تتشكل القصيدة عند ميرة القاسم من الإمارات، عبر مجموعة من المقاطع الشعرية التي تحمل أرقاماً متسلسلة، يجمعها عنوان واحد عن الليل.

لا تتكشف القصيدة بما تحويه من القراءة الأولى، ذلك أن الشعر بطبيعته يتأبى عن الأخذ من أقصر الطرق، فتنبثُّ علاقة خفية تبدأ من العنوان لتتسرب في داخل القصيدة، وتبدأ بضمير جماعة المتكلمين، وكأنها تشير إلى جنس ما في مقابل جنس آخر (الرجل/ المرأة) لتعطي ذلك المعنى الذي يشارك الليل فخاخه التي لا ترى، رغم حدة البصر إلا أنه يصير أعمش في الليل كما تختفي كل الألوان، فينصب فخاخه التي لا ترى، لتصير كمائن تعصف بالروح، تلك الروح التي تنطلق منها الشاعرة لتلمس كل الأرواح. كم هو شرس ليل المعارك، كم هي جميلة كمائن المحبين الليلية!

(4)

أتحسس طريقي إلى البيت

بصري حاد

ولكنني لا أرى الكمائن في مواضعها ( )

يأخذ الليل مداً شاسعاً في الشعرية العربية، فقد تغنّى به الشعراء منذ العصور البائدة، وظل فيمة يتداولها الشعراء العرب، فمن ليل امرؤ القيس إلى ليل النابغة الذبياني إلى ليل يتعدد في الشعرية العربية، وكل يقتبسه على قدر شاعريته، ولكن المتفق عليها ربما في الشعرية العربية أن الليل يحمل في داخله ضنى وأسى متعدداً متراكباً كموج البحر أو كالجيش الجرار، الذي يطلب الشاعر، فيستعصي عليه مكان ما يمكن أن يختبئ فيه، لذلك يظل الليل محل أسى مقيماً في التقاليد الشعرية التي تحولت فيما بعد ليعبّر الليل عن رومانسية روحية.

ولكن ذلك لا يمنع أبداً إمكانية تحويل الليل إلى شيء شفيف يهدي المحبين إلينا، فبدل أن يكون محل رفض يكون محل ترحيب يجب الحفاظ عليه، ولعل ما يمارس في الليل هو ذاته ما يجعله حميمياً من السهر مع الندمان والأحبة بتنوعهم، وهو ما يمكن أن يكسر التابو الذي يذهب بكون الليل ستاراً يخفي، وعلى قدر ما يخفي يظهر، كم نجمة سنرى في الليل وكم حبيب سيبوح، وكم حبيبة سيطوحها الحب في ذلك الليل؟ إن سراق الليل هم الجهة الأخرى التي تعبّر عن جنس الرجال، وذلك بعض ما نحمله ونحن نذهب في القصيدة مع الشاعرة.

(1)

نحرس الليل

لئلا يسرقه اللصوص

فلو فعلوا.. كيف سيهتدي إلينا الأحبة؟

ولعلنا ندرك ذلك الترابط الخفي بين الليل والعتمة، ذلك الليل المتجدد أبداً، والذي جعل العرب القدماء يقفون عليه باعتباره كراً للدهر موجعاً ومضنياً، حيث يبدو الناس كأنهم فلينة طافحة على صفحة الوقت الذي يتجدد بكرّ الجديدين الليل والنهار، بينما يصيبهم البلى، تلك الحالة الإنسانية التي تنتفي عند بعض البشر الذين يتحولون بفعل سلطة عارمة كالليل لا تشيخ ملامحهم رغم كرّ الدهر، فيبقون في ثبات يعرفهم الماضون والقادمون كأيقونات العصر، إنهم كائنات الليل «اللصوص».

(2)

عتيقة معظم الوجوه

ألفناها قبل أن نجيء

إلى هذا العالم.

إذا يحضر الليل تحضر معه الأحلام كما تحضر الكوابيس، نعرف كيف تكوّن الكوابيس أناساً يجعلون الحياة مرة، ونعرف كيف يشبَه بعضهم أحلامنا الجميلة، نعرف أن في الليل تتصارع الأحلام والكوابيس، في النهار تتحقق الأحلام وتندحر الكوابيس، ونلاحظ في التعبير عن الأصدقاء أنها اختارت لفظة تجمع الأناث والذكور، ذلك أنها قالت الأصدقاء ولم تقل الصديقات، ويبدو من تجارب الحياة أن الصديقات هن أكثر ما تختاره المرأة، ولذلك تدقق الشاعرة في الأصدقاء لتختار منهم بعد طول معاناة، ويبدو أننا عند ذلك نبحث عن نافذة إلى الروح لتتصل بالأرواح الأخرى، بدون الليل لا يمكن أن نتمالك لأننا من خلال أحلامنا وكوابيسنا نتوازن إنسانياً، هكذا يبنى الجسر بيننا وبين أحلامنا، بيننا وبين كوابيس تثور في النوم، بيننا وبين أصدقائنا، أحلاماً ممكنة.

(3)

أنتقي ملامح أصدقائي

كما أنتقي أحلامي

بعد طول كوابيس

كثيراً ما نتهم الليل بالظلمة والظلمات.. إلخ، ولكننا يمكن أن ننظر إلى بعض الأرواح المظلمة التي تبدأ نهارها بإبادة حقل ما، وهو ما يبرر لنا النظر إلى كيف يمكن للصوص أن يسرقوا الليل، كيف تظل أرواح للصوص قابعة في ظلمة تتجاوز قسوتها الليل الذي يمكن أن يكون بهيجاً، الحقل يتساوى مع الغبطة، ويذهب نحو المحبين، ذلك هو الكابوس الذي سبق أن تكلمت عنه الشاعرة في مقطعها الثالث، وهو الممثل للصوص الذين يسرقون الفرح، وتبرز هنا صورة الرجل ذلك الكائن الذي ترى الشاعرة إمكانية أن يسرق الفرح ويبيد الحقل، مسرفاً في إهدار الرأفة، وهو الذي يسرق من الليل سحره ورومانسيته الجميلة.

(5)

لن تعدموا الرأفة في الحديد

ولكن لا تهدروا وقتكم

في التماسها لدى رجل يبدأ نهاره بإبادة حقل

عندما نتشارك في الدخول إلى الحياة نحمل أعباءها الفريدة، ولكننا حين نخرج من التواصل الإنساني نحمل العبء أيضاً، ولكنه في اتجاه آخر بعيد عن الاشتغالات اليومية والذهاب في كساد البطالة، فكما تظل بعيداً تستطيع سرد وهمك السعيد، كأن السعادة مشاركة لا تنبت عن المشاركة في السهر على الليل الطيب كي ينام اللصوص.

(6)

للدخول أعباؤه..

للخروج بطالته

(7)

لن تعيا عن سرد وهمك السعيد

(8)

تابعوا سهركم

كي ينام اللصوص...