في إيران تُوجَد مؤسسة اسمها «مؤسسة الدبلوماسية الإيرانية». قبل أيام، وفي تلك المؤسسة، عُقِدَت ندوة بعنوان «النتائج الإقليمية لاتفاق جنيف». والمقصود بجنيف هنا، هو الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع الدول الست الكبرى، المسمَّاة (5+1)، بشأن برنامجها النووي، وذلك في الثلث الأخير من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي. في تلك الندوة، تحدّث مساعد وزير الخارجية الإيراني للشئون الأوروبية والأميركية مجيد تخت روانجي بحديث مهم. وقبل التعرض لما قاله الرجل، فإن روانجي وإلى جانب كونه يعمل مساعداً لوزير الخارجية الإيراني، فهو أيضاً عضو في الفريق الإيراني المفاوض بشأن الملف النووي لبلاده، وأحد «عقول السياسة الخارجية الإيرانية» الذين عملوا في حكومات إيرانية متعاقبة، ويجيد عدَّة لغات أجنبية.
روانجي قال: «إن نتائج اتفاق جنيف ستُحدِث زلزالاً سياسياً في المنطقة، يتم من خلاله اكتشاف قدرة إيران». وأضاف: «وفقاً للاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في جنيف، سيبدأ تنفيذ الخطوة الأولى يوم العشرين من يناير (2014) أو أي وقت قريب من هذا اليوم، وسيتم إقرار ذلك خلال المفاوضات بين (مساعد وزير الخارجية الإيراني للشئون القانونية والدولية وعضو الفريق النووي الإيراني المفاوض عباس) عراقجي وهليغا شميت (مساعدة المنسقة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون)»، ومعها مساعدة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمن.
وبعد أن تحدّث روانجي عن الأزمة السورية، ودخول القاعدة وأخواتها (جبهة النصرة/ داعش) على خط الصراع، وتخوُّف الدول الأوروبية من تمدُّد نشاط تلك الجماعات إلى حيث أراضيها، قال: «في الوقت الحاضر فإن العديد من الدول تُقِر بأنها بحاجة إلى إيران لتسوية قضايا المنطقة، وهذه التحليلات تطرح في الغرب والولايات المتحدة الأميركية». انتهى.
بعدها أعلِنَ في طهران، أن مباحثات عراقجي التي أجراها لغاية الجمعة الماضي مع المسئولة الأميركية (شيرمن) والأوروبية (شميت) كانت جادةً للغاية، للتوصل إلى حل حول ثلاث قضايا خلافية بين إيران ومجموعة (5+1). ثم تواردت أنباء عن توصل الجانبين إلى توافق بشأنها.
ما قاله روانجي، بدا أنه الأكثر صراحة من بين كل التصريحات المتوالية التي سبقته، والتي صَدَرَت عن مسئولين إيرانيين. وهو في الحقيقة يُظهِر كُنْه اتفاق جنيف ومداه، بعكس ما كان يُقال ويُنفَى على أثيره من أنه اتفاق «نووي» بحت. إنه أبعد من ذلك بكثير، ويتعلق بشكل المنطقة والبؤر القلقة فيها، سواءً في غرب آسيا أو جنوبها أو في القوقاز أو في شمال إفريقيا، أو في المياه الدافئة في الخليج العربي والملاحة فيه وصولاً لبحر العرب.
هنا، سأحاول قراءة أول تأثير لجنيف «الإيراني» على ملفات المنطقة، والتي يأتي في طليعتها جنيف «السوري».
مؤخراً، طلب الأميركيون من إيران المشاركة في مؤتمر جنيف اثنين الخاص بسورية، ولكن عبر المناقشات الهامشية. الإيرانيون رفضوا هذا العرض، وردُّوا أنهم غير مضطرين للمشاركة في المؤتمر أصلاً (كما صرح بذلك رئيس البرلمان علي لاريجاني). ثم ردَّ الأميركيون (كما جاء في وكالة رويترز للأنباء) أن إيران لن تشارك في مؤتمر جنيف بشأن سورية.
هذا التأكيد ثم الخلاف حوله ثم النفي، ليس له قيمة سياسية تذكر، إلاَّ كونه حديثاً للصحف والتعمية. فالأميركيون يعلمون أن إيران إن لم تكن هي المدير الفعلي لمنظومة دفاع النظام السوري عن نفسه في أزمته، فهي تتقاسم معه دائرة تسييرها، وبالتالي فمن السذاجة أن لا تطلب الولايات المتحدة منها المشاركة كطرف أساسي في المؤتمر.
وربما فعلت واشنطن ذلك، من منطلق سياسي، يقضي بأن تتدرج عملية هضم الحضور الإيراني في الملفات الساخنة، وبالتحديد التسوية الدولية للأزمة السورية، وفي الوقت نفسه، كي لا تتصادم مع الموقف الفرنسي وجزء من الموقف الإقليمي المناهض لطهران.
واشنطن تؤمن بأن إيران تتعامل مع سورية باعتبارها أرضاً تزيد أهميتها على أهمية الجنوب الإيراني في حالة الحرب (كما صرَّح بذلك رئيس مقر عمّار لمكافحة الحرب الناعمة بالحرس الثوري مهدي طائب). وهي بذلك تقوم بعملية الدفاع عن نفسها من خلال المحافظة على نظام الأسد وهوية نظامه، واعتبار المعركة هناك ضدها بشكل مباشر.
وكل مَنْ يتابع الأخبار «الرسمية» وليس غير المعلَنة، سيجد أن خط الإمداد الإيراني لسورية يعمل وكأنه تغذية لأية أرض إيرانية تقع ما بين خطي عرض 24 ° و 40 ° N وخطي طول 44 ° و 64 ° E كما هي إيران. عسكرياً الدعم بلا حدود. مدنياً فإن إيران باتت تصدِّر كل شيء إلى سورية. وقد بلغت العقود الموقعة بين البلدين اثني عشر عقداً خلال ستة أشهر فقط.
كما أن هناك الخط الائتماني الإيراني لسورية وهو بقيمة مليار دولار. وهناك تسهيلات لتقديم العون في مجال تأمين المشتقات النفطية بقيمة 3.6 مليارات دولار. وهناك عقود الأدوية، وعقود شركتَي «سانير» و»مبنى» الإيرانيتين لتوليد الطاقة الكهربائية والتوزيع. وطهران تقوم بهذا الفعل، لدفع الأسد نحو النصر، بأي ثمن وبعيداً عن مواقف الغرب في طريقة تعاطيه مع المعارضة السورية المتشظية، بشكل كبير.
أمام ذلك الموقف، يبدو أن الأميركيين باتوا مقتنعين، بأن المجيء إلى جنيف دون محاورة الإيرانيين أمرٌ لا معنى له ولا يصب في مصلحتهم. فإذا كان المدعوون هم الداعمين للمعارضة السورية بأطيافها المختلفة، فإن عدم دعوة الداعمين للنظام السوري (وأهمهم إيران) هو سذاجة، كون المعركة لن تنتهي.
إبعاد إيران عن التسوية السورية (وليس الدعوة لمؤتمر جنيف) هو الذي يجب أن لا يتم حسب واشنطن، وبالتالي، فإن الأميركيين، يدركون أن الوفد المفاوض السوري هو في حقيقته يأتي مفاوضاً عن جهة مركبة، لا يمكن نكران الوجود الإيراني فيها. هنا، يمكن تجاوز الحديث عن تأثير إيران في مؤتمر جنيف اثنين (سواء بالحضور أو بالغياب)، إلى الحديث عن مطالبها فيه، وربط كل ذلك بما بشَّر به روانجي في حديثه، والزمن كفيل بإيضاحه.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4146 - الأحد 12 يناير 2014م الموافق 11 ربيع الاول 1435هـ
مقال رائع
تشكر أستاذ محمد على هذا التحليل
مضحك
مضحك جدا اللي تكلم عن القوميه ويترحم على طغاة
واختصارا للكلام انا بدعي لك بلي تحبه
الله يحشرك مع صدام والقذافي اشكرني وقول امين
الي زائر رقم 7
الظاهر انت بتنحشر مع جورج بوش وبلير وساركوزي وشارون هؤلاء اعداء المسلمين والعرب وامة محمد والسلام
مقال اكثر من رائع
كتاباتك توحي انك متبحر في السياسه الايرانيه لك الف شكر و اتمنى لك الموفقيه يا اخي خيلي ممنون بالعجمي ي هذا الكلام حق للي في قلبهم شي على ايران اقول العاقل الي يقرى و يفهم و يحكم التصرف ترى ايران موجوده على الساحه رضينه او لا و فارضه نفسه بالقوه اكبر دليل المعركه في سوريا كل الدول في كفه و ايران في كفه و للحين 3 سنوات ما في منتصر او مهزوم احسن للدول العربيه تتصالح مع ايران لانه اذا فات الفوت ما ايفيد الصوت سلمتي للجميع
القومية العربية هي المستهدفة
حينما اراد الغرب وامريكا اسقاط الانظمة الوطنية والثورية في العراق وليبيا لم يقوم الغرب باجراء مباحثات لا زائد واحد ولازائد ناقص ولامباحثات سرية بواسطة عمانية وانما قامت الطائرات الامريكية والغربية بطرب بغداد وليبيا واسقاط نظامها ودون تفويض لامن مجلس الامن ولاالامم المتحدة لانهم يعرفون عز المعرفة من هوصدام حسين والقدافي شخصان معاديان لاسرائيل ورفض الخنوع لامريكا وحلفائها ولو اتبعوا املائات امريكا لبقوا مدي الحياة في السلطة رحمة اللة علي القادة التاريخين صدام والقدافي
هذا الخبر منشور اليوم
برنت يهبط متجها نحو 107 دولارات للبرميل بعد اتفاق نووي مع ايران
أحسنتم
بارك الله فيك أستاذ محمد
تحليل خبير بوركت على هذا الإيضاح
لوكان لدي قرار وسلطة لجعلتك موظفا في الخارجية ولطلبت منك انشاء مركز للبحوث والدراسات خاص بإيران واسيا لعلمك الغزير بأسرار السياسة الايرانية واتمنى ان يقرأ من قبل كبارنا هذا التحليل فالدور قادم على الخليج نفسة
الله يوفقك
جهد وثقافه تشكر عليها واحد اهم اسباب دخولي للجريده هي كتاباتك العميقه
الف شكر لك