العدد 4151 - الجمعة 17 يناير 2014م الموافق 16 ربيع الاول 1435هـ

إقليم البحرين: تعدد الانتماءات السياسية والمذهبية

سبق وأن ذكرنا في فصول سابقة أن اسم قبيلة عبدالقيس ارتبط بشرق الجزيرة العربية ارتباطاً وثيقاً، قبل الإسلام وبعده.

وارتبط اسم هذه القبيلة بموالاتها للإمام علي (ع)، إلا أن الواقع التاريخي يشير للعديد من التغيرات التي طرأت على قبيلة عبدالقيس من حيث الميول السياسية والمذهبية، وذلك بعد حقبة الخلفاء الراشدين. قبل ذلك كانت كلمة عبدالقيس موحدة، مما أعطاها قوة وشأناً سياسياً لا يستهان به، إلا أنها ضعفت بعد ذلك بسبب تفرق أبنائها، وتشتت كلمتهم، وتشتت أهوائهم وميولهم السياسية.

فأصبح أفراد قبيلة عبدالقيس يحملون نفس الثقافة ونفس اللهجة، ولكن تعددت مذاهبهم وأهواؤهم السياسية؛ وبذلك ضعفت القبيلة ككيان سياسي. وربما لهذه الأسباب تمسك العديد من أفرادها بلقبهم القبلي «العبدي»، الذي يربطهم بتاريخهم وأمجادهم السابقة. أما أسباب هذا التشتت فكان بسبب استقطاب السلطة المركزية الأموية لهم؛ مما جعل العديد منهم يسعون وراء المصالح الدنيوية. وبهذه الصورة نتج تيار مساير للسلطة الأموية، وقد نتج عن ظهور هذا التيار تيار معارض التحق مع ركب المعارضين للدولة الأموية من أي مذهب حتى وإن كانوا من الخوارج.

هذه الصورة تعكس إلى أي مدى كان المجتمع البحريني القديم معقداً من حيث التركيب؛ حيث كان مجتمعاً طبقياً، به التجار والمتسلطون وبه الفقراء، وبه الحضري وبه القبلي.

وكل طبقة من هذه الطبقات يمكن استهدافها بطرق معينة وجرها نحو ميول سياسية ومذهبية معينة. فيتم إغراء المتسلط بمزيد من السلطة أو إقناع الفقير بالتمرد على المتسلط أو تحريض قبيلة على أخرى.

وقبل أن نأتي على تفاصيل بناء هذا المجتمع المعقد سنعطي هنا أمثلة لتشتت قبيلة عبدالقيس وتفرقها، وهو الأمر الذي أضعفها وأضعف المنطقة بأكملها.

المصالح والاستقطاب السياسي

الدولة الإسلامية في بداياتها خضعت لسلطة مركزية واحدة تحكم مناطق شاسعة متعددة الجماعات والقبائل، والسلطة المركزية في هذه الحالة لا تتعامل مع كل الجماعات والقبائل، وإنما مع قبائل محددة، وذلك بحسب مكانة القبيلة وشهرتها، وحتى هذه العلاقة لا تكون علاقة مباشرة بين السلطة المركزية وكل القبيلة أو الجماعة ذات المكانة في منطقة ما، بل تكون مع أفراد معينة منها بحسب مكانة هؤلاء الأفراد وطموحاتهم السياسية.

فبعد حقبة الخلفاء الراشدين ودخول حقبة الدولة الأموية، هذه الدولة الجديدة، وحتى تثبت سلطتها، يجب أن تكون لها تحالفات مع أفراد معينة في مناطق معينة. وبحسب هذه السياسة، وحتى تتمكن من السيطرة على البحرين أو شرق الجزيرة العربية، فلا بد أن تكون هناك علاقات وثيقة بين السلطة المركزية وزعماء من قبيلة عبدالقيس التي كان لها في صدر الإسلام ثقل سياسي، وكانت لها قوة ومكانة اجتماعية مرموقة بسبب اجتماعها ووحدة كلمتها، ليس في البحرين القديمة فقط، بل وحتى في البصرة؛ حيث كانت تمثل أحد أحياء البصرة الخمسة.

ولا يقف الأمر عند المكانة السياسية بل المعارف أيضاً؛ فقد كان سكان شرق الجزيرة العربية على علاقات تجارية مع بلاد فارس والسند، وبذلك يكونون على دراية كبيرة بهذه البلدان. ولهذا السبب استقطبت الدولة الأموية العديد من العبديين لفتح هذه المناطق. وقد استعمل معاوية بن أبي سفيان على السند عاملين من عبدالقيس هما عبدالله بن سوار العبدي وكرز بن كرز العبدي. واأستعمل يزيد بن معاوية على بعض ثغور السند، المنذر بن الجارود العبدي، ثم خلف المنذر ابنه الحكم بن المنذر (مبارك 1995، ص 101 - 104).

عبدالقيس بين المسايرة والمعارضة

كانت قبيلة عبدالقيس عصية على التوحد منذ حقبة قبل الإسلام، فقد انقسمت توجهات القبيلة حول حكم المناذرة، فقسم منهم ساير المناذرة وتولى السلطة السياسية في البحرين، وقسم آخر منه مثّل تيار المعارضة ضد المناذرة، وقد أوضحنا ذلك بالتفصيل في سلسلة المقالات حول البحرين قبل الإسلام.

وبعد الإسلام، وبالخصوص بعد حقبة الخلفاء الراشدين، انقسمت عبدالقيس إلى عدة تيارات منها الموالية ومنها المعادية للدولة الأموية، ويمكن تتبع تلك التيارات من خلال تتبع ميول عدد من أمراء وقادة وشعراء عبدالقيس في العهد الأموي.

فأما القسم الموالي، فمنها من بدأ تحولهم لأطماع الدنيا في نهاية عصر الإمام علي (ع)، ومنهم من ظهر تحولهم بعد ذلك؛ ومن أهم من يمثل هذا التيار في عهد يزيد بن معاوية، المنذر بن الجارود، وكان الإمام علي (ع) ولاّه فارساً فاحتاز مالاً من الخراج فحبسه الإمام علي (ع)، فشفع فيه صعصعة وخلّصه.

ولقد شفّع المنذر بن الجارود خيانته في الأموال بخيانته في النفوس؛ ففي عهد يزيد بن معاوية تقرب المنذر من الأمويين عندما قدّم نسخة رسالة الإمام الحسين (ع) إليه مع رسول الإمام (ع) سليمان بن رزين إلى عبيدالله بن زياد تقرّباً إليه وطمعاً في الزلفة منه، ولقد كافأ ابن زياد ابن الجارود على خيانته فولاه السند، حيث توفي فيها سنة 61 هـ، فلم يهنأ بجائزته إلا شهوراً قليلة (الطبسي، النسخة الإلكترونية، ص 37).

كذلك، فقد انضم رضى بن منقذ العبدي، شاعر من شعراء عبدالقيس ورؤسائهم، إلى صفوف جيش عمر بن سعد الذي وجهه عبيدالله بن زياد لملاقاة الإمام الحسين (ع)، ومعه أخيه مُرَّة بن منقذ العبدي، الذي قتل علي الأكبر بن الإمام الحسين (ع).

ومن ممثلي الموالين للدولة الأموية من العبديين في عهد سليمان بن عبدالملك بن مروان، أربعة آلاف جندي من عبدالقيس وقفوا مع سليمان بن عبدالملك عندما حاول قتيبة بن مسلم الخروج عليه. وكانت نتيجة ذلك تعيين الأشعث بن عبدالله بن الجارود العبدي ولّي على البحرين في عهده (مبارك 1995، ص 124)، (العرب، السنة الأولي، رجب 1386 هـ – الجزء 1).

وكذلك كان لقادة العبديين حضور في الجيش الأموي في خراسان بعهد هشام بن عبدالملك، منهم خالد بن علباء بن حبيب بن الجارود، وغياث بن كلثوم، وهو أيضاً من أهل الجارود (مبارك 1995، ص 95).

أما القسم الذي مثّل المعارضة ضد الأمويين فينقسمون إلى قسمين، قسم ثائر في البحرين، تمثل في عدة انتفاضات مثلتها القيادات التالية: بنو محارب بن عمرو بن وديعة، وريان النكري، وداود بن محرز بن عبدالقيس، ومسعود بن أبي زينب المحاربي، وسعيد المحاربي (آل ملا 2002، ص 87 - 89).

وأما القسم الآخر الذي مثل المعارضة فقد التحق جزء منه بحركة عبدالرحمن بن الأشعث الكندي (81 – 83 هـ / 700 - 702م) القائد الأموي الذي تمرد على الأمويين، ومن هؤلاء بشر بن المنذر بن الجارود والحكم بن مخرمة العبدي.

وأما الجزء الآخر فنجده ضمن صفوف الخوارج الأزارقة، ومن هؤلاء شعراء عبديين منهم: أبوالحديد العبدي،, وصالح بن مخراق، والحارث بن كعب الشني، وداود بن عقبة، وزياد الأعسم (المعيني 2002، ص 6).

وكما سبق وأن أوضحنا أن هذا الانقسام في الميول المذهبية والسياسية يعكس تركيبة المجتمع البحريني القديم المعقدة، فلذلك سوف نبدأ بدراسة تفاصيل تكون المجتمع البحريني في صدر الإسلام، وسوف نركز دراستنا على جزر البحرين وليس البحرين الكبرى. وهذا ما سوف نبدأ بتناوله في الفصل المقبل.

العدد 4151 - الجمعة 17 يناير 2014م الموافق 16 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:32 ص

      مره ابن منقذ العبدي

      الذي قتل علي الاكبر من سكان البصره وقبيلة العبدي استوطنت البصره من زمن معاويه وليس من البحرين القديمه

اقرأ ايضاً