رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان، أن «طاعة ولاة الأمر» لا تمنع تقديم النصيحة لهم، والمطالبة بالحقوق بإخلاص ومصداقية وأدب، في سبيل «الإعانة على الحق، والتذكير بحوائج العباد وحقوقهم، مع حبِّ صلاحهم، واجتماع الأمة عليهم، فإن طاعة ولاة الأمر من طاعة الله ورسوله».
واعتبر القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (17 يناير/ كانون الثاني 2014) أن «في طاعة ولاة الأمر تنتظم شئون الأمة، وتنتظم شئون الدولة، وتتّحد الكلمة، وتستقر النفوس والأوطان، وتقوى الصلة بين الأفراد، وتحفظ الهيبة، ويتفرغ الناس للعبادة والعمل والبناء والتعمير».
وتحدث عن الاستقرار والأمن، مشيراً إلى أن «من عوامل الاستقرار وبسط الأمن وانتظام المعاش، قيام كل مسئول بمسئوليته وواجبه في المحافظة على كل هذه النعم والخيرات؛ فالوطن للجميع، والأمن نعمةٌ للجميع، وذلك كله مسئولية الجميع».
وأكد أن «المؤمن المخلص الصادق هو الذي يغار على أهله ووطنه، يعمل أكثر مما يتكلم، يدٌ تحمي ويدٌ تبني، يحذر ويحذّر من كل مظاهر الفوضى والاضطراب والتحريض على العنف والتخريب والإخلال بالأمن، حصيفٌ يدرك مكائد الأعداء؛ في حب، وقدوة، ومسئولية، وجد، وعمل، ومنع إثارة الفتن».
وقال القطان: «لا يعرف فضائل الأمن والأمان إلا من اكتوى بنار الخوف والرعب، والفوضى والتشريد والغربة. اسألوا البلدان من حولكم، اسألوا الغريب عن وطنه، واسألوا المشرد عن أهله، واسألوا اللاجئ عند الآخرين. وشاهدوا بعين الشكر والبصيرة، ما تنقله إليكم وسائل الإعلام نقلاً حيّاً مباشراً، عالمٌ حولكم تجتاحه فتنٌ وحروبٌ وقتل وقتال، ومجاعاتٌ وقلاقل، يحيط بهم الخوف والجوع، واليأس والقلق، سلبٌ ونهبٌ، في فوضى عارمة، وغابة موحشة، دماءٌ تراق، ورقابٌ إلى الموت تساق، في أعمال نكراء، وفتن عمياء. حفظهم الله ورحمهم، وأعاد إليهم أمنهم، واستقرارهم ورخاءهم».
وبيّن أن «أول عوامل الاستقرار وأولاها، الإيمان بالله والتوكل عليه، والاعتماد عليه سبحانه، ومن عوامل الاستقرار واستتباب الأمن لزوم السمع والطاعة لولي أمر البلاد في غير معصية الله».
وفي سياق آخر، تطرّق القطان في خطبته إلى الحديث عن «فتن الدماء»، واعتبر أن «فتن الدماء هي أعظم الفتن بين المسلمين؛ لعظم أمر الدماء، ولسهولة استباحتها بالتأويل، ولعجز العقلاء عن كفّ المتقاتلين، وإن أمر الدماء عظيم، واستحلال دم مسلم واحد هو كاستحلال دماء المسلمين جميعاً».
ولفت إلى أن «الفتن تشغل العبد عن العبادة، فإذا سالت الدماء جراء الفتن فقد تصرف عن العبادة كلياً، فتقسو القلوب، وتتوحش النفوس، وتزول الرحمة، ويتسلط الشيطان، ويكون البشر وحوشاً في صور أناسي، لا يحرّمون دماً ولا عرضاً ولا مالاً، ولا يرحمون امرأةً ولا مسناً ولا طفلاً».
وأفاد بأن «دماء الفتن عصيان ظاهر، وخسران ماحق؛ وفتن الدماء ظلم، والظلم سبب للهزيمة والفشل، وظهور الأعداء على المسلمين؛ لأن المسلمين إذا ضرب بعضهم رقاب بعض كان فيهم ظالم ومظلوم، والله تعالى لا يرضى الظلم، ويؤيد بالعدل دولة الكفر، ويديل لها على المسلمين إذا استحلوا دماء بعضهم بعضاً، ولأن يخطئ العبد بمجانبة سبيل فيه خير عظيم اتقاء لفتنة مظنونة خير من أن يرتكس في فتنة تتلطخ فيها يداه بدماء إخوانه المسلمين؛ لأن الخطأ في العفو أهون من الخطأ في العقوبة. وترك من يستحق القتل أخف إثماً من قتل من لا يستحق القتل».
وشدّد على ضرورة أن «يشاع في الناس فقه الفتن، وكيفية تجنبها، والاختيار فيها، والخروج من مضائقها بأقل الخسارة، ويجب أن يربّى شباب المسلمين على تعظيم دماء المسلمين وغير المسلمين غير المحاربين، وشدة التوقي فيها؛ لأن ضعف الفقه في ذلك، وقلة الورع والتوقي تؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها. والأعداء المتربصون بالأمة إنما نالوا من الأمة في التحريش بين أبنائها، واختراق صفوفها، وتزيين الفتنة لأفرادها، فصار بعضهم يضرب رقاب بعض، والأعداء مسرورون مغتبطون».
كما ذكر أن «ما يمر به المسلمون اليوم من ضعف وهوان، ومن تسلط الأعداء عليهم بالفتن والحروب قد أرخص دماء المسلمين، واعتاد الناس على مناظر القتل يومياً بأبشع الصور وأعظم التشفي، وهذا يهوّن وقع القتل في قلوب الناس، حتى يألفونه، ويصبح البشر مجرد أرقام يذبحون كما تذبح الأنعام، وإذا سيطر هذا الفكر على أذهان الناس، مع اجتهاد الأعداء في التحريش بينهم صار استحلال الدماء المعصومة أهون ما يكون، وبأبرد التأويلات والتعليلات السمجة، وصارت كل طائفة من الناس تحتكر الحق لها، وتزعم أن غيرها على ضلال، فتستبيح دماء غيرها، وهذا هو الهرج الذي أخبر النبي (ص) عن وقوعه في آخر الزمان، وتضرب الحيرة عقول العقلاء، فلا يدرون ماذا يفعلون، وإلى من يصيرون؟ وذلك من شدة الفتنة والبلاء».
وقال إن: «الصراع في الأرض قدر كوني، وسنة ربانية كتبها الله تعالى على البشر، وهو صراع دائم بين أهل الحق وأهل الباطل، وصراع بين أهل الباطل وأهل الباطل، وصراع بين أهل حق وأهل حق ولكنه صراع باطل؛ لأنه الفتنة العمياء الصماء التي تحصد الأرواح، وتطير الرؤوس، فلا يدري القاتل لم قتل، ولا يدري المقتول فيم قتل». وذكر أن «من يقتلون في الفتن بين أهل الحق يوازون أو يزيدون على من يقتلون في ساحات الجهاد، ولربما كانت دماء الفتن أكثر غزارة من دماء الجهاد؛ ولذا كان لزاماً على المرء أن ينظر موطئ قدمه أين يكون، ولسانه لمن يتكلم ويدعو، وقلبه لمن يعقد المحبة والولاء، وعلى من يرسل الكره والعداء؟؛ فإن الفتن تجر الناس إليها، وتعقد الألسن فتنطق لها، وتقلب القلوب فتحب وتكره وتوالي وتعادي لغير الله تعالى، ويا خسارة من سفك دماً، أو سفك دمه في مثل هذه الأجواء المسممة بالفتن».
العدد 4151 - الجمعة 17 يناير 2014م الموافق 16 ربيع الاول 1435هـ
عش رجب تلقى عجب
كلام جديد يا شيخ كل هذا بسبب الدعوة الى الحوار!?