واحدة من أهم مبادئ علم الإدارة الحديث هي عملية إسناد واتخاذ القرارت المبنية على أسس علمية صلبة أفرزتها جهود بحثية ممنهجة تنطلق من واقع وحاجات المجتمع، حيث تزخر كل المجتمعات بما فيها النامية، بكوادر بشرية على مستوى عالٍ من التأهيل والقابلية للاندماج والعطاء العلمي بمقدار يفوق التوقع وإمكانات كامنة تزهر تقدماً يذهب بعجلة التنمية آفاقاً سامية.

عادة ما تضع الحكومات وترصد جزءاً كبيراً من مصادر دخلها نسبياً لتنمية بشرية مستدامة لتحقيق العائد المرجو وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتننمية والتقدم المجتمعي، تلك هي بنية تحتية من الأجدى تأطيرها في مسار علمي بحثي يتخذ من أهداف التنمية والتطور محركاً ومنهاجاً لخلق أدوات عملية تترجم تلك الأهداف وتسيرها واقعاً ملموساً يرتاده كل صانعي القرار في مناحي المجتمع الحيوية من تعليم وتدريب وصحة وأمن وصناعة وغيرها، في سبيل وضع سياسات خدمة وإنجاز على بينة من الأمر من ناحية، ومن ناحية أخرى تفعل مبدأ التخطيط السليم في تعاطي الجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية مع حاجات المجتمع، بدلاً من انتهاج سلوك ردة الفعل في تقديم الخدمة وتحفيزها.

تلك هي فلسفة ما نرمي إليه من خلق منظومة بحثية تنسجها كوادر قمة في المهنية، كل في مجال تخصصه، من أطباء عالميين، وأكاديميين، وخبراء تدريب، وخبراء أمنيين، وصناع مهرة وغيرهم، يحملون رسالة العلم وتسخيره بحثاً مستفيضاً وقياساً موضوعياً يستفيد منه صانعو القرار في خدمة المجتمع.

نسوق لذلك مثالاً لتوضيح المعنى واستقطاب الدعم والتبني المهني لهكذا منظومة ما يلي: على الصعيد الصحي، أن تقوم نخبة أكاديمية مؤهلة من أطباء عالميين بإنتاج دراسات تحلل وتقيس فاعلية برامج الرعاية والخدمات الصحية المقدمة للجمهور لتحديد مدى وفاعلية الاستفادة منها وجدوى الاستمرار فيها أو تقويمها عملياً واقتصادياً لتحقيق مؤشرات أداء وتميز موضوعة مسبقاً.

مثال آخر، هو انتهاج التحليل الموضوعي لما يصدر من سياسات خدمية وغيرها، خاصة السياسات العامة في الخدمة المجتمعية في محاولة لإثبات الجدوى من عدمها وتقديم البديل الأمثل في نسق علمي متكامل يجعل من فرص النجاح المحصلة الأقرب، ويحدّ من استنزاف مصادر ثمينة إلا فى أوجهها الصحيحة.

لدينا من الإمكانات الكثير، علينا فقط تفعيلها في النهج الأفضل، وعلينا كذلك ودوماً استحداث منتجات ذكية على جميع المستويات، تساعدنا في استبصار الطريق بوعي وعلم كافيين لتحقيق حضارة ننشدها، ونستفيد بناءً من مقدرات واعدة ربما كانت ستظل مركونة إلى ضياع وتلف إن لم تجد آلية لتبدع وتقدم كنوزاً من الإنجازات والعطاء.

صيغة بسيطة مقترحة، قد لا تكلفنا إلا اليسير من جهد ومال، إذا ما توسمنا العائد الجم من ورائها، هي من الممكن أن تكون منظومة ومنتجاً ذا فاعلية، تكوين مؤسسة غير ربحية تعني بكل ما سبق من جوانب مجتمعية من صحة وغيرها تضع على مائدة صانعي سياساتنا ومشرعينا ما يبنون منه جل برامجهم الخدمية، تلك المؤسسة يجب لزاماً أن تكون مفتوحة المصدر ينهل منها القاصي والداني في الرسم والتنفيذ المجتمعي، وتوفر بنية بحثية تحتية لتحسين مخرجات الخدمة وأساساً لإطلاق كل ما يتصل بها من دراسات وأدوات، كما توفر منصة تقارب بنيوية تجمع كفاءات المجتمع على اختلاف مشاربهم وصناعاتهم في نسق منظم يعمل من أجل تكامل الخدمة لسائر والمجتمع ويتيح لغة تخاطبية متناغمة مع جوهر التنمية البشرية ومراميها، فالاتجاه الحديث أكاديمياً، ومهنياً هو استحداث برامج تتناسق وخدمة المجتمعات متقاطعة في كل الأبعاد مع أكثر من تخصص بين صحة وخدمة اجتماعية وغيرهما، لذا نتطلع لاعتلاء موجة السبق فالوقت مازال أمامنا فلنعمل ونتميز.