تتصدر ألمانيا دول الاتحاد الأوروبي من حيث مدى تنامي الهجرة واللجوء لأسباب اقتصادية وسياسية وإنسانية، ما قد يسبب لها العديد من الأزمات والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال الفترة الراهنة وفي المستقبل.
فالبلاد لازالت تعيش على إيقاع صفيح ساخن من المشكلات نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث بدأت الصعوبات الداخلية المرتبطة بالاقتصاد القوي التي كانت تفتخر به ألمانيا وتسبق به دول الاتحاد الأوروبي، بات يفرض ضرورة الترشيد والالتزام بالحد الأدنى من الإنفاق العام على مختلف المشاريع الاجتماعية والتنموية الملحة.
وبعد تنفيذ قرار الاتحاد الأوروبي برفع القيود على حركة التنقل والعمل على مواطني رومانيا وبلغاريا، ابتداءً من 1 يناير/ كانون الثاني 2014، شهدت ألمانيا موجة هجرة مكثفة من هاتين الدولتين، وعلى إثرها تقدّم حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي المشارك في الائتلاف الحكومي بلائحة مطالب تدعو إلى وقف ما وصفه كبار القادة في الحزب بـ «الغزو المحتمل» لألمانيا، نتيجة الهجرة الواسعة النطاق للمواطنين الرومان والبلغاريين، حيث يعمل الآن أكثر من 155 ألفاً من مواطني البلدين، في مختلف القطاعات المهنية والخدمية. وبحسب إحصائية جديدة لمكتب الإحصاء الاتحادي الألماني (2013) فإن نسبة سكان البلاد ارتفعت بوجود المهاجرين بمعدل 300 ألف نسمة، ليصل إلى قرابة 8o.8 مليون نسمة في نهاية العام 2013.
وعلى الرغم من كافة مساعي التهدئة التي بذلتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لاحتواء الخلاف الداخلي في الائتلاف الحاكم حول موضوع الهجرة، وتشكيل لجنة خاصة من وكلاء الوزارات لدراسة ملفات الهجرة ووضع آليات مشددة للحد من سوء استغلال المهاجرين للمساعدات الاقتصادية التي تقدم لهم، إلا أن الجدل السياسي لايزال يحث الخطي داخل الائتلاف، وربما تتطور بشأنه قضايا مصيرية مهمة تشغل الحكومة والمجتمع الألماني على حد سواء.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه أحزاب الائتلاف بقيادة ميركل (التحالف المسيحي والحزب المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري والحزب الاشتراكي الديمقراطي) بمبدأ حرية التنقل التي جاءت في ختام مرحلة انتقالية مهمة استمرت زهاء 7 أعوام، ويعتبره الائتلاف أحد المكتسبات الأوروبية الرئيسية المهمة، يواصل حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي، تصديه لقرار الحكومة، ويبدي تخوفه من احتمال حدوث حالات تلاعب واحتيال ممنهجة على المساعدات المالية والمعنوية التي تمنحها الدولة للمهاجرين، في الوقت الذي يرى فيه الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة والصناعة الألمانية مارتن فاسلين، أن السماح للمهاجرين بالعمل في جميع القطاعات من دون أية قيود سينعش أسواق العمل في البلاد، وطالب الدولة الألمانية باعتماد ما وصفه بـ «ثقافة الترحيب بالمهاجرين» في ألمانيا.
ويرى المراقبون الألمان أن خلفية الصراع القائم داخل الائتلاف الحاكم، تعود إلى تقديرات راهنة و بعيدة المدى مؤداها أن أخطاراً عديدةً تهدّد مرتكزات الاقتصاد الألماني التي أخذت تترنح على مدى سنوات الأزمة الاقتصادية العالمية. لقد تحملت ألمانيا الثقل الأكبر لمساعدة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي شهدت انهيارات واسعة في اقتصادياتها مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال، الأمر الذي سيؤثر سلباً على الخزينة الألمانية، وأن حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي الذي أثار هذه الزوبعة، سوف يستفيد من هذه القضية في الحملات الانتخابية القادمة التي سيخوضها الحزب في أهم معاقله في ولاية بافاريا، المقرّرة في 16 مارس/ آذار 2014، وكذلك انتخابات البرلمان الأوروبي في 25 مايو/ آيار 2014، حيث أثبتت التجارب السابقة أن الحملات الانتخابية التي تتعرّض للمهاجرين واللاجئين، تحقق دائماً أهدافها المرجوة.
وفيما يستمر الجدل في ألمانيا بشأن الهجرة، تستغل القوى العاملة الرخيصة، التي يصفها الألمان بأنها «هجرة فقراء اليورو»، الاستفادة من الوقت وتتسابق للوصول إلى ألمانيا، قبل اتخاذ السلطات الألمانية إجراءات صارمة، وتقطع عليهم طريق أحلامهم إلى «الفردوس الألماني» الذي بذلوا من أجله الكثير من المال والوقت.
وكانت الانتقادات والاعتراضات التي أثيرت في ألمانيا مؤخراً حول الهجرة من رومانيا وبلغاريا، شأنها في ذلك شأن لندن وباريس ومدريد، جعلت هذه العواصم تفرض إجراءات مشددة على دخول مواطني رومانيا وبلغاريا إلى أراضيها، لاعتبارات كثيرة وفي مقدمتها مكافحة التضخم عبر الرقابة الشديدة على العمالة السائبة، وعدم رغبة شعوب هذه الدول في أن يصرف جزءٌ من لقمة عيشهم وضرائبهم على اقتصاديات البلدان الفقيرة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي لاتزال تعاني من مختلف المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 4150 - الخميس 16 يناير 2014م الموافق 15 ربيع الاول 1435هـ