سَبَقَ أنْ قلت، بأن الإعلان عن عدم دعوة إيران لمؤتمر جنيف 2 الخاص بسورية هو إجراء بلا قيمة وللتعمِيَة فقط. وبرَّرتُ ذلك بأن الإيرانيين، هم متواجدون على الأرض السورية، وفي السياسة السورية، وفي الاقتصاد السوري، وفي القوة العسكرية السورية، وفي التحالفات السورية، وهو ما يعني أن وجودهم في المؤتمر، هو وجود «ضرورة» لا «اختيار»، وبالتالي لا يُمكن لمؤتمر جنيف أن تتحرَّك مياهه الراكدة إذا ما غاب عنه مثل هذا الطرف.
وقد ذكرنا، أن الغربيين يُدركون ذلك جيداً، وسيسعون إلى تجنبه. هذا الأمر تحقق كما ذكرناه. فقبل ثلاثة أيام، أُعلِنَ في جنيف، عن «لقاءات سرية تُعقد في العاصمة السويسرية بيرن وتَجْمَع ممثلين عن المعارضة والنظام السورييْن، وبرعاية روسية أميركية وبمشاركة إيرانية». وقد قيل أن هذه الاجتماعات «الموازية» تناقش ملفات مفصلية، بينها «العمليات العسكرية ومكافحة الإرهاب» داخل الأراضي السورية وخارجها.
والحقيقة، أن مثل هذه اللقاءات لم تكن مفاجئةً لأي مراقب له دراية بطبيعة الأزمة السورية وتعقيداتها، كونها (أي الاجتماع بالإيرانيين) تحصيلٌ حاصل، وربما كانت هي «المفاوضات الحقيقية» بشأن سورية، وليس تلك التي بدأت في مونترو وانتقلت إلى جنيف. فهي موازية للاجتماعات العلنية، لكنها أكثر تأثيراً منها، باعتبارها تناقش ما يخشاه الغرب، ولا علاقة له بـ «طموحات ديمقراطية» ولا بـ «حرية الشعب السوري».
هنا، يجب أن نتحدث عن آلية جديدة، بات الغرب وإيران يتبعونها في تقاربهم بشأن ملفات عديدة، كالملف النووي الإيراني، وأمن المنطقة وغرب آسيا، ومنها الملف السوري، وتقوم هذه الآلية على «صناعة الثقة والمصالح عبر المسار البديل». وما أعنيه بالمسار البديل بالنسبة للغربيين، هو عبر جوقة من السياسيين السابقين، الذي كانوا يتقلدون مناصب تنفيذية مهمة في الدول الكبرى والمؤسسات الدولية، وهم اليوم خارج السلطة.
وربما وَجَدَ المتابعون للشأن الإيراني في الآونة الأخيرة، حركة زيارات نَشِطَة تجري في القصر الجمهوري، والمجلس الأعلى للأمن القومي ووزارة الخارجية بطهران، تمثلت في زيارات متوالية، قام بها مسئولون غربيون وشخصيات عالمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. فقد زار أمين عام الأمم المتحدة السابق، ورئيس مجلس الحكماء بجنوب إفريقيا، كوفي عنان إيران الأحد الماضي، وتبعه الرئيس الفنلندي السابق مارتي أهتيساري أيضاً.
وفي الوقت نفسه، تواجد رئيس الأساقفة الفخري لمدينة كيب تاون، ديزموند توتو، وكذلك الرئيس المكسيكي السابق إرنستو زيديلو في طهران. وقد جاء في التعليق على تواجد تلك الشخصيات في إيران، أنهم يتواجدون فيها «لإجراء محادثات مع مسئولين إيرانيين، بشأن مجموعة من القضايا الإقليمية». وقد سهَّلت تلك الزيارات وساهمت في الدفع بمشاركة الغرب وإيران في تلك المفاوضات الموازية في بيرن (وقضايا أخرى أيضاً).
وربما هنا نُذكِّر بالزيارات التي قام بها إلى إيران وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو، ورئيس مجموعة الصداقة البريطانية الإيرانية في البرلمان البريطاني، والدور المهم الذي اضطلع به من أجل إعادة العلاقة بين لندن وطهران، وكذلك، تقريب وجهات النظر بشأن الملف النووي الإيراني، والذي حثَّ أيضاً مؤخراً ومن على منصة البرلمان الإيراني على «ضرورة مشاركة طهران في مؤتمر جنيف 2 حول الأزمة السورية بدون شروط مسبقة».
ربما لا تقتصر «عمليات التزييت» تلك على مثل هذه الشخصيات، فهناك مسئولون ألمان وإيطاليون وأسبان وسويسريون لعبوا دوراً مماثلاً. وبالمقابل، تلعب شخصيات إيرانية مقيمة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ذات الدور، ومعها شخصيات غير ظاهرة في السياسة الإيرانية من داخل طهران، وبالتحديد من البازار ومن مكتب المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي، بل وحتى من الأقليات الدينية الإيرانية، كاليهودية والمسيحية.
الحكومات الغربية تعتقد أن مثل هذا المسار، هو الأقدر على طرح موضوعات قد لا تتمكن هي من التحدث عنها علناً، نظراً لارتباطها بالمصالح السياسية والانتخابية حتى، وبالتالي لا تتأثر صورتها أمام الرأي العام وأمام حلفائها. فعينها اليوم على قضايا الأمن القومي لدولها والذي بات مؤثراً في مجتمعاتها، وبالتحديد خطر التنظيمات الجهادية. وهو أمرٌ عبَّر عنه صراحة وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو.
وربما صار هذا الملف من أهم الملفات التي يتعاون فيها الغرب مع الإيرانيين، وبالتحديد في أفغانستان وغرب العراق، وإنْ بأثمانٍ سياسيةٍ تطلبها طهران. ففي يوم الأربعاء الماضي، تحدّث مدير المخابرات الوطنية الأميركية جيمس كلابر أمام الاجتماع السنوي للجنة المخابرات بمجلس الشيوخ بشيء من الصراحة عن مسألة الجهاديين العائدين إلى أوروبا من سورية، ما يُبيِّن توجّس الغرب من هذا الملف.
فالاستخبارات الأميركية تقول، أن هناك «سبعة آلاف متشدد أجنبي جاءوا من نحو خمسين بلداً، بينها دول كثيرة في أوروبا والشرق الأوسط، وهم يقاتلون إلى جانب مسلحي المعارضة في الحرب السورية، وأن بعضهم يتم تدريبهم كي يعودوا إلى أوطانهم لشن هجمات، وهو ما يُمثل مبعث قلق كبير ليس لنا فحسب بل لهذه البلدان أيضاً».
بل إن رئيسة لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأميركي السناتور ديان فنشتاين قالت: «إن الوضع في سورية هو أبرز تهديد أمني جديد ملحوظ في العام منذ آخر اجتماع للجنة بشأن التهديدات العالمية». مثل هذا الأمر، وكذلك انفتاح الأزمة السورية على مصراعيها، يجعل الغرب يندفع باتجاه طهران للتنسيق والمتابعة معها.
في المحصلة، فإن الغرب على ما يبدو يحاول التوفيق بين خطين متوازيين فيما خص الأزمة السورية. فهو من جهة يحاول ضرب سلطة الأسد في سورية عبر التعويل على قوى «الاعتدال» كما يسميها في المعارضة السورية، وفي الوقت نفسه، عينه على كرة النار السورية المتدحرجة والمتعاظمة محاولاً إيقافها، والتي منها قضايا أمنه القومي، وربما كانت هي الأرجح بالنسبة له. وفي كلتا الحالتين، هو مضطرٌ للتحاور مع مَنْ يملك مفاتيح دمشق. وربما وجد أن تلك المفاتيح موجودة في طهران، فوضع الطاولة معها للنقاش.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4165 - الجمعة 31 يناير 2014م الموافق 30 ربيع الاول 1435هـ
محمد
اذا تعرف وين المفاتيح خبرنا ؟ لا اتخلينا اندور ونتعب تالي تطلع المفاتيح عندك وايضيع تعبنا بلاش
الي يضحك
الي يضحك ان صار الاعلام العربي ووسائل الاخبار العربيه صارت تكلم روحهه ول أخد يسمع لهه لان الغرب وإيران يطورون العلاقات في ما بينهم بدون ما يدخلون الدول العربيه هههههه
والدول العربية انحصرت بس مو قضية سوريا هههههههه
مصالح
لما استلمت ايران زمام أمورها وخفضت العقوبات عليهه صارت الازمه السوريه أزمة عربيه بين تمويل المسلحين من العرب وفضايح مسؤولين وبين الاستنكار عل الاتفاق النووي الايراني الامريكي !!
وين العرب من هالاتفاق؟؟ لو كان لهم مكان ليش الاستغراب الكبير عل بعض الدول العربيه من الاتفاق الايراني الامريكي!! ولغة امريكا لبعض الدول العربيه تغيرت بعد الاتفاق خصوصا في الشان السوري مع ان امريكا حليفة لهالدول العربيه
الكل يدري
الكل يعرف من وين المسلحين يحصلون السلاح والمال وللأسف من دول عربيه الي دفعت مليارات للحرب في سوريا وبعد الدفع والحرب اتفقت ايران وامريكا ورسمو استراتيجيه لسوريا بدون إخطار الدول العربيه يعني لو يصير حل سياسي في سوريا راحت الفلوس وراحت الأرواح في سوريا هدر وهاي الي بيصير
متابع ... طلب قديم ( 2 )
نرجوا من الكاتب القدير أن يكتب لنا مقالات تتناول الأمور التالية : 1- قضية النفط الصخري في أمريكا و تأثيرها على امريكا اقتصاديا و على علاقاتها الاقتصادية و السياسية مع العالم و الدول النفطية بالأخص ، وأخص من ذلك الخليج ( هل صحيح أنها ستتخلى عن الخليج قريبا بسبب ذلك ؟ ) ...... 2- سوريا : الواقع الميداني ، أين تسيطر المعارضة تحديدا و أين يسيطر النظام ؟ بغض النظر عن التهويل الاعلامي لكلا الطرفين ، و أيضا من يتقدم الآن عسكريا و سياسيا ؟ أم أن الوضع شبه ثابت ؟ نسبة الاراضي التي يسيطر عليها الطرفين ؟
متابع .. طلب قديم ( 1 )
متابع 2013-12-09 | 6:35 صباحاً نرجوا من الكاتب أن يشرح لنا هذه القضية : ماذا تعني اسرائيل بالنسبة للغرب و العالم ؟ ما هي أهميتها بالنسبة للغرب ( امريكا تحديدا ) ؟ ما هي المصلحة التي توفرها لهم بحيث يولونها و يولون أمنها كل هذا الاهتمام و كل هذا العمل ( من نزع الكيميائي في سوريا إلى اتفاق نووي في ايران ) ؟ لماذا يتسابقون لنيل رضاها ( تصريحات الزعماء و زياراتهم المتكررة ) ؟ بل حتى روسيا ظاهرا في خط الدفاع عنها ! ..... و أخيرا متى يمكن أن يوقفوا التضحية لأجلها أو يحصل بينهم ( افتراق مصالح ) ؟
تسلم ايدك
تسلم ايدك استاذ محمد على هذا المقال الجميل ،، كما العادة
شكرا الاخ محمد علي هذا المقال..
النتيجة ان عمليات الطبخ تجري علي قدم وساق في الغرب ويبدو للعيان ان ايران تحب تطبخ سياسة بنفسها وتتحمل حرارة المطبخ وروائح البصل..اما العرب فانهم يفضلون خدمة الطلبات السريعة و يطلبون من المطعم السياسي ولو تأخر الاكل او زاد السعر!! المهم ان الطبخ يتم في الاماكن المغلقة ولاندري اذا كان علي الفحم او الافران الحديثة ولكن العرب هم دائما ممنوعون حتي من المشاركة لا في الوصفة ولا المقادير دعك من الطبخ. اللهم اننا لا نسالك رد القضاء ولكن نسالك اللطف فيه
أخبار اليوم
أخبار اليوم تفيد بأن استحالة التقدم في جنيف تطلب مشاورات دولية غير اجتماع جنيف
لرابطة المصير لدينا تمعنوا في هذا المقال
لدينا اتجاه رسمي وشبه رسمي وغير رسمي بان حل أزمتنا مرتبط بسقوط النظام السوري ونقول لهم عليكم بالتمعن بهذا المقال وتحليلاته لتعرفوا اين انتم واقفون وخسارتكم ستكون كبيرة ومؤثرة والوقت بيننا