العدد 4148 - الثلثاء 14 يناير 2014م الموافق 13 ربيع الاول 1435هـ

جمهورية ترزية الدساتير

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في دول العالم تعتبر الدساتير منهج حياة للدول وحماية للشعوب وإلزاماً للحكام بالقانون، أما في دولنا العربية فتعتبر قميصاً مفصلاً على قوام الحكام.

ومن المفارقات أن أكثر الدول عراقة في الممارسة الديمقراطية (بريطانيا) ليس لديها دستور مكتوب، بينما أعرق دولنا العربية (مصر) هي أكثر بلد لإنتاج الدساتير، وتفصيلها وتصديرها أيضاً لمن يطلبها في الخارج!

بعد ثورات الربيع العربي، التي أطاحت إحداها بنظام حسني مبارك، كتب خلفه الرئيس محمد مرسي دستوراً مفصلاً على قياس الاخوان المسلمين. كانت جماعةً تعمل في الساحة منذ ثمانين عاماً، وتحلم بتطبيق الشريعة وترفع شعاراتها، وجاءتها الفرصة الذهبية بعد سقوط مبارك، فأسرعت في استغلالها لتطبيق الحلم. لم تراعِ أحداً من شركاء الوطن، ولم تكترث بوجود الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة معها آيدلوجياً، ولا بنسبة تمثيل الأقليات. الأقليات كفرة، ويجب ألا يكون للكفرة وجود في الدستور الجديد. وهكذا جاء دستور 2012 مفصلاً على قد الجماعة.

ساعدها على هذه الاندفاعة العمياء أمران: محيط دولي مساعد مع قوة مد الموجة الاخوانية، في عدد من دول المنطقة، بقيادة تركيا. والعامل الآخر محلي، هو مزايدة السلفيين على حلفائهم الاخوان. هؤلاء كانوا أول من تخلّى عنهم في أول مفترق طرق، حين بدأت المقصلة بقطع الرؤوس. حزب النور السلفي تكشف عن سياسة وصولية، وانتهازية فظيعة لا تصدق، فسرعان ما نزل من سيارة الاخوان ليلتحق بقطار الجيش. لقد كان نموذجاً مراوغاً جداً، ومن السهل جداً أن يرى فيه الجمهور تطابقاً شديداً لما يسمع عنه من صفات وأوصاف وسلوكيات «المنافقين».

بعد الإطاحة بحكم الاخوان، انتهز العسكر العائد بقوة إلى الحكم، الفرصة لتصفية حساباته معهم، باعتبارهم أقدم حركة معارضة منظمة، والعسكر أقدم حزب حاكم في مصر. ورأينا درجة الشدة والعنف في القمع، إلى درجة الاستهتار بالقوانين، واجتراح قوانين أخرى أشد تخلفاً.

العام 2012 طرح الاخوان دستورهم دعوا الناس للتصويت عليه، واليوم يطرح العسكر دستورهم ويدعون الناس للتصويت عليه، بعدما طبخوه في لجنة الخمسين، التي رأسها أحد وجوه النظام السابق، وضمت ممثلي أحزاب الأقلية والتجمعات الهزيلة والتيارات الفاشلة في الحياة السياسية. هذا الائتلاف المصلحي أقصى الغريم الأكبر (الاخوان) كما أقصوهم من قبل العام الماضي، بل وذهب إلى اعتبارهم جماعة إرهابية. وهكذا تدور مصر في حلقةٍ سياسيةٍ مفرغة من الاستبداد وإعادة إنتاج التجارب الدكتاتورية من جديد.

المصريون اليوم يناقشون أكثر ما يناقشون، الامتيازات التي يتمتع بها الجيش، والحصانة التي طلبها لنفسه في الدستور الجديد، لضمان الإفلات من الرقابة الشعبية أو المحاسبة على أية جرائم ارتكبها أو سيرتكبها في المستقبل. ومن القضايا الأكثر إثارة للجدل، تقديم المدنيين إلى المحاكم العسكرية، التي أثارت الكثير من الانتقادات، وتسببت في انطلاق احتجاجات وسط القاهرة شاركت فيها قوى أخرى غير الاخوان، من الناشطين الحقوقيين والحركيين الشباب من أبناء الثورة الحقيقيين، خوفاً من تغول العسكر.

إن أكثر ما يؤسف في كل هذا المشهد من الفوضى، أن الجنرال بات يدعو الناس للتصويت بـ «نعم» على دستور ادمنت حكوماته المتعاقبة على تزوير إرادة الناس، وسيتم التصويت على دستور السيسي، كمّا صوتوا من قبل على دستور مرسي وحسني والسادات وجمال والملك فاروق!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4148 - الثلثاء 14 يناير 2014م الموافق 13 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 3:16 ص

      هاها

      المشكله هو ان كل حزب او تيار سياسي او جبهه معارضه او مواليه تنظر من خلال منظورها الدوني والضيق للحصول على أكبر قدر ممكن من الكعكه المتناحر عليها

    • زائر 13 | 1:41 ص

      هم السبب

      العيب في ابناء مصر هم بالاساس غير متحدين متناحرين ينصاعون لكل قول
      لا تتوقع من امة تنهض ولاتكمل الطريق ان تفلح

    • زائر 12 | 1:37 ص

      الى الكاتب مع التحية

      حبذا لو يخصص الكاتب مقالا يتعرض فيه بالتحليل للمواد الدستورية التي يرى انها تكرس لحكم العسكر وتسلب المصريين حريتهم بدلا من الكلام المرسل .ليس سهلا افتراض الغباء في ملايين المصريين الذين اصطفوا بالامس واليوم امام صناديق الاقتراع ! وللتذكير فقط فان السلفيين لم ينزلوا من سيارة الاخوان لانهم لم يركبوها اصلا بعد ان اقصاهم الاخوان . من اذن الانتهازي؟! ومن المفارقات ان الشعب المصري المنفتح تقاطعت رغبته مع السلفيين المتشددين في ضرورة ازاحة الاخوان.اليس لذلك مغزى؟!!

    • زائر 10 | 12:39 ص

      صعب

      صعب يا سيد ان نحلم بدولة الإمام علي ع حتى لو عندنا راح يحصل نفس الشئ

    • زائر 9 | 12:38 ص

      صعب

      صعب يا سيد ان نحلم بدولة الإمام علي ع حتى لو كان عندنا راح يحصل نفس الشئ

    • زائر 8 | 12:36 ص

      علي نور

      ترزية الدساتير مصطلح مصري قديم اطلق عل القضاة في مصر الذين يفصلون القانون على مقاس الساسة والحكام ،،

    • زائر 7 | 11:30 م

      قلنا لكم اش دخل العرب بالثورات

      حتى كلمة ربيع يات من محاولة التشبه بربيع براغ فى تشيكسلوفاكيا سابقا الشكوى مو من الانظمة فقط بل من الشعوب ايضا لان احنا لا قبل الاسلام ولا بعد الاسلام 1400 سنة لنا خص بالثورات والحقوق والمواطنة والعدالة والامور الخاصة بالبشر احنا لنا ثقافتنا الخاصة بالذبح والغالب والمغلوب والظالم والمظلوم والاقصاء والاحتقار ..... الله ينجى تونس منا لان قربهم من الكفار اثر فيهم شوى اسلاميين وليبراليين وانشالله مايصيرون مثل باقى الوطن العرب قصدى المقصب العربى

    • زائر 6 | 11:23 م

      مقال شامل

      مقالك يا أستاذ فيه الكثير من الحقائق التي يجب ان يعلمها القارئ وفيه الكثير من واقع مصر خلال كل فترات حكامها السابقين والوضع الحالي نعم كما ذكرت دساتيرهم مفصلة حسب أهوائهم وتوجهاتهم دون أن يكون للشعب كلمة الفصل فيما يواكب حياته ومتطلباته وكما يقال أنا ومن بعدي الطوفان

    • زائر 3 | 10:40 م

      دستور يا لي هنا

      دستور احم احم

    • زائر 2 | 10:29 م

      وهل نستثني احد

      جميع دول الشرق الأوسط فصلت لها دساتير .. من ايران والعراق لحماية رئيس الوزراء وسوريا ( عملية التوريث ) حتي جميع الدول العربيه بدون استثناء ..الشعوب العربيه والشرق أوسطية يجهلون ماهية القانون ويفضلون لقمة الخبز والمسكن المريح أضافه الي فقرهم وعدم المامهم بالقراءة مما يجعل القائمون بالتعديل والتبديل علي هواهم

    • زائر 1 | 10:16 م

      والقهر مفجري الثورة من الشباب في السجون

      لم يتغيير شيء ادخل الشباب المضحين ومفجري الثورتين للسجن باسم القانون وهاهو يستفرد بالقرار واقصد السيسي وأقول ستاتيه الثورة الثالثة بتحالف الجميع الاخوان والمستقلين والشباب

اقرأ ايضاً