حرف الدال من كلمة «الدولة»، وحرف الألِف من كلمة «الإسلامية»، وحرف العين من كلمة «العراق»، وحرف الشين من كلمة «الشام» تصبح اختصاراً «داعش». ومُسمَّى ذلك التنظيم بدون اختصار هو: الدولة الإسلامية في العراق والشام، ويتأمَّر عليه أمير هو أبو بكر البغدادي، كاسم حَرَكِي، بينما اسمه الحقيقي هو إبراهيم عواد إبراهيم البدري.
ولابأس إن ذكرنا أن هذه اللغة هي من لغات «الاستتار الحزبي» عند الحركات السرية. فحركة فتح الفلسطينية، كانت في الأصل اسمها «حَتْف» كاختصار للحروف الأصلية من كلمات «حركة التحرير الفلسطيني»، ثم قُلِبَت كلمة «حَتْف» لتصبح «فتح». والسبب له تفسيران، الأول أن فتح لها مدلول ديني، والثاني زيادة في السرية، عبر اختصار المُمَوَّه.
في كل الأحوال، ما يهمنا في هذه المقالة هو الحديث عن سورية وداعشها، وما تقوم به الأخيرة من حرب بلا سقف ولا أهداف ولا أخلاق في المحافظات السورية، طمعاً في أن تُشيِّد لها عريناً جديداً في الشام كبديل عن عرين الديكتاتورية القائمة. وهنا سأسوق حالتيْن من الأفعال التي قامت بها «داعش» والتي ذكرتها مصادر معارضة لا موالية، ولا من قنوات النظام الإعلامية، ولكم أن تتخيَّلوا وتتمعنوا فيها.
الخبر الأول يقول، أن حوالي أربعمئة شخص قضوا خلال خمسة أيام من الاشتباكات بين المعارضة السورية وداعش، في محافظات حلب وإدلب والرقة وحماة، بينهم ستة وخمسين مواطناً مدنياً أعدم تسعة منهم على يد داعش، يضاف إليهم مئة وثمانية وتسعين معارضاً، فيما البقية قضوا جراء إصابتهم بطلقات نارية خلال اشتباكات بين الطرفين.
وقد استُخدِمَ في عمليات القتل تلك (بالإضافة للرصاص) تفجير سيارات مفخخة، في ريفي إدلب وحماة، وفي حلب وريفها والرقة وريفها. ووردت معلومات مؤكدة إلى المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، عن إعدام داعش لعشرات السوريين، ومقاتلي المعارضة في معتقلاتها بِعِدَّة مناطق، مع وجود عشرات القتلى الذين لم يتم توثيق أسمائهم.
الخبر الثاني يقول (ومصدره المرصد المعارض أيضاً) بأنه وردت معلومات عن وجود جثامين لرجال مرمية على أطراف سجن داعش في إسكان المنطقة التوسعية جنوب مدينة تل أبيض. وفي مدينة الرقة وُجِدَت جثثٌ في شوارع المدينة مع مخاوف من انتشار الأوبئة وسط وضع إنساني مزرٍ بسبب حظر التجول الذي فرضته الاشتباكات على الأهالي منذ عدة أيام.
بالتأكيد، فإن الأخبار تزداد عدداً ومأساوية لو تتبعناها، لكن ما يهم أيضاً هو التأكيد على أن المسألة يجب أن تتعدَّى المفاضلة البائسة في تلك الحرب العبثية. فلا كتائب أحرار الشام بأفضل من فتح الإسلام، ولا لواء الحق بأفضل من لواء الأنصار، ولا لواء التوحيد بأفضل من جبهة التحرير السورية، ولا تجمع أنصار الإسلام بأفضل من غرباء الشام، ولا الجبهة الإسلامية بأفضل من جبهة النصر، ولا كل أولئك الأحزاب بأفضل من داعش.
والجيش السوري النظامي ليس بأفضل من الحرس الجمهوري. وهذا الحرس ليس بأفضل من الفرقة الرابعة، ولا هي أفضل من كتائب البعث. والأخيرة ليست بأفضل من قوات الدفاع الوطني، وهذه القوات ليست بأفضل من المخابرات الجوية، التي هي أيضاً ليست بأفضل من جهاز الأمن السياسي. وهذا الأخير ليس بأفضل من الاستخبارات العسكرية. وهي ليست بأفضل من اللجان الشعبية في الأحياء. وهذه اللجان ليست بأفضل من كل أولئك.
إن داعش اليوم ليست هي المشكلة في سورية وحدها، بل إن الألم كله يأتي من الصراع ذاته. فالمشهد لا يعكس صراعاً ما بين الخير والشر، بل هو صراع لتدمير البلد وناسه. فالمعركة وقد وصلت منتهاها في كونها لا شرعية ولا تحظى بتأييد أخلاقي، ما دامت دون حساب ولا مراقبة لما يجري على المدنيين والعُزَّل، ولا على بُنية البلد (وهو الضارب باسمه في التاريخ)، الذي أرجَعَه الصراع إلى قرنٍ مضى، وسيحتاج الغالِب فيه إلى أن يقضي بقية عمره وهو يُعمِّره بلا جدوى.
سورية ومجتمعها ليست أرضاً طارئة على هذا العالَم، ولم تكن صورة من صور البهيمية، بل كانت محور التطور والتلاقي الحضاري، الذي أنتَجَ مجتمعاً ناضجاً ومتفتحاً. كما أنها أرض متطورة، سياسياً ودينياً وفكرياً واقتصادياً منذ دورايوروبوس وتدمر وقصر الحير.
ولاحقاً كان الانتعاش التجاري والحَضَري والتعليم قد وصَلَ إلى درجات متقدمة في سورية خلال القرن الثاني عشر الميلادي، عندما كانت أوروبا تغط في التخلف، وتتهيأ للدخول في الحروب الدينية الطاحنة. وكانت دمشق ممراً رئيسياً للحجّاج المتزوِّدين بالمؤن، وصورة رائدة للهندسة، وموئلاً للأطباء المهرة الحاذقين، ومصدراً لتصدير العلم.
هذا المجتمع الرائد، والأرض المعطاءة، لا يستطيع التعايش مع الهمجية والديكتاتورية بالسواء. فالتراكم الحضاري يجعل من طريقة عيشه وتفكيره مختلفين. أما أن يأتي المتخلفون والهَمَج الرعاع، كي يقتلوا الناس بالظن، ويحاكمونهم بالشك، ويقيموا عليهم الحد بلا قواعد ولا أخلاق، فتلك مأساة ما بعدها مأساة.
اليوم سورية لا تعيش معركة معروفة السقف ولا الأركان ولا الأهداف، بل هي مجموعة من المعارك المنفلتة، التي لا يُحتَرم فيها الإنسان، فيُقتَل إما برصاصة في الرأس، أو بقطعه حَزّاً بالسيف، أو يتفحم جسده ببرميل من الجو، أو بصاروخ مجنون، أو بقذيفة طائشة. وهذا النوع من المعارك عادةً ما يُفضي إلى واقع بائس، يغيب معه حرمة الدم.
قبل أيام، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أنها أوقفت «محاولات إحصاء قتلى الحرب في سورية حتى إشعار آخر، نتيجة عدم تمكن المنظمة من الوصول إلى كلّ الأماكن على أرض الواقع في سورية وعدم قدرتها على التحقق من مصادر المعلومات التي تحصل عليها من جهات أخرى»!
إذا كانت الأمم المتحدة قد استطاعت أن تُحصي قتلى نزاع التوتسي والهوتو الدموية في رواندا على بشاعتها، والتي راح ضحيتها مليون إنسان، وعجزت أن تقوم بذات الدور في سورية، فإن الأمر مدعاة للتفكر والتأمل من حيث كونه أشد مرارة وقسوة. وربما حانت اللحظة الآن، التي يجب أن يُوقف العالم ما بدأه من تهييج وتهريج بدماء السوريين.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4144 - الجمعة 10 يناير 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1435هـ
طابت أوقاتك
المعركة في سوريا هي بين أقطاب العالم أجمع!! و ليس أطرافاً محلية فحسب ...
العالم كله -و لا أبالغ- "يتحارب" في سوريا الآن!!
صدقت ولكن
صدقت فيما قلت حول داعش والارهاب ولكن الجيش السوري بطل يا اخ محمد وهو يقاتل الارهاب بالنيابة عن الشرق والغرب
داعش أيضاً بالعبرية هي المزيد من النار وحقيقة الاسم لم يأتي اعتباطا
من لايزال يسعرها واقصد الحرب والانتهاكات هي تلك الدولة المفرخة للارهابين والمال الوفير الذي يتم تزويده لهم وأقول هي معركة أمة محمد مع هذا الشر الإرهابي الذي يغطي أفعاله الهمجية من قتل وسحل باسم دين محمد فلعل الله يريد الخير لهذه الامة فبلاءها بهكذا رعاع همج لكي يدمر مفرخت الإرهاب