حذرت وكالات الإغاثة من أن المزارعين في جمهورية إفريقيا الوسطى الغارقين في دوامة العنف منذ انقلاب مارس / آذار 2013 بحاجة ماسة إلى المزيد من البذور والمعدات لتفادي الوقوع في أزمة غذاء على المستوى الوطني.
ووفقاً لنتائج التقييم السريع متعدد القطاعات للاحتياجات الإنسانية في جمهورية إفريقيا الوسطى الذي قامت به العديد من وكالات الأمم المتحدة، أفاد ما يصل إلى «94 في المئة من المجتمعات أنه لا يتوافر لديها ما يكفي من البذور للزراعة في الموسم الزراعي المقبل» في شهر مارس.
وقال مدير الطوارئ في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة إلى الأمم المتحدة دومينيك بورجيون: «لم تتمكن نسبة كبيرة من المزارعين من زرع حقولها في الموسم الماضي ومنهم من قام بزراعة منطقة صغيرة فقط، لذلك فإن المخزونات الغذائية لهذا العام ستنخفض في وقت قريب».
وأضاف «لقد أخبرنا الناس أن حقولهم أحرقت، وأنهم فقدوا أدواتهم والماعز والدواجن. كما فقدت العديد من المجموعات النسائية معدات الطحن الخاصة بها. وكان لكل هذا أثر خطير على الأمن الغذائي، لذلك نقدر أن 1.2 مليون شخص يعانون حاليّاً من انعدام الأمن الغذائي في البلاد، 40 في المئة منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد».
وأضاف «تبدأ فجوة الجوع في هذا البلد عادة في شهر يوليو/ تموز، لكننا نتوقعها أن تبدأ في فبراير/ شباط هذا العام».
وقال بورجيون: «إن هناك حاجة عاجلة إلى كميات كبيرة من المعونات الغذائية لتغطية فجوة الجوع، ومن الضروري بعد ذلك إعطاء الناس الوسائل لاستعادة الإنتاج».
وأوضح أن «منظمة الأغذية والزراعة قررت اعتبار جمهورية إفريقيا الوسطى أولوية للمنظمة ككل والضغط ليس من أجل الاستجابة على المدى القصير فحسب لكن من أجل إنعاش القطاع الزراعي في البلاد على المدى الطويل كذلك».
وقد مدير عمليات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) أكد جون جينغ خطورة الأزمة الزراعية في المؤتمر الصحافي نفسه. وأوضح أن «الاحتياجات الأكثر إلحاحاً هي ... المساعدة فيما يتعلق بالبذور والأدوات لمساعدة الناس على استعادة سبل عيشهم». وأضاف قائلاً: «على المجتمع الدولي الحشد بقوة لدعم الزراعة في هذا البلد. علينا التركيز على مساعدة الناس ليساعدوا أنفسهم».
وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) إلى أن نحو 886.000 شخص نزحوا في جمهورية أفريقيا الوسطى، من بينهم 500.000 شخص في بانغي. وقال جينغ إن مئات الآلاف من النازحين في الريف بحاجة إلى العودة الى ديارهم لموسم الزراعة.
وأكد أن 2.6 مليون شخص - أي نصف السكان - بحاجة الآن إلى المساعدات الإنسانية وذلك بسبب الفقر المدقع فضلاً عن حالات النزوح واسعة النطاق.
ووفقاً للتقييم السريع، زرع المزارعون في العديد من المناطق مساحة أصغر من المعتاد في العام الماضي بسبب انعدام الأمن الذي أجبرهم على القيام بالزراعة في مناطق أكثر بعداً عن قراهم، حيث تتوافر مساحات أقل من الأراضي الجاهزة للزراعة.
وقد أدى هذا التعطيل في النشاط الزراعي، فضلاً عن أعمال التدمير والنهب، إلى نقص في البذور والمخزونات الغذائية. وقال معظم الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع إن استهلاكهم انخفض من ثلاث وجبات إلى وجبة واحدة يوميّاً.
ولكن ما يشجع، وفقاً للتقرير، أن «78 في المئة من المستطلعة آراؤهم صرحوا بأن المزارعين سيقومون بالزراعة في الأسابيع المقبلة... واعتماداً على الملاحظة المباشرة، سيتاح حتى للمزارعين النازحين الوصول بشكل أسهل إلى الأراضي وسيتوافر المزيد من الوقت لفتح الحقول مقارنة بالعام الماضي. وبالتالي، فإن توفير المدخلات الزراعية والدعم مثل البذور يعد أمراً بالغ الأهمية لاستعادة قدراتهم الإنتاجية».
احتياجات فورية
إلى جانب الأمن الغذائي، يسرد التقرير الاحتياجات ذات الأولوية في المناطق الشمالية الغربية مثل الصحة والحماية والمياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية. أما في العاصمة، فيشير التقييم إلى أن الاحتياجات ذات الأولوية هي المساعدة الفورية للبقاء على قيد الحياة والصحة والأمن والحماية والمعلومات عن المساعدات الإنسانية.
وقال جينغ إنه في كل مكان ذهب إليه في جمهورية إفريقيا الوسطى قالت النساء إن التعليم أيضاً يعد من الأولويات بالنسبة إليهن. وقال أيضاً أن 62 في المئة من المدارس في بانغي تم شغلها بالنازحين.
وأشاد بحقيقة أن 76 منظمة إغاثة دولية موجودة في جمهورية إفريقيا الوسطى، لكنه أشار إلى أن هناك حاجة إلى المزيد، حيث قال: «إذا ذهبت إلى أي من البلدان التي يوجد لدينا فيها عمليات إنسانية كبيرة جدّاً، ستلاحظ تواجد كل المنظمات غير الحكومية الكبيرة. لكن العديد من تلك المنظمات الدولية الكبيرة ليست موجودة في هذا البلد، ونحن بحاجة إليها هنا على وجه السرعة. نحن بحاجة إلى خبرتهم وتجربتهم».
وقال أيضاً إن هناك حاجة إلى المزيد من التمويل: «لدينا خطة إنسانية بقيمة 247 مليون دولار وحتى الآن لم نتلقَّ سوى 30 مليون دولار دعماً لها».
وأضاف أن مبلغ الـ 247 مليون دولار يعود إلى تقديرات العام الماضي لكن الاحتياجات ستزداد بشكل كبير.
الأمن
وفي كلمته الافتتاحية، شدد جينغ أيضاً على «الظروف الخطيرة والصعبة» التي يواجهها عمال الإغاثة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وأشاد بموظفي منظمات الإغاثة الدولية الستة الذين قتلوا أثناء تأدية عملهم في البلاد خلال العام الماضي.
وذكرت التقارير أن أحد عمال الإغاثة قتل في بانغي الأسبوع الماضي في حين اختفى آخر مؤخراً.
وفي الأشهر الأخيرة، وفي أعقاب اندلاع القتال بين المجتمعات المختلفة في بوسانغوا في سبتمبر، شهدت بانغي أسوأ موجات العنف. وقد بلغ القتال ذروته في مطلع ديسمبر/ كانون الأول عندما قتل 750 شخصاً على الأقل في العاصمة. ومنذ تصاعد العنف في بانغي بعد استقالة الرئيس ميشال دغوتوديا في 10 يناير/ كانون الثاني، هدأت الاضطرابات في العاصمة، مع تكثيف الدوريات من قبل قوات من بعثة سانغاريس العسكرية الفرنسية وبعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى (MISCA). وأصبحت الليالي أكثر هدوءاً مقارنة بمطلع ديسمبر.
كما تجمع مئات الجنود من قوات الرئيس السابق بوزيزي (القوات المسلحة في إفريقيا الوسطى)، في مركز تسجيل الجيش الأسبوع الماضي. فبعد الإطاحة ببوزيزي في مارس الماضي، توارى أفراد القوات المسلحة في إفريقيا الوسطى عن الأنظار وعادوا إلى الانخراط في الحياة المدنية أو انضموا إلى ميليشيات مكافحة البالاكا (وهي مجموعة معارضة لتحالف السيليكا المؤلف من متمردين سابقين تابعين إلى دغوتوديا، غالبيتهم من المسلمين. وقد تم حل قوات السيليكا رسميّاً في سبتمبر/ أيلول على رغم استمرار نشاطه). وقد ارتدى جميع أفراد القوات المسلحة في إفريقيا الوسطى في نقطة التجمع تقريباً ملابس مدنية. وقد أخبر أحدهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قائلاً: «لم نجرؤ على العودة إلى مراكزنا حين كان دغوتوديا في السلطة؛ لأن السيليكا سيقتلوننا».
ولايزال نحو نصف السكان في بانغي يفضلون النوم بعيداً عن بيوتهم في الليل، إما في مخيم المطار المكتظ بشكل كبير بالسكان، والذي يستضيف ما يقرب من 100.000 شخص، أو حول الكنائس، في حين تركزت الأقلية المسلمة في بضع مناطق.
العدد 4157 - الخميس 23 يناير 2014م الموافق 22 ربيع الاول 1435هـ