ويشير إلى أنه خُصصت في وقت سابق أرض وحددت الموازنة لإقامة مصنع للنسج إلا أن «الأرض اختفت، والموازنة طارت». فوجود مكان محدد، يمكّن السائحين من معرفة هذه المهنة، وزيارتهم له في جميع الأوقات، على حد قوله.

وبابتسامة خفيفة يقول «أبوعصام»: «أكثر الزبائن لمنتوجات النسيج هم من النساء، ومن غير اللائق أن أخرج ما بين يوم وآخر وأستقبل نساء وأدخلهن إلى منزلي، فهذا أمر فيه حرج».

تجربة المشاركة في المعارض

كان من اللافت في معرض البحرين الدولي للطيران، الذي أقيم في الفترة ما بين 16 - 18 يناير/ كانون الثاني (2014)، تواجد «أبوعصام» في المعرض، إذ كان ينسج القطع القماشية ويبيعها على زوار المعرض. ويصف التنظيم في المعرض بأنه «متميز جداً، وقد قدمت لنا الكثير من التسهيلات، كما إن مسئولي مركز البحرين للحرفيين استجابوا لكل طلباتنا، وإنهم سهّلوا كل المعوقات التي واجهتنا».

عدد قطع النسيج يومياً

عندما يشعر الحاج «أبوعصام» بالضيق، يولي بوجهه ناحية المعمل، ويبدأ بنسج القطع، ويطرب لسماع صوت المكنة التي يلف بها خيوط الصوف على البلاستيك (مكنة يدوية فيه سلسلة حديد موصلة بعجلة دراجة هوائية)، فهو يقضي ساعاته الأولى من الصباح في المعمل، وينسج قطعتين من النسيج كل 3 أيام، غير أنه يترك المكان كلما زاره ضيف، أو طُلب منه أمر ما.

ويؤكد أنه غير آسف على أنه تعلم هذه المهنة، بل إنه يعتز ويفتخر بها، إلا أنه لم يعد يجعلها مهنة رئيسية لمصدر رزقه، فهو لا يملك وسيلة تسويق ما ينتجه، وبالتالي لا يبيع بشكل يومي، وكان في الأعوام الماضية يبيع ما ينسجه أمام باب البحرين، قبل أن تتطور سوق المنامة، وتصبح بالصورة التي عليها الآن.

أمنية «أبوعصام»

بعد الحديث الذي استمر مع «أبوعصام» قرابة الساعتين، توّج كل ذكريات النسيج وتفاصيله، بأمنية يريدها أن ترى النور خارج المعمل الذي يمارس فيه مهنة النسيج، فهو يتمنى أن تقوم جهة معينة، سواءً حكومية أو غير حكومية بتبني هذه المهنة، وتعمل على إنشاء موقع لتجمع ممارسي هذه المهنة، وسيكون صرحاً تفتخر به البحرين، وليعرف المواطنون والأجانب وكل من يزور البحرين، أن هناك مهنة تراثية قديمة (مهنة النسيج)، لاتزال تُمارس، وهناك من يستطيع أن يستمر في مزاولتها.

أما أمنيته الأخرى فهي أن يتعلم الشباب البحريني هذه المهنة، وليس من الضروري أن يأخذها كمهنة رئيسية، بل يمكنه أن يأخذها كهواية، ويفتخر في يوم من الأيام أنه يتمكن من ممارستها.

نجم ينسج الخيوط الملونة في معمل صغير بمنزله في بني جمرة  -تصوير : محمد المخرق
نجم ينسج الخيوط الملونة في معمل صغير بمنزله في بني جمرة -تصوير : محمد المخرق

العدد 4168 - الإثنين 03 فبراير 2014م الموافق 03 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:41 ص

      اه يالبحراني

      سواعد شيدت مجد بلادي زرعت نخلا واصطادت الاسماك

    • زائر 6 | 4:51 ص

      أثلج صدري

      كم أحب رؤية مبدعين هذا البلد المعطاء
      مبدعة صغيرة

    • زائر 5 | 4:43 ص

      ايه نعم يالوسط والنعم ابهالوجوه السنعة والمنيرة والمميزة

      قال رسول الله(ص):ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده. الله يطول عمره ويعطيه القوة ويخليه ذخر لنا ولقريته بني جمرة.

    • زائر 4 | 12:51 ص

      صباح الخير

      الله يطول في عمرك ويعطيك الصحة والعافية

    • زائر 3 | 12:22 ص

      طول الله عمره

      ما يزعج احد من الجيران ؟؟ لو ما يقط خيوط و يخرب منظر الشارع الجميل؟ اصلا عنده ترخيص يشتغل في بيتهم؟ الله يواليه الصحة و العافية و مايطلع واحد يثير هالامور

    • زائر 2 | 11:10 م

      الله يعطيك العافيه حجي

      دمتم فخر لهذا الوطن.. على راسنا والله

    • زائر 1 | 10:59 م

      صباح الخير

      الله يعطيك العافية والصحة أبو عصام

اقرأ ايضاً