العدد 4158 - الجمعة 24 يناير 2014م الموافق 23 ربيع الاول 1435هـ

الريس في «الانستغرام» يستقرئ الوجوه ويستنطق الطبيعة

بريشة الفنان المُولع بالقرية

في «الانستغرام» raiasssss الذي خصصه الفنان عبدالإله الريس للوحاته الفنية ما يشدك لتصفّحه وقراءته فنيّاً، فثمة ثلاثون لوحة فنية توزّعت بين مجموعة من السفن القديمة، ومناظر للقرية، وملامح أهلها، عبر رصد مجموعة من وجوه كبار السن، في مقابلهم مجموعة لوحات ترصد وجوه الخيول وكأن ثمة رسالة مّا لهذا الاقتران، ربما هي العزة والأنفة والخيلاء العناصر المشتركة بين وجوه الخيول ووجوه الناس على رغم تعب الملامح، وثمة منظر للسوق، وآخر لعيون تلاشت وذهبت ولم يبقَ منها سوى بقايا صور مازالت محفوظة في الذاكرة.

تصطف اللوحات الثلاثون هذه أمامك في «الانستغرام» كمعرض فني مفتوح يستدعي المتصفح لقراءته، واستظهار ما وراء تصميماته المختارة بعناية من مقولات، وما تصطنعه الألوان من مخيلة تقول الكثير، وما تحمل خطوطه من أفكار تحاول أن تتجسد في لوحات فنية تقولها الريشة بمهارة وتعبر بها عن الفنان ذاته.

يبدو أن هذه اللوحات الفنية اختارها الفنان نتاج رحلته الفنية التي امتدت من 1985، أقدم لوحة في المجموعة وهي صورة طفلة تتطلع إلى السماء بعيونها في نظرة بريئة ودموعها تتساقط على خديها حتى آخر لوحة في 2013.

ولعٌ بالسفن القديمة

في مجموعة السفن القديمة التي رسمها الفنان عبدالإله الريس ما يعكس ولعاً بالسفن نفسها، وببقايا حرفة كان الأهل قرب السواحل يمتهنونها قديماً ولم يبقَ منها سوى الذكريات، وبقايا صور مازالت تلحّ على الذاكرة البحرينية، فلماذا كلما برع فنان في تجسيد ألوانه، تراه بكل تلقائية يدلف إلى تلك المناظر ويجسدها على طريقته بحنين نستوجي ملفت للنظر.

وفي أكثر من لوحة نرى الفنان مولعاً برسم السفن وخصوصاً وهي تستقر في هيبة وراحة تامة على الساحل كأنما تنفض عنها غبار التعب وعناء البحر، مشتاقة إلى لعودة إليه مرة أخرى بعد أن أخذت قسطها من الراحة، ولذلك ليس غريباً أن ترى الفنان وقد جسد السفينة مستريحة على الساحل على رغم العاصفة التي جسدها الفنان بألوان في أعلى السفينة، وفي أسفلها، فحتى ألوان الأرض تشكلت بألوان العاصفة والغيوم التي في السماء، وكأن الأجواء تستعجلها للعودة إلى الإبحار من جديد.

القلاليف... حرفة تلاشت

وهنا يجسد الفنان في أكثر من لوحة لحظات الصيانة لسفينة بالية، وقد استقرت على الساحل بين أيدي الحرفيين من الأهل، وهم يشرعون في صيانتها منهمكين في العمل، إنها حرفة «القلافة» التي تلاشت مع الزمن ولم تبقَ إلا في مخيلة أبناء السواحل، وتجسد اللوحة التي رسمها الريس في سنة 2010 صورة أربعة رجال من «القلاليف» يجلسون أسفل السفينة، على كراسيهم الخشبية بين من يطليها أو من يرتِقُ جسدها بالأخشاب أو يصلح عطبها، وقد تماهت ألوان اللوحة مع بعضها تماماً، فامتزجت ألوان الرجال مع ألوان السفينة مع ألوان الخلفية، الأرض والسماء، حيث يحضر البنفسجي بقوة مع البني وشيء من الأبيض بدرجات مختلفة، ولعل تمازج هذه الألوان مع الأشياء في عناصر اللوحة لعبة فنية جميلة، وتحفة أخاذة تصطنعها المخيلة للحظات غامت في الذاكرة ولم يبقَ سوى هذه الذكريات.

في تفاصيل الوجوه حكايات

وفي اللوحات ثمة ولع آخر بوجوه الرجال من كبار السن، وقد اشتغل الفنان كثيراً على تجسيد ملامحهم واحداً واحداً، بعضهم يعرفهم من أهل القرية وبعضهم يميز ملامحهم فاختارهم بعناية، في هذه الوجوه ما يبرز خطوط الزمن وقد نحتَ تفاصيلهم نحتاً، مرة نراه يجسدها بقلم الرصاص، ومرة بالألوان تاركاً للخطوط الدقيقة أن تحكي التفاصيل، فلكل وجه حكايته وذكرياته عند الأهل، إن تجسيد هذه الوجوه ورصدها هو رصد لتفاصيل القرية التي سيجسدها الفنان في لوحات أخرى وهي محاولة للإمساك بحكايات وقصص الماضي وتفاصيلها، وما بقي منه عبر هذه الوجوه، فكل سحنة هي حكاية زمن مضى، وكل ملمح هو خيط في قصة ممتدة لهؤلاء الأجداد، على رغم الأيام وتعب السنين الذي تحكيه ملامحهم.

في كبرياء الخيول أصالة

وفي مقابل تفاصيل وجوه الشيوخ ثمة ولع آخر بوجوه الخيول وتفاصيلها، بما تعكسه في ملامحها من شموخ وأنفة وكبرياء، تجسدت مرة بقلم الرصاص ومرة بالألوان، وغالباً ما يحضر اللون البني للوجه مع اللون الأصفر للتفاصيل التي تأخذ شكل بقع لونية وضعت بريشة ماهرة لتعبر عن معاني الكبرياء بجرأة، ومرة يحضر وجه الحصان لوحده بما فيه من تفاصيل جريئة، ومرة يحضر الحصان كاملاً وسط الغمار الذي يثيره حين يصهل في لجة فورانه، حيث يقوم اللون الأصفر بحرارته وضوئه الأخاذ بصنع الروح المتوثبة في اللوحة.

وما هذا الاقتران بين وجوه الخيول ووجوه كبار السن سوى محاولة لإضفاء شيء من الكبرياء والأنفة على تلك الوجوه التي مضى عليها الزمن ونحتها على طريقته، وبشيء من التعويض النفسي صار الفنان يلح على مزج الاثنين بريشة واحدة وتقنية واحدة ليقول إن الكبرياء هو سمت هذه الوجوه على رغم قسوة الزمن، وبما للخيول من أصالة؛ فإن لهذه الوجوه أصالتها وعراقتها وامتدادها في الزمن رغم قسوة الحاضر الرهن وضعة الأيام.

دكاكين القرية وعيونها

ولعل صورة أخرى مازالت تلح على ذاكرة الفنان، هي صورة القرية ودكاكينها وعيونها، فمرة نراه يجسد عين قصاري في لوحة قديمة تجسد ذكريات الأهل والأصدقاء حين يذهبون مع الفجر أو قبل الغروب للسباحة في هذه العيون الخلابة، وفي لوحة عين قصاري تمتزج الخضرة مع ما حولها في الماء، حيث لا ترى من الألوان سوى الخضرة والزرقة، إذ تمتزج زرقة الماء مع زرقة السماء، وتنعكس الأشياء في الماء راسمة لوحة فنية أخرى حبيبة للنفوس.

كما تحضر القرية وقد أطلت على البحر في هدوء وسكينة تامة على رغم الغيوم الآخذة في التلاشي عن سمائها وقت الغروب، فترى بيوت الأهل وقد التجأت لمنارة المسجد البيضاء في وسط الحي، وللنخيل الباسقة ودفء الشمس الذي يجسده اللون الأصفر والبنفسجي، وكل تلك التفاصيل والألوان تنعكس في الماء في خطوط عرضية متلاشية، في لوحة فنية رسمها الفنان في 2012،

وفي لوحة أخرى في 2013 يجسد الدكاكين بصورة انطباعية وقد اصطفت الحاجيات في مداخلها، وثمة رجل يعبر وسط الزقاق مع بصيص من النور متساقطاً على الأشياء والباعة بما يعكس الصورة المتخيلة لهالة ذلك الزمن الجميل، ودفئه وأضوائه الخافتة وسط البيوت والأحياء القديمة التي يحن الناس إليها ويرسمون لها صوراً جميلة خلابة في مخيلتهم حين يحلمون بالماضي ويحنُّون إليه.

العدد 4158 - الجمعة 24 يناير 2014م الموافق 23 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:10 ص

      مبدع الفنان الريس

      فعلاً هذا الرسام مبدع ولوحاته عالمية ولكنه في البحرين، لا تقدير ولا اهتمام من وزارة الثقافة

اقرأ ايضاً