بالاسم ترى صاحبك. ترى الذين لم تلتقهِم. أسماؤنا: صورنا، ملامحنا بين الناس حين نغيب. بعضها يأخذنا إلى العذاب المصطنع؛ وخصوصاً في الفرْز المذهبي والطائفي. يظل إنساناً صاحب الاسم. يُحاكم ويتم التعامل معه دون مستوى الحيوان في ظروف لا تحتاج إلى سرْد وشواهد وهي تحاصرنا بما بعدها من الماء إلى الماء.

أسماؤنا ذاكرة الذين التقينا أو لم نلتقِ... والذين في نأي المكان نصلهم من خلالها وبها. الاسم شارتك وجزء من سيرتك. تحضر السيرة بحضور الأسماء. ليس بالضرورة أن تتملّى في وجوه أصحابها. السيرة تقدّم لك ما بعد الوجوه؛ نفاذاً إلى داخلها ومعناها وقيمتها وأثرها؛ بياضاً أو عتْمة؛ شرفاً أو خزْياً، نُبْلاً أو وضاعة.

***

العالم يسع الجميع. بعضهم يرى بالكاد يسَعُه! المشكلة في تحديد مفهوم ومساحة العالم لمثل أولئك الشرهين في كل شيء بدءاً بالكبْسة وكبْس طمأنينة الناس ما قبل الفجر! وليس انتهاء بتفحّم أندادهم ولا يهم بعد ذلك ظروف وملابسات وتفاصيل التفحّم!

***

أول حوار أسسه خالق الكون مع المناوئ له: إبليس. حوار القوة والهيمنة والقدْرة والإحاطة مقابل تفاهة وضعف ووهم. ذلك لم يمنع إقامة حوار ومنح هامش لـ «الذهاب» في وهم التافه والضعيف؛ بل أتاح له أن يمارس وهم موهبته!

كان حواراً لامتحان الإنسان أيضاً. فيه درس للذين يتكئون ويستندون إلى القوة المجردة. يرون فيها الطريقة المثلى لحسم الإشكالات، ووضع نهايات للذين لا يرون لهم حقاً حتى في التنفس إلا بمقدار ومعيار!

***

في الحديث عن النهضة في هذا الكساح والشلل والفالج في أحسن الأحوال مثل الحديث عن جثة متعفنة يتم المراهنة عليها بالفوز في سباق 5000 متر فيما هي عاجزة عن التحرك من مكانها بحجم ومساحة ذرّة غبار!

نهضة محاصرة بالتخلف، ومحاصرة ببازار التفسير للدّين، ومحاصرة بوهم التوكيل السماوي بذبح عديد من البشر لإرسالهم إلى الجحيم في وقت مبكّر، ووهم التوكيل والاصطفاء من السماء بحجز مقاعد وأرائك وأجنحة في الجنة للمقابل والمضاد!

مثل ذلك الاكتظاظ في التفسير يخلق أمةً موعودةً بما بعد التخلُّف بسنوات ضوئية، ومثل ذلك التعاطي مع خيارات وطريقة وفهم الإنسان في إيمانه، ومحاولة معرفة الله أو الإله الذي به يؤمن ويوقن، لا يمكن أن يقود أو يدل على النهضة. ربما يقود ويدل على نعي أو وصفات معتمدة للكارثة!

***

وفي الحديث عن المعرفة، راهناً، لا معرفة إلا ما تفرضه عليك السلطة بدءاً بمناهج التعليم وليس انتهاء بتحديد طول وعرض وموضوع الطابور الذي تتلقّى في نهايته الإهانة تحت مسمّى مساعدة وغوث ونجدة وفزْعة.

المعرفة مشروع تبخُّر في ظل سُلَطٍ تجد فيها تهديداً. مشروع كتْمان وإدّعاء جنون. في كل زمن بُهْلول. لم تخترعه الذاكرة الشعبية كما يُشاع. اخترعه التحايل والترصُّد بنوعيات كتلك من السُلَط!

معرفةٌ تتآمر وتُدلّس وتغتال وتُشيع البؤس وتتبنّى القُبْح وتُقْصي الجمال. الجمال من حيث هو قيمة أصلية وليست تابعة وموضوع الهامش، لا يمكن أن تكون لها صلة بالمعرفة، تحت أي تسبيب أو تنظير، ولن تتجاوز كونها واحدة من أدوات الدمار والمحْو!

***

لا شهوة ولا اندفاع في الأمل. اليأس هو السيد. هو المايسترو في هذا الإيقاع الرتيب. يُراد للأمل والتجرؤ على متاخمته أن يُقابَل بمصدَّات «الغيب». أن يظل الإنسان خارج حدوده في السؤال وخارج نطاق المساءلة والاستنطاق. استنطاق ما ومن يحاول أن يستسخف قدرته على الأمل فيما المشروعات كلها وُجدت كي تسلك به مسْلك اليأس ليكون من رعاياه والممتن له وأحد غلمانه!

***

هناك من يولدون ويعيشون ويرحلون وهم يحملون الظُلمات. ذلك ما يتذكّرهم به الناس. لم ينجزوا ويُشيعوا سوى التعاسة والآلام والتآمر والرقابة على كل شيء. وهناك من يولدون ويعيشون ويرحلون وهم يحملون النور، وذلك ما يتذكّرهم به الناس. أنجزوا كل ما يشير إلى القيمة ويدل عليها ويشيعها بين الأحياء. ذلك أن القيمة للأحياء بجميل الفعل وروعة الموقف وشجاعة الدفاع عن كل ذلك.

بين حَمَلَة الظلمات والنور ذلك البرزخ بامتداد الفارق بين أن تعيش لتغْمُر من/ ما حولك بكل ما يدفعه إلى الارتقاء والاستقلال وفهم طبيعة الاختلاف في الجنس البشري وضروراته في الوقت نفسه، وبين أن تعيش لتُفْرغ من/ ما حولك من كل ذلك وما بعده إذا استطعت إلى ذلك سبيلاً!