أصبحنا نحيا في عالم سريع التناغم يحث الخطى في سرعة هي أكبر بكثير مما تستطيع ساعاتنا البيولوجية تحملها فضلاً عن مجاراتها، وقد باتت السرعة السمة البارزة في منهاجنا اليومي، تدفعها، في أحيان كثيرة، إلى مرحلة الجنون معطياتنا الروتينية من حاجتنا للعمل المتواصل معاكسين إمكانات أبداننا نوعاً وكمّاً، فتارة يقصينا دخلنا المعيشي عن تحقيق ضروريات أو كماليات وضعناها بأنفسنا فنتجاوز حدود المعقول في استنزاف صحتنا، وتارات أخرى تفرض علينا دواعي عمل أو وظيفة مَّا ونجبر مكرهين على تحمل ما يجافي تكويننا فسيولوجيّاً وذهنيّاً.
إفراز وناتج بديهيّاً لتسارع عالمنا المعاصر، أمسى أمراً محتوماً للكثير من الناس أن يمضوا جل أيام الاسبوع يعملون كادحين في معظم ساعات يومهم، وبدأت تبرز ظاهرة «النوم أثناء العمل أو القيادة» أو ما يعرفه باحثو علم النوم بـ «ميكرو سليب» «وغفوة الطرقات»، أي عندما هجرنا أوقات قيلولتنا وراحتنا سبقتنا للطريق أسرتنا، لتدق ناقوس الخطر منذرة بأن النوم وساعات الراحة ليست ترفاً وانما صمام أمان لتأدية أية وظيفة يناط للانسان بها. يكفي أن نعرف أن حالات مثل غفوة الطرقات تلك أحداث كوارث راح ضحيتها الكثير ومازالت المسبب الرئيس فيما يقع من آلام واصابات يوميّاً.
«ميكرو سليب» أو «غفوة الطرقات» هي فترات عابرة وقصيرة وخارجة عن الإرادة من عدم القدرة على التركيز والاستجابة للبيئة المحيطة، قد تستغرق ثواني أو دقائق معدودة وعادة ما يمر بها الانسان المجهد الذي يحاول ما استطاع المحافظة على تركيزه وادراكها وهو يقوم بمهمة رتيبة مثل قيادة السيارة، أو التمعن في شاشة الكمبيوتر، أو مراقبة الحركة الجوية. يبقى الأشخاص الذين لسبب أو لآخر لم يتمكنوا من النوم الكافي كمّاً ونوعاً الأكثر عرضة لتلك الغفوات، كما تلعب أمراض واعتلالات النوم الأخرى والأرق دوراً مساعداً كذلك.
لقد لعب العامل الانساني في حدوث المحذور دوراً محوريّاً وهناك من الأمثلة الكثيرة، حيث كارثة تشرنوبيل النووية في أوكرانيا، وحادث احدى جزر ولاية بنسلفانيا النووي من الأمثلة المعروفة، ومؤخراً حادث قطار منهاتن في الولايات المتحدة الأميركية الذي خلف أربعة قتلى ونحو سبعين جريحاً وكان مرده بحسب افادة المهندس المسئول إلى غفوته وتجهله تفعيل فرامل القطار وهو يقترب من منحنى وبسرعة كبيرة.
قد نكون نفتقد معلومات احصائية دقيقة عن أثر هذه الظاهرة في مملكتنا، لكن يكفي أن نعرف أن في الولايات المتحدة الأميركية وحدها هناك أربعون ألف اصابة وألف وخمسمئة حالة وفاة بسبب غفوة الطرقات، بحسب أرقام الهيئة الوطنية لسلامة الطرق السريعة، علماً بأنه قد تكون هذه الأرقام أقل من الواقع نظراً الى أنه في أحيان كثيرة لا يدرك السائق فترة الميكروسليب العابرة ولا يربط بينها وبين الحادث.
تبقى في نهاية المطاف، الوصفة السحرية مع أنها لا تخفى على أحد، وهي تمهل والتقط أنفاسك، استحضر جميع حواسك وكن حاضراً في كل لحظة، وتوقف عن المغامرة والتضحية بأوقات نومك وراحتك، ونقول لمن يقوم على إدارة وتشغيل منشآت حيوية مثل: محطات الترانزيت، وأبراج تحكم ومراقبة الحركة الجوية، والمستشفيات، والمعامل النووية، نقول عليكم بتبني سياسات تشغيلية أكثر محاكاة وملائمة للطبيعة البشرية تأخذ في الاعتبار التقليل من أثر الاجهاد على سلامة وأمن الجميع.
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4150 - الخميس 16 يناير 2014م الموافق 15 ربيع الاول 1435هـ