الأزمات التي يعيشها وطننا أشبه ما تكون بالسرطانات الخبيثة التي تجتاح جسد الإنسان الضعيف المنهك، تبدأ صغيرة غير ملتَفَتٍ لها، لكنها سرعان ما تتغلغل في أعماقه، فلا يؤمن بالإنسان بعلاجها إلا عندما يكون الأوان قد فات.
الحل الأمني، هو أول السرطانات التي ظلت تنخر في جسد هذا الوطن، على مدى عقود طوال، بلد صغير قوامه شعب من أطيب شعوب الأرض، ولكن يتم التعامل معه بالعنف والشدة، لأنه يطالب بالعدالة والمساواة والكرامة.
الحلول الأمنية، جربت مراراً، فكانت كما العلاج الكيماوي الذي يعالج به المصاب بالسرطان المستفحل في الجسم والدم، فلم تستطع أن تفيده إلا مزيداً من الآلام والأحزان، وبدل أن توقف حراك هذا الشعب وتمنعه، زادت الأمور تعقيداً، وجعلت هذا الشعب التواق إلى الكرامة والحرية يزداد إصراراً على مطالبه الوطنية المشروعة يوماً بعد يوم، وكلما زادت جرعة هذا الحل الأمني وارتفعت درجة قسوته، كلما أفرز الشعب المزيد من العزيمة لنيل ما يصبو إليه.
التمييز سرطان آخر، أريد به إقصاء مكوّن أساسي من خير هذا الوطن، وبث إسفين الفرقة بينه وبين المكوّن الآخر، من باب تطبيق نظرية مقيتة ترى أن يكون هناك مواطنون من الدرجة الأولى، وآخرون من الدرجة العاشرة، حتى ينشغل الناس ببعضهم البعض، ويتصارعوا على الفتات، وتنتهي لديهم قناعة التعايش والتسامح والقدر المشترك.
خطورة سرطان التمييز في وطننا أنه يرسّخ قناعةً لدى هذا الطرف أو ذاك، أن الامتيازات التي يحصل عليها، ستضيع إذا ما حصل الطرف الآخر على حقّه غير منقوص، وبالتالي فإن عليه واجب الدفاع عن مكتسباته، والوقوف ضد أية مطالب لأي طرف يطالب بالعدالة والمساواة، في حين أن خير هذا الوطن يكفي أهله جميعاً إذا وُزّع بالإنصاف ودون جور.
السرطان الثالث، هو إذكاء أورام الطائفية المقيتة، التي أريد من خلالها زرع حواجز وهمية بين البحرينيين الذين كانوا طوال تاريخهم أهلاً وأحِبّة، فالتعقيدات الطائفية طريق سهل للتفريق بين الناس، ليس في البحرين فقط، بل في العالم كله.
لذلك، قد نفهم مما جرى من هدمٍ للمساجد التي هي بيوت الله التي يذكر فيها اسمه، والتعدي على عقائد الناس ومقدساتهم ورموزهم، على أنها عمل ممنهج يستهدف ترسيخ الشقاق بين مكونات هذه الأرض، لئلا يجمعهم جامع، أو يتفقوا في يوم من الأيام على كلمةٍ سواء.
الفساد، سرطان مستفحل أيضاً في بلادنا، التعديات على الأراضي والأملاك العامة، والثروات الوطنية، باتت تتم على المكشوف، وأصبحت روائحها تزكم الأنوف، والهدف من ترسيخ ذلك هو ترسيخ الثروة ليتم من خلالها ضمان الولاءات، والاستئثار بالخيرات، ولا يهم إذا ما كان غالبيته محرومين منه، أو يعانون من أزمات الإسكان والبطالة والفقر.
هذه السرطانات، وغيرها الكثير، هي أورامٌ تنخر في جسد هذا الوطن، وعلى الرغم من خطورتها واستفحالها، إلا أننا نؤمن أن هذا الشعب يستحق الكرامة والعزة والحرية والعدالة بين جميع أبنائه.
إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"العدد 4149 - الأربعاء 15 يناير 2014م الموافق 14 ربيع الاول 1435هـ
احسنت .. أصبت
فعلا البلد صار وكأنه جسم عليل يحتاج الى ان استبدل كل أعضاؤه
احسنت عزيزي
موفق دوما