العدد 4158 - الجمعة 24 يناير 2014م الموافق 23 ربيع الاول 1435هـ

في روايتها الأولى... سارة مطر... قبيلة من النساء

من الصعب أن تعزل، من ذهنك، لحظة قراءة رواية سارة مطر الأولى «قبيلة تدعى سارة»، حقيقة كون سارة «سعودية». قراءتك للرواية فيما تدندن تلك المعلومة في رأسك، ستتحول إلى متعة أكبر كما ستتمكن من فهم بطلة القصة وهي راويتها وكما يبدو «كاتبتها»، بشكل أفضل.

لا تفعل مطر الكثير في روايتها تلك، هي في الواقع تسرد يومياتها أو يوميات بطلتها «سارة ليل الجمل»، الفتاة العشرينية التي تقطن المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، فيما تواصل دراستها الجامعية في جامعة البحرين. تقدم سارة عبر روايتها وصفاً تفصيلياً دقيقاً ليومياتها ولكل ما يعتري هذه اليوميات من حالات نفسية أو مزاجية، ساردة جزءاً من تفاصيل حياة الآخرين الذين تلتقيهم وتتقاطع دروبهم معها، سواء في السعودية أو البحرين. لعل ذلك هو أسلوب مطر المعتاد في الكتابة ولعله الأسلوب الذي ترغب في أن تتميز به... كتابة اليوميات. فعلت ذلك في قصتها الأخيرة وهي الثالثة «أنا سنية وأنت شيعي» التي صدرت العام 2013 عن دار مدارك للنشر، التي تسرد فيها أيضاً يوميات طالبة سعودية في جامعة البحرين، تتقاطع حياتها مع ثقافة مختلفة، وتشرح من خلالها معنى أن تكون سنياً أو شيعياً.

أما الرواية موضع حديثنا «قبيلة تدعى سارة»، فقد صدرت قبل تلك الأخيرة بما يقرب من خمسة أعوام، في العام 2008، كما أصدرت بعدها رواية «الحب صنيعة النساء». بالمناسبة أثارت رواية سارة، وربما عنوانها، «أنا سنية وأنت شيعي» بعض الجدل. مهرجان الكويت منع تداولها في معرض الكويت الدولي للكتاب الذي نظم في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، من دون إبداء أسباب واضحة للمنع.

في الروايتين «قبيلة تدعى سارة» و «أنا سنية وأنت شيعي» لا تقدم مطر رواية متكاملة ولا حتى قصصاً مترابطة. قصصها وقصص الآخرين من حولها لا تشكل قصة متكاملة بل سرداً لجزء من مذكراتها، ولسير الآخرين حولها.

في الروايتين فعلت ذلك، لكنها في هذه الرواية «قبيلة تدعى سارة» تبدو أقل ترابطاً وأكثر سرداً للقصص الصغيرة والمنفصلة واللامترابطة. تقدم لقارئها كل التفاصيل عن أبطال هذه القصص وهي واحدة منهم، تعطي القارئ ما يحتاجه وما لا يرغب في سماعه من معلومات، فقط من أجل خلق ترابط بين هذه القصص أو على الأقل لخلق صلة بينه «أي القارئ» وبين هذه القصص الكثيرة.

على رغم ذلك لا يمكن إنكار تميز سارة بقدرة رائعة على سرد القصص سواء من حيث اللغة والمفردات التي تختارها أو من حيث تراكيب عباراتها أو حتى روحها المرحة وخفة ظلها اللتين تطلان على قارئها من وسط سطورها، وتكادان تقفزان كلما قفزت هي من قصة إلى أخرى.

عودة إلى جنسية الكاتبة وعدم إمكانية الانفصال عن هذه الحقيقة أثناء قراءة القصة، وهي وجهة نظر شخصية لي، إذ أجد أن ذلك سيجعل القارئ يتفهم سبب تركيز الكاتبة على بعض الأمور واهتمامها ببعض التفاصيل والقضايا من دون سواها مثل الاختلاط، والحجاب، وقيادة المرأة للسيارة. على العموم، لم تخفِ ذلك، بل ذيلت عنوان روايتها بعنوان فرعي آخر «يوميات أنثى سعودية حرة».

كذلك فإن سارة وعلى رغم روحها المرحة وتأكيدها على توفر كل أسباب السعادة في حياة بطلتها، إلا أن سارة «ليل الجمل» تنقل لك حالة التشتت التي تعيشها عبر قصصها الكثيرة غير المكتملة واللامترابطة، وربما عبر التبدل الكبير في حالاتها النفسية ومزاجها المتناقض ودخولها في قصص حب كثيرة تنجذب خلالها لكثيرين حولها. قد يتضح ذلك أيضاً في حديثها عن علاقتها التي تموت مع والدها، وربما عبر لوعات صديقاتها اللاتي يضيع الحب من طريقهن وربما يموت في نفوس بعضهن.

تمتعنا سارة بخفة ظلها لكن تشتتنا بين قصص ومغامرات سارة ليل الجمل... وسارة مطر. نتفق معها بأن سارة البطلة هي «قبيلة من النساء»، تصيبنا بشيء من القلق وبحالة نادرة من الاكتئاب الذي لن تدركه سوى قارئاتها من النساء.

قد ننجذب حيناً إلى سارة المتمردة، وأقصد هنا سارة ليل الجمل، المتمردة بأفكارها، وحيناً آخر سننجذب إلى سارة مطر، المتمردة بانتقائها لتعبيرات جريئة تتمرد فيها على أنوثتها قبل أن تواجه بها ثقافتها كفتاة عربية خليجية سعودية.

غلافها يحمل وجوها نسائية مختلفة بأمزجة متباينة. هذه إذاً وجوه سارة المتعددة وربما المتناقضة. هذه هي سارة التي لا تعرف ما تريد ومن تريد ولا نعرف من هي ولا يمكن، لنا أو لها، تحديد وجهتها.

سارة ليل الجمل... قبيلة من النساء، جميلة في روحها وكما تشير بين سطورها فهي جميلة في مظهرها أيضاً. خفيفة الظل، متمردة، شقية، مغامرة، جريئة، مشتتة، مكتئبة، حزينة، تائهة، لكن يومياتها مشوقة... وتستحق القراءة.

العدد 4158 - الجمعة 24 يناير 2014م الموافق 23 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً