البعد الآخر للظلام هو أسوأ مرض عقلي يصيب الإنسان، وفي هذا البعد تختل المقاييس بين الحقيقة والوهم، فيؤمن الظالم بأنه عادل أو مظلوم، ويعتقد البخيل بأنه كريم.
ما هو البعد الآخر للظلام؟ حتى نوضح هذا البعد علينا أن نعرف ثلاث قواعد.
القاعدة الأولى: ما هي النقطة الوسط التي تفصل بين الصح والخطأ؟ فالأشياء كلما صغرت صعب على العين رؤيتها، مثل الذرة، وكلما كبرت الأشياء أصبح من السهل رؤيتها مثل الهاتف.
كذلك الأخطاء، كلما صغرت صعب رؤيتها، وعندما تكبر تصل إلى حجم معين يمكن رؤيتها، وهذه هي النقطة الفاصلة.
القاعدة الثانية: وهي نظرية التشبع والترويض. وللتوضيح، إذا استخدمت عطراً جديداً، فإنك تشعر برائحته في الأيام الأولى، لكن بعد شهر يحدث تشبع وتخدر، ولا تعود تشعر برائحة العطر، بينما المحيطون بك يشعرون بالرائحة وأنت الوحيد الذي لا تشم الرائحة. وكذلك بالنسبة للروائح الكريهة، إذا عمل شخص في أماكن ذات روائح كريهة، فسيشتكي منها في الأيام الأولى، لكن مع مرور الزمن سيتعود عليها، ولن يشعر برائحتها.
القاعدة الثالثة: السراب. الإنسان في الصحراء، يقول هناك ماء، وعندما يذهب لا يجده. هذا الإنسان صادق في الظاهر عندما يقول أن هناك ماء، ولكن هذا الماء سراب، وليس حقيقة.
فالعبد الآخر للظلام، يصل إليه الإنسان، عندما يمر بثلاث مراحل، الأولى أنه يرتكب أخطاء لا يراها لصغرها، وكثرة هذه الأخطاء تدخله إلى مرحلة ثانية وهي التشبع والترويض، والتي يموت فيها الإدراك المسئول عن رؤية الأخطاء، ومن ثم دخول المرحلة الثالثة وهي التوهم بأن هذه الأخطاء هي أمور صحيحة، مثل العطشان الذي يتوهم السراب بأنه ماء، لكن الفرق بأن العطشان يدرك الحقيقة إذا ذهب للمكان فيكتشف بأن الذي رآه سراب وليس ماء، بينما من يصاب بالبعد الآخر للظلام فلن يدرك الحقيقة إلا بزلزال هادر يضرب بنيته العقلية (لعلّ وعسى).
وهذا ينطبق على موضوع حقوق الإنسان في البحرين، فالجهات الرسمية تقول أنه لا توجد انتهاكات حقوق إنسان، وأن السجناء يعاملون معاملة أفضل من المعايير العالمية، ولا يوجد سجناء رأي...إلخ. بينما تأتي التقارير الدولية صادمة وتؤكد العكس.
المسئولون في البحرين عندما يقولون بأنه لا توجد انتهاكات لحقوق إنسان، أو إساءة للسجناء، ولا يوجد سجناء رأي، فإنهم يتوهمون الصدق مع أنفسهم، ولكن ما يرونه سراب، والمنظمات الدولية تقول بصريح العبارة: هذا سراب.
فعندما حدثت أخطاء في السجن، المسئولون لم يروها، ومع تكرارها، حدث تشبع وترويض، ومن ثم عدم إدراك الأخطاء رغم كبر حجمها، ومن ثم الدخول في مرحلة السراب والوهم بأن الموجود هو الصح.
من خلال تجربة اطلعت عليها، تم تقديم أكثر من 100 رسالة لمختلف الجهات بالإضافة إلى المراجعات التي تصل إلى أكثر من 300 مراجعة بخصوص التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان لأحد المعتقلين، ولم تكن هناك نتيجة.
إحدى الشكاوى المتكررة، في عامي 2012 و2013، كانت تتعلق بطلب لإدخال ملابس لموقوف، الا انه لا استجابةً من أي مسئول لأنهم لا يرون منع إدخال الملابس مشكلةً أو خطأ. على الرغم من أن الجو كان بارداً جداً، وعدم إدخال الملابس الشتوية في ذلك الوقت القارص هو بمثابة تعذيب للسجناء والمعتقلين.
منذ ثلاثة شهور وهناك مطالبة بعلاج المعتقل، وأرسلت العديد من الرسائل للمسئولين، والنتيجة النهائية توقف العلاج، لأن المعنيين لا يرون أن عدم علاج هذه الموقوف خطأ، وربما يتسبب التأخير في العلاج بمضاعفات تحدث إعاقةً دائمة.
وقد تكونت قناعة لدى الكثيرين بأن مختلف الجهات دخلت في دائرة البعد الآخر للظلام، وأصبحت لا ترى الأخطاء حتى لو تقدّمت بمئات الرسائل والشكاوى.
في الأفق لا توجد مؤشرات لحدوث نقلة نوعية في حقوق الإنسان، لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الأهلي، وبالتالي استمرار محركات الدوافع الكامنة في النفس البشرية للاحتجاجات بأشكال وصور مختلفة، ولن تتوقف إلا إذ حدثت نقلة نوعية في مجال احترام حقوق الإنسان وصون كرامته.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 4166 - السبت 01 فبراير 2014م الموافق 01 ربيع الثاني 1435هـ
صدقت
بارك الله فيك اخ عباس صدقت ولا حياة لمن تنادي
أخالفك الرأي أستاذي والأسباب هي
من يقوم بواجب وظيفته وبالذات الأجهزة الأمنية يعرف القانون لكنه يعتمد على عقيدة أمنية استمرت عقود طويله وهي وجوب الطاعة العمياء وتفنيد مايطلب منك دون نقاش وهي تبدء لحظة استلام الشخص للتدريب العسكري لدينا مركزية شديدة لا يستطيع اكبر موظف تجاوزها والمشكلة بان الأوامر هي شفوية وملزمة ولكي لاتكون دليل على التجاوز هذا هو حالنا في البحرين والعيب في منقد القانون
رائع المقال
صح الله لسانك يالجار