العدد 4156 - الأربعاء 22 يناير 2014م الموافق 21 ربيع الاول 1435هـ

ماذا لو عِشتَ مئة وأربعين سنة؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اهتمَّت وسائل الإعلام في أماكن كثيرة وبمراتبها المختلفة، بذكر خبر وفاة المواطن الجزائري مبارك رحماني. لكن، ما أهمية هذا الفقيد كي يكون محل اهتمام الإعلام؟ أهميته تنبع من كون الجميع اعتَبَر الفقيد كأكبر مُعمّر في العالم، حيث عاشَ مئة وأربعين عاماً. ما يعني أن رحماني وُلِدَ في العام 1884، وبحساب الأيام فقد عاش الرجل 51100 يوماً!

الأحداث التي عايشها رحماني قد لا يتخيلها أحد. فهو وُلِدَ بعد الثورة الصناعية في بريطانيا بخمسة وثلاثين عاماً فقط. وأدرك الحرب الصينية اليابانية، والروسية اليابانية، والحربيْن العالميتين الأولى والثانية. والحرب الكورية، والحرب الباردة، وأدرك وعد بلفور، ثم النكبة، فالنكسة، وذهاب الإنسان إلى الفضاء، وصولاً لآخر اختراع شاهده معنا قبل أسابيع.

لكن الأهم من كل ذلك، هو معايشته للمشهد المتحوِّل للعالم والإنسان. فهو جاء قبل أن يخترع الكسندر بوبوف وبعده ماركوني، وتيسلا المذياع. وكان أنتونيو ميوتشي للتو يضع سلكاً للذبذبات الصوتية في اختراع أوَّلي للهاتف. ولم يمضِ وقتٌ طويل على اكتشاف أورستيد للرابطة بين الطاقتين الكهربائية والمغناطيسية، وكثيرٌ من الاختراعات التي مضى عليها قرون. كان العالَم بطيئاً جداً إلى الحد الذي كانت فيه المسافة بين منطقتين مجاورتين تُقطَع في عشرين يوماً حين كان السفر بالبغال أو الجِمال والحمير.

في كل الأحوال، من المهم هنا ونحن نتحدث عن الجزائري رحماني أن نبحث في خطأ تاريخي صرنا نتداوله بكثرة، في حين أنه ليس كما نعتقد، وهو يتمثل في أن البشر الأوَّلين، كانوا يُعمّرون أكثر من أناس هذا الزمان. والحقيقة، أن أغلب التدوينات التاريخية، قد أثبتت، أن الإنسان القديم، لم يكن عمره مديداً كما نتصور، بل وفي أحيان كثيرة، كان عمره لا يزيد عن الأربعين سنة، وذلك بسبب الأمراض المُعدِيَة، وقلة خبرته الطبية لمواجهتها.

وقد أشارت المؤرخة غيردا ليرنر في كتابها القيِّم «نشأة النظام الأبَوي»، إلى أن النساء في الأزمنة الغابرة، كنّ «يحتَجنَ أن يحملن أكثر مما يُنجبن»، والسبب في ذلك هو ما كانت عليه الظروف المعيشية والصحية الصعبة، التي تمنع بقاء أكثر من وَلَدَيْن على قيد الحياة في تلك العصور القديمة. وهو ما يُدلِّل على أن متوسط أعمار البشر كان أقل مما نتخيَّله.

وعندما نبحث في تاريخ مداواة الإنسان لنفسه، خوفاً من الموت، سنجد أنه كان شحيح الخبرة إلى درجة أنه استعان بكل ما يخطر على البال من مستخلصات نباتية وحيوانية، كمسحوق قرن الغزال، وفضلات الكلاب المجففة وحتى المعادن كي يتعافى، خصوصاً أنه كان في طور التجريب لكل شيء، وبالتالي يصبح هو ذاته حقل تجارب لنفسه.

وفي دلالة على قِلَّة حيلته، فإنه وفي أحيان كثيرة كان يلجأ للشعوذة والطلاسم، اعتقاداً منه أن داءه عبارة عن أرواح شيطانية يمكن مواجهتها بالخرافة. وقد دُوِّنَ أن البابليين شيَّدوا لهم إلهاً للطب أسموه نينازو، معتقدين أن الأمراض التي تصيبهم هي عقاب إلهي، كما يذكر ذلك الدكتور رياض العلمي. وكان ذلك الفهم البسيط وقلة الخبرة، يؤثران على مشوار عمر البشر طولاً وقصراً.

نعم، استطاع الإنسان القديم أن يستخلص مادة الكينين من لحاء شجرة السنكونا لمواجهة الحمى والملاريا، واستطاع الصينيون أن يكتشفوا الإبر وبعض الأعشاب للتداوي، واستطاع شعب الأنكا في جبال الأنديز (جنوباً) أن يكتشف نبات الكوكا لزيادة النشاط، واستطاع الهنود الحمر أن يكتشفوا نبات الكوراري لإرخاء عضلات طرائدهم، لكن ذلك لم يمنحهم القدرة على مواجهة الأمراض الخطيرة التي فَتَكَت بهم لحد الإبادة.

فلم يستطع الهنود الحمر والساموسيتيون والسكوانتويون منهم، التصدي لأمراض الطاعون والأمراض الفتاكة، عندما كان الرجل الأبيض يرمي بالوسائد والبطانيات الملوثة على مضاربهم في الأميركيتين، بهدف الإبادة الجماعية، فمات منهم مئة وأحد عشر مليون ونصف المليون إنسان (دون أن ننسى طبعاً عمليات القتل الرهيبة التي طالتهم).

وفي التدليل على ضعف الإنسان في مواجهة المرض، أشار المؤرخ الكبير إريك هوبْزْباوْم إلى أنه وخلال عصر الجليد الأصغر كما يُسمَّى في أوروبا بين العام 1300 والعام 1700، كانت الأمراض المستوطِنة كالملاريا قد انتشرت، إلى الحد الذي ظلت فيه سواحل جنوب إيطاليا شبه مهجورة، ولم يستوطنها الناس إلاَّ بصورة تدريجية خلال القرن التاسع عشر.

وحتى عندما اكتشف لافوازييه أن التنفس هو شكلٌ من أشكال الاحتراق، واكتشف ووهلر أن أحد عناصر اليوريا يمكن توليفها مختبرياً، إلاَّ أن ذلك لم يُغيِّر كثيراً عند البيولوجيين، كون العالَم كله كان يسير ببطء شديد، مع ارتباط كافة الأشياء ببعضها، فضلاً عن عوائق الحركة السياسية النَّيِّرَة التي كانت في بداياتها في ذلك الوقت.

نعم، كان هناك مُعمّرون كما هو اليوم، لكن لم تكن تلك سِمَة تلك العصور، كما هي ليست سِمَة عصرنا. إن مقياس متوسط العمر له ضوابط عديدة، بعضها اقتصادي وآخر اجتماعي، فضلاً عن العوامل السياسية، التي قد تُولِّد أزمات داخلية وحروباً عسكرية ينتج عنها قتلٌ جماعي في المعارك، مع أمراض ووفيات فيقل متوسط العمر.

في العادة، فإن الدول الغنية، هي التي تشهد أعماراً مرتفعة كاليابان التي يصل فيها متوسط عمر مواطنيها إلى 82.6 عاماً، في حين يقل ذلك العمر إلى 36.6 عاماً عند مواطني سوازيلاند ودول أخرى كإفريقيا الوسطى وغينيا. وهو ما يعني أن مستوى طول العمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتقدم العلمي.

في المحصلة، المتفرِّدون في عالمنا كُثُر. بعضهم يتفرَّد في علمه وآخرُ في عمله، وثالثٌ في عمره (وإن بعناية إلهية خارقة) كما هو المرحوم مبارك رحماني الذي دخل المستشفى لأول مرة في حياته قبل عامين فقط، رغم أنه تزوج ثلاث مرات وله ما يقارب من مئة. رحمك الله يا رحماني، وخالص المواساة لذويك، مع تمنياتنا للشعب الجزائري الحبيب كل خير وازدهار.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4156 - الأربعاء 22 يناير 2014م الموافق 21 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:52 ص

      علي نور

      والله يا استاذ محمد انت في ويش والناس في ويش ؟؟
      انا هايص واخويه لايص ... تتكلم عن المعمرين وزواجهم وعن اعمار اليابان وعن وعن
      وكان مافي ازمة في البلد ولا في سوريا ولا في العراق ولا في لبنان ؟؟ عطني فاصل

    • زائر 7 زائر 6 | 11:34 ص

      شهالنكد؟

      يعني لازم بس نكتب عن المآسي؟؟؟ ماتعرف شنو يعني اعلام شكلك روح واقعد صيح و واس روحك بروحك ناس تحب الهم و النكد يعني ويش فيها لو قرينا موضوع واحد مو سياسي ياربي !!!!!! استغفر الله

    • زائر 5 | 6:08 ص

      انه

      انه بعد اقول للظالمين كم بتعيشون وتمتعون بفلوس الحرام وظلم الناس وزجهم فى السجون وقتلهم وتعذيبهم واهانت نسائهم الى تخافون الله وعذابه يوم القبامه اعملوا لدنياكم صالح خل اسجله دفترى واعطوا الشعب حقه واتركوا عنكم الكفار والمصلحشيه ترى مايفيدونكم يوم القيامه يوم الحساب الى مافى مفر منه والله اخلص المظلومين من الظالمين والله كريم

    • زائر 4 | 12:53 ص

      والآية الثانية من سورة البقرة

      أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ
      حيث ان عزير لما اعاده الله إلى الدنيا وجد كل شيء وقد تغير وهو دليل على ان اعمار الناس في تلك الفترة كانت عادية كالاعمار التي نعرفها وليس فيها مئات ولا آلاف السنين

    • زائر 3 | 12:48 ص

      والدليل هو الآية الكريمة

      وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا
      حيث عندما استيقظ أهل الكهف من سباتهم تبين للناس ولهم ان الدنيا تغيرت والملوك زالوا واحفاد احفادهم كبروا وشابوا

    • زائر 2 | 11:25 م

      سؤال: ماذا لو عِشتَ مئة وأربعين سنة؟!

      جواب: ستعيش وحدك. أصدقاؤك ، اقرباؤك و معارفك الذين كنت تشاركهم فى المعاييرو الأحاديث، يكونوا فى السماء. لا تجد أحدا يفهمك و لا يقدرك و لا يريد أن يعرف ما تعرفه. تعيش فى عذاب يومى و على الأكثر ستطلب من الرحمن أن يلحقك بمن فقدتهم.

    • زائر 1 | 10:37 م

      جميل

      استعراض جميل لمعولماتك وثقافتك

اقرأ ايضاً