تلعب الجهود الدولية الرامية إلى حماية التُّراث في مواقع وبلدان عدة دوراً كبيراً في حماية المجتمعات وتنميتها. بمعنى آخر، احترام ثقافات المجتمع الواحد وعدم إقصاء أي طرف فيه هو أمر أصبح جزءاً من الرؤية الدولية التي تسعى إلى استكمالها منظمة اليونسكو ضمن رؤية عالمية مبنية على حماية التراث كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان.

وتقوم حاليّاً المديرة العامة لليونسكو ارينا بوكوفا، بعد انتخابها لولاية ثانية في (نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي)، بتحديد عدة أنشطة للمنظمة أهمها عملية إصلاح في الدول الأعضاء (195) تحت شعار: «رؤية لعالم مبني على حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية؛ رؤية للبشرية بوصفها مجتمعاً واحداً لا يتجزّأ؛ رؤية لنظام متعدد الأطراف أكثر متانة، ولمنظومة أمم متحدة أكثر قوة».

وستشكل هذه الرؤية أساساً لعمل اليونسكو الساعي إلى مواجهة التحديات الكبرى، مثل التنمية الموزعة بشكل متفاوت والتدهور البيئي والنزاعات المتعددة، ومنها التمييز والتطرف وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد حددت المديرة العامة ثلاثة اتجاهات رئيسية لعمل اليونسكو خلال هذا العام (2014) ومنها دور الثقافة في تنمية المجتمعات وتمكين الأفراد. فخلال السنوات الأخيرة الماضية، قام متطرفون بالاعتداء على معالم ثقافية وتراثية في أجزاء مختلفة من العالم مثل البحرين ومصر ومالي.

من جهتها ستواصل اليونسكو بحسب ما جاء في بيانها الأخير «توفير الخبرات اللازمة وتقديم ما أمكنها من مساعدة لضمان أن تتمكن المجتمعات من المحافظة على التراث الذي يعزّز هويتها، ويشكل أساساً للعمل معاً من أجل تأمين مستقبل أفضل. ويُعنى عمل اليونسكو بالتراث المادي وغير المادي على حدّ سواء، وبالترميم، والمحافظة، والتعليم، وبناء القدرات ويشمل الجهود المبذولة لإشراك المجتمعات في إدارة معالمها الثقافية».

واليونسكو تقوم بحماية مواقع أثرية وتراثية منذ فترة طويلة على ما يعرف بقائمة التراث الإنساني، وهي بالعادة، مواقع ترشحها الدول الأعضاء لكن فيما يتعلق بالمواقع التراثية التي لا تدرجها حكومات الدول الأعضاء لأسباب سياسية أو طائفية أو غيرها، فإنها قابلة للضياع أو التدمير كليّاً، كالذي حدث قبل أكثر من عشرة أعوام عندما قامت حركة طالبان بتفجير تماثيل بوذا في وادي باميان بأفغانستان بالديناميت في مارس / آذار 2001.

وبسبب الصراعات السياسية في المنطقة العربية أصبح فيها التراث فريسة سهلة للتخريب أو التدمير أو السرقة. لذلك فإن من الضروري الالتفات وزيادة الوعي بالمعايير التي جاءت في اتفاقية التراث العالمي في العام 1972، واتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حال نشوب نزاع مسلح وبروتوكولها، والاتفاقية بشأن وسائل حظر الاستيراد غير الجائز للممتلكات الثقافية ومنعه، ومنع تصديرها ونقل ملكيتها.

لقد قامت اليونسكو بمشاريع كبرى كثيرة للإبقاء على الآثار في أفغانستان، ففي العام 2003، أدرج المشهد الثقافي والبقايا الأثرية في وادي باميان في قائمة اليونسكو للتراث العالمي وقائمة التراث المعرض للخطر.

اليونسكو كانت عاجزة، كما المجتمع الدولي عن حماية تماثيل بوذا في أفغانستان من أيدي المتطرفين، وهي قد لا تكون عاجزة بعد اليوم عن حماية أي مسجد موقع ضمن رؤيتها الجديدة للعام 2014؛ لأنه في إمكان التراث الثقافي تحسين التفاهم والاحترام المتبادلين بين جميع مكونات المجتمع الواحد؛ لأن حماية التراث والمساجد من المتطرفين جزء من حوار الأفراد والجماعات في المجتمع الواحد.