في وطننا البحرين هناك من يثير العصبيات الطائفية ويتماهى بالتنظيمات المتطرفة ويرى نفسه امتداداً لها، ظنّاً منه أنها توفر الأمن والاستقرار للوطن، فكأنه لا يرى ما يسببه التطرف الأعمى من استئصال لمقومات الحضارة أينما حلّ، أو لا يعي دور الإرهاب كأداة لتشطير المجتمعات وتجزئة الأوطان تنفيذاً لخطط وضعها الأعداء.
في العام 1258 م، دخلت جحافل المغول بقيادة هولاكو إلى بغداد وقتلت الخليفة المستعصم بالله العباسي، ودمرت ما فيها من بشر وحجر، وكل ما وصلت إليه أيديهم من وثائق تاريخية وكتب علمية. بعدها زحف بجيشه إلى بلاد الشام فدخل دمشق في العام 1260، بعد فرار الملك الناصر يوسف الأيوبي وعاث فيها خراباً. وحاول غزو مصر إلا أن جيشه هزم في معركة عين جالوت على يد السلطان المملوكي قطز.
الغرض من هذه المقدمة هو إجراء مقاربة تاريخية بين الإرهاب المغولي الوحشي الذي ضرب العواصم الإسلامية المركزية، وما تتعرض له الآن هذه العواصم ذاتها من دمارٍ تنفّذه مجموعات إرهابية تدمّر الحضارة وتأكل لحوم البشر وتلهو برؤوس ضحاياها، اقتداءً بما فعله هولاكو على ضفاف نهر دجلة.
وقد حققت هذه المجموعات الإرهابية انتشاراً واسعاً امتد من ليبيا غرباً، حتى مصر شرقاً، فأصبحت عابرة للحدود، يربطها فكر متطرف يلغي حتى من يختلف معها في الرأي من حلفائها. فما سر الانتشار الواسع لهذه الظاهرة الخطيرة؟ وما هي دوافعها؟
يتخفّى التطرف الإرهابي وراء عناوين سياسية وآيدلوجية مختلفة، ولكنها جميعها تعجز عن تبرير حجم الدمار الذي تلحقه بالأمة، والذي تفوق في وحشيته ذلك الدمار الذي سبّبه هولاكو في عواصم الحضارة الإسلامية.
إن تقصي جذور هذه الظاهرة المدمّرة يتطلب قراءة متأنية لكتابات المفكّرين الاستراتيجيين الغربيين المقربين من مصدر القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية، من أمثال برنارد لويس وصمويل هنتجنتون، لكي يعرف العلاقة بين الخطط التي وضعها هؤلاء المفكرون وما تمر به منطقتنا من دمار وحروب وفرقة. فبرنارد لويس الذي يعتبر مؤرخاً بارزاً للشرق الأوسط، كان مستشاراً لإدارتي بوش الأب والابن، ويحتفظ بروابط وثيقة مع المحافظين الجدد. فهو مستشار لوزير الدفاع لشئون الشرق الأوسط ومن المقرّبين جداً للرئيس بوش الابن ونائبه ديك تشيني.
يعتبر برنارد لويس صاحب أول مخطط مكتوب ومدعّم بالخرائط لتقسيم منطقة الشرق الأوسط، والذي وضعه بتكليفٍ من وزارة الدفاع الأميركية وذلك استجابةً منه لتصريح مستشار الأمن القومي الأميركي السابق بريجنسكي الهادف لتصحيح حدود سايكس بيكو من خلال إشعال حرب خليجية ثانية.
يرى لويس ضرورة إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، باستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها. وفي إحدى تصريحاته لصحيفة «وول ستريت»، دعا إلى تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية من خلال دفعهم لقتال بعضهم بعضاً.
لقد أصبح مخطط لويس مدرجاً على رأس السياسات المستقبلية للولايات المتحدة الأميركية منذ أن أقره الكونجرس الأميركي بالإجماع، في جلسة سرية في العام 1983. ومن ضمن ما احتواه هذا المخطط تقسيم العراق وسورية على أسس عرقية ودينية ومذهبية على النحو الذي كان سائداً في سورية في عهد العثمانيين.
وعلى الرغم من تطبيق المحافظين الجدد لجوانب كثيرة من خطة لويس الداعية إلى إعادة احتلال الدول العربية واستعمارها، وذلك اقتداءً بالتجربة الفرنسية والبريطانية، إلا أن حصيلة تنفيذ هذه الخطة جاءت عكسية بسبب تكاليفها الباهضة والاستنزاف الذي مازال يعصف بالاقتصاد والمجتمع الأميركيين. إلا أن فشل تنفيذ الخطة من خلال الاحتلال المباشر، لا يعني بالضرورة التخلّي عنها. لهذه الأسباب استعاضت الإدارة الأميركية بطرق بديلة لإعادة رسم خارطة المنطقة. ومن هذه الطرق تشجيع الاحتراب الداخلي بدءًا بالدول المحيطة بـ «إسرائيل» وفقاً لاستراتيجية تدفع تكاليفها دول المنطقة.
وفي هذا السياق من الضروري استعراض المحاضرة التي ألقاها مدير مركز بيجن – السادات للدراسات الاستراتيجية ديفيد وينبرج، والتي عبر فيها عن سعادته لتآكل قوة الجيش السوري وتدمير الجيش العراقي وضعف الجيش المصري، ليختفي بذلك أي تهديد عسكري للدولة العبرية. كما عبّر عن سعادته لتفكك المجتمعات العربية لدرجة تجعلها مشلولة وعاجزة لعقود قادمة عن تهديد أمن «إسرائيل».
على هذه الخلفية يمكننا معرفة الأسباب الكامنة وراء حملة الارهاب التتري على شعوب المنطقة، والتي لم يكن لها أن تنجح لولا التفكك والوهن والخنوع لإرادة الأعداء، كما كانت أحوال العرب والمسلمين إبان فترة الغزو المغولي. إلا أن الخطر المحدق بنا كأمة في عصرنا الحالي، يفوق في تبعاته الخطر المغولي قبل سبعة قرون خلت، لكون الاحتراب الداخلي والتدمير الذاتي المبني على غسل الأدمغة بثقافة الكراهية تنفيذاً لمخططات خارجية، تكون له تداعيات مدمرة شاملة تمتد لأجيال قادمة.
من هنا حان الوقت لحكومات وشعوب المنطقة أن تتمعن بجد في طبيعة الأخطار المحدقة بها، وأن تعيد حساباتها وتخطط للخروج بأمان من مأزقها. فالإرهاب والتطرف متى ما انفلت من عقاله لابد له أن يرتد على حاضنه كما هو ثابت من حقائق التاريخ. فالشعب السوري المثقل بجراح الإرهاب هو الآن ضحية لسياسة قصر نظر أراد من خلالها نظامه احتضان عناصر إرهابية كمجموعة شاكر العبسي زعيم تنظيم فتح الإسلام، لصد الخطر الأميركي القادم من الجانب العراقي. وإذا به يقع في الفخ الذي نصب له بإحكام.
وفي وطننا البحرين هناك من يثير العصبيات الطائفية ويتماهى بالتنظيمات المتطرفة ويرى نفسه امتداداً لها، ظنّاً منه أنها توفر الأمن والاستقرار للوطن، فكأنه لا يرى ما يسببه التطرف الأعمى من استئصال لمقومات الحضارة أينما حلّ، أو لا يعي دور الإرهاب كأداة لتشطير المجتمعات وتجزئة الأوطان تنفيذاً لخطط وضعها الأعداء.
من هنا وجب علينا، حكاماً ومواطنين، حماية وطننا من مخاطر التطرف الإستئصالي الأعمى قبل فوات الأوان، مستفيدين من تجارب من سبقونا حتى لا نندم حين لا ينفع الندم.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 4158 - الجمعة 24 يناير 2014م الموافق 23 ربيع الاول 1435هـ
كان عليك
كان عليك استاذنا العزيز ان توضح من هم المتطرفين الذين يخربون البلاد وما هو الفكر الذي يحملونه ومن هم مشايخه لانه فكر واضح جدا ومدرسة احياها ... بعد ان قبرت لفترة طويلة من الزمن وهؤلاء القوم معروفون بهمجيتهم وحقدهم الشديد على كل مظاهر الحضارة وقد عرفنا كيف عاثوا في الارض فسادا ... ثم اعادوا الكرة في مطلع القرن العشرين . حياكم الله
علي جاسب . البصرة .
رد علي زائر رقم 8
عزيزي معروف من اللي عايفين في الارض فسادا ما يحتاج الي توضيح انت بنفسك عرفتهم والكل يعرفهم
تحليل يلامس الحقيقة ولكنه لم يتطرق لاهم سبب الذي اوصل الامة لهذا الوضع الماسوي وهو كرسي الحاكم وبترول العرب ومال العرب
استطاع اعداء الامة الحقيقين من خلال حكام العرب وبترول العرب واموال العرب وجهال العرب ان يقلبوا الموازين والمعايير فاصبح الصديق والاخ هو العدو وبالعكس اصبح العدو هو الصديق الحميم ومن اجله وبامره تصرف الميارات وتتحطم المدن بمن فيها وتسفك الدماء العربية في كل مكان على يد العرب الهمجيين الجهلة اكلايي الاكباد وقاطعي الروئوس وناكحي النساء والحرمات من اجل الولوج للجنة بسرعة للفواز بمشاركة نبي الرحمة للعالمين في الولاءم ثم نكاح حور العين يالها من كارثة امة وانسانية ودين واخلاق كل هذا من اجل كرسي الحاكم
اقول
اقول لكل شريف يحب وطنه ويحب جميع شعبه ان لاييتبعون هاؤلاء الناس انهم متوحشون ويريدون دمار البحرين ولاتهمهم الى مصالحهم كنا بخير فى البحرين حتى اتو التكفيريين ودمرو البلد وبثو الطائفية نصيحة لكل شعب البحرين لاتشاركونهم فى اى اجتماع او ندوه انهم مجرمون وسفاكين دماء الى الله حرمها والله اخلصنه من اعداء الاسلام
السلف غير الصالح
جماعة دمرت الحضارات و الانسان و كل مبدء و كل دين. حان الوقت لاستئصالهم.
اخطر من جيش هولاكو في الاجرام والخطر
جماعة متوعشة
بشعة
لا قلب عندها ولا دين ولا أنسانية.
وحوش فعلا يقطعون الرؤوس ويأكلون الاشلاء ويمثلون بالجثث
وكل هذا يحدث بأسم الدين
وتحت شعار الله اكبر.
وباء فعلا وباء
كفيت و وفيت
تسلم علي هذا المقال الرائع فية من التاريخ والحاضر والتحليل المنطقي بل انة دراسة لواقع امة العرب المرير