على امتداد عشرة أيام كنت في أرض الكنانة في مهمة لمنظمة الشفافية الدولية لمتابعة الاستفتاء على الدستور. وفي حديث مع أحد المواطنين المصريين المخضرمين في حي الحسين، وفي رد على سؤالي عن شعوره قبيل بدء الاستفتاء على الدستور؛ ردَّ بتلقائية «شوف يا باشا، دا إحنا ما صدقنا نخلص من كابوس الاخوان، ذا الشعب المصري ما شعر بالفرحة من أيام الريس (أي عبدالناصر) زي الأيام دي»، خصوصاً أن الاستفتاء قارب عيد ميلاد عبدالناصر والمولد النبوي، وما شكل ذلك من إسقاطات وتعاظم الفرحة.
وبالفعل فمن خلال معايشة الشعب المصري من الإسكندرية حتى اسوان، فإنه يلحظ شعور الشعب المصري بأن غمة انزاحت عن كاهله، وأن هناك شعوراً بالحبور والفرح الذي افتقدوه طويلاً منذ أيام الرضا في عهد عبدالناصر، قبيل الهزيمة/ الكارثة في 1967.
لقد أعادت ثورة الثلاثين من يونيو التي استكملت بتحرك الجيش في (3 يوليو/ تموز)، لوضع حدٍّ للحكم الفئوي للاخوان المسلمين، الثقة إلى الشعب المصري بمستقبل زاهر ينتظره. وبالفعل فقد تتابعت خطوات الخروج من الكابوس إلى آفاق المستقبل الرحب، بتشكيل لجنة الخمسين برئاسة عمرو موسى، والتي وضعت دستوراً توافقياً، يعبر عن روح مصر وعمقها الحضاري وهويتها العربية الإسلامية القبطية، والتعددية الثقافية والنظام الديمقراطي السمح، وإشاعة الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية. وبعد عقودٍ من الاستبداد، وتهميش الشعب المصري، وتراجع دور مصر الريادي، تعود روح الثقة إلى الشعب المصري بمستقبل زاهر، ودور ريادي، وتسامح مختلف مكوناته.
لقد تجلى ذلك في عيد الميلاد المجيد في 7 يناير بحسب التقويم القبطي، حيث إنه ولأول مرة يقوم رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور، ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، بمشاركة إخوانهم الأقباط بالاحتفال في الكنيسة القبطية بالعباسية، بعمادة قداسة البابا تواضروس الثاني وتبع ذلك مناسبة المولد النبوي الشريف في (13 يناير 2014)، حيث احتفل المصريون بالمولد النبوي مسلمين ومسيحيين باحتفالات بهيجة لأول مرة منذ عقود. ومن أهمها الحفل الفني البهيج للفنان محمد ثروت في دار الاوبرا، حيث تتالت المدائح النبوية في شدو بديع، وتفاعل الجمهور. كما أقيمت الاحتفالات في عموم جمهورية مصر العربية، وبالطبع فقد أقام الأزهر الشريف ليلة عيد الميلاد احتفالاً تصدره شيخ الازهر أحمد الطيب ومفتي الجمهورية شوقي علام ورئيس الجمهورية.
وتزامن ذلك مع حفل بهيج أقامته إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة المصرية، حيث ألقى الفريق الركن عبدالفتاح السيسي كلمة تاريخية، حثَّ فيها المصريين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على الدستور الذي وصفه بأنه بوابة الأمل للشعب المصري، وأكد استعداده لتلبية نداء الوطن بالترشح للرئاسة إذا ما طلب منه الشعب المصري ذلك وساندته القوات المسلحة.
في هذه الأجواء المتفائلة تغير مزاج الشعب المصري، الذي على رغم عمليات العنف والتشويه لتنظيم الإخوان المسلمين، ودعمهم من قبل التنظيم الدولي للاخوان ودول تستهدف مصر ودورها، وعلى رغم الأزمة الاقتصادية التي ينوء بها الشعب المصري، فإن هناك روحاً من التفاؤل بالمستقبل الزاهر الذي ينتظره في هذه الأجواء. وعلى رغم عمليات التخريب هنا وهناك فقد كان هناك إقبال شديد على الذهاب إلى مراكز الاقتراع والتي بلغ عددها 1500 مركز اقتراع في المحافظات الـ 26، وعلى رغم دعوات المقاطعة بل وفتاوى التكفير، فقد قال الشعب المصري كلمته الفاصلة بنعم كبيرة للدستور، على رغم الهنات وبعض القصور.
وعلى خلاف الانتخابات السابقة على امتداد أربعة عقود من العهد الدكتاتوري لكل من السادات ومبارك، وأيضاً الاستفتاء على التعديلات الدستورية في ظل العهد العابر للإخوان المسلمين بقيادة محمود مرسي، حيث يتم تزوير الأرقام وتضخيمها والتي وصلت في سقوطها إلى ما لا تتجاوز المشاركة 10 في المئة ممن يحق لهم الاقتراع في الانتخابات النيابية في 2010، فإن الشعور الطاغي بالمسئولية، وبأن المشاركة الكثيفة هي الضمانة لبداية التحول الديمقراطي والخروج من نفق الدكتاتورية إلى رحاب الحرية، هو الذي دفع ملايين المصريين إلى المسارعة إلى مراكز الاقتراع حيث شارك في الاستفتاء 38.4 في المئة ممن يحق لهم التصويت (53 مليوناً) بغالبتهم 98.1 في المئة للتصويت بنعم. وهذا لم يتم في الظلام بل في ظل رقابة الآلاف من المراقبين المصريين والأجانب المنتدبين من منظمات المجتمع المدني المصري، والمنظمات الدولية المتمرسة في مراقبة الانتخابات والاستفتاءات ومنها منظمة الشفافية الدولية.
وهنا لابد من التنويه، إلى أنَّ الشعب المصري وهو يذهب إلى الاقتراع بحرية وطواعية تامة فإنه لا يمكن إلا أن يتعاطف مع الشعوب العربية التي تناضل من أجل الانعتاق، ولا يمكن أن يؤيد قمع أي شعب شقيق، كما أن أية سلطة قادمة منبثقة عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وبغض النظر عن متطلبات العلاقات مع الدول العربية الأخرى، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها لا يمكن أن تؤيد هذه الأنظمة ضد شعوبها.
وبالطبع ليس مطلوباً من أية سلطة ديمقراطية مصرية قادمة منبثقة عن إرادة الشعب المصري الحرة، أن تعادي الأنظمة الخليجية أو غيرها، بل المطلوب منها أن تقدم نفسها للشعوب والحكومات كمثال يحتذى به في احترام إرادة الشعب، وتمثل روح العصر في الديمقراطية والحداثة والعدالة والنزاهة واحترام حقوق الإنسان، وحقوق الشعوب.
المهم لقد ردت الروح إلى مصر، التي عانت من المهانة في ظل النظام الذليل، الذي ارتضى بالتبعية، وتهميش دور مصر، بعد أن أضعف مصر، وطحن الشعب المصري بالفقر والقمع. وها هو الشعب المصري ينهض من جديد كطائر الفينيق التي ينهض من الرماد، لتعود مصر لتلعب دورها الريادي والحضاري ليس للعرب فقط بل في العالم أجمع.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4160 - الأحد 26 يناير 2014م الموافق 25 ربيع الاول 1435هـ
تناقض
توافق على حكم العسكر (القبضة الأمنية)في مصر!!!وأنت تعارضها بشدة في بلدك؟
مصر والعدوان الثلاثي واليوم إخواني لكن الديمقراطيه يونانيه وليست مصريه!
لم يكون لمصر دورها إلا في زمان القائد جمال عبد الناصر رحمه الله! ففي أيام اليونان كانت تابعه لليونان كما في أيام الرومان كنت تابعه للرومان وأيام الدوله أو الإمبراطوريه العثمانيه كانت تابعه الى السلطان العثماني. يعني دائما كانت تتبع دول وأكثر من حكمها ليس من اهلها إلا جمال عبد الناصر لكن جمال عبد الناصر مات. وهنا يقال تحولت من العثمانييين الى أمريكا بعد بريطانيا ما أدارة العدوان الثلاثي. فهل الإخوان لمصرعدوان؟
مجاملات
المقال فيه مجاملة واضحة لسلطة العسكر، وبعيد عن النظرة الحقوقية التي يجب ان تكون محايدة وتنظر إلى الامور من منظار الحق
حلم و أمل
المقال مليء بالتفاؤل. هذا جيد. لكنه بعيد عن الواقع. طالما المعايير الإجتماعية و الإقتصادية غير قابلة للتغيير، فإن التغيير الوحيد ليس فقط فى مصر، بل فى كل دول العالم و بعد أى إنقلاب أو ثورة سميه ما شئت. ليكن هذا التعليق مصدر نعود اليه مع الكاتب بعد عام و أعوام.
وامعتصماه
العيد الحقيقي عندما يعطا كل ذي حق حقه اين هو مرسي اليس له الحق في الانتخاب علئ الدستور اين هي بنت البلطاجي نسيت انها ان شاء الله مع الفاءزين