حذر المشاركون في ندوة «قراءة في الحساب الختامي» التي عقدت بمقر الجمعية البحرينية للشفافية يوم الاثنين (6 يناير/ كانون الثاني 2014) من تزايد مخاطر تأثيرات المديونية، والتي من المتوقع أن تصل إلى 7 مليارات دينار في العام 2018.
في الندوة التي أدارها نائب رئيس الجمعية سيدشرف الموسوي، قدم رئيس الجمعية عبدالنبي العكري قراءته في الحساب الختامي، فيما شارك كل من الباحث الاقتصادي جاسم حسين ورئيس جمعية الاجتماعيين البحرينية هدى المحمود ورئيس الجمعية الأهلية لدعم التعليم والتدريب سعيد العسبول في تقديم مداخلات أعقبت القراءة التي تناول فيها العكري القاء الضوء على (جوانب في قمة القلق).
وتصدرت ورقة العكري عبارة استهلها كمدخل: «لا أعتبر نفسي محللًا متمكنًا من الحساب الختامي الموجز للدولة، لكن كقارئ عادي للأرقام الواردة في الحساب الختامي الموحد للعام 2012، وبعد عقود مما يدعى بخطط التنمية وتنوع الاقتصاد ومصادر الإيرادات بعيدًا عن النفط والغاز، فإنه على العكس من ذلك، هناك المزيد من الاعتماد على النفط والغاز والذي شكل 90 في المئة من الإيرادات الكلية للعام 2011 و87 في المئة للعام 2012، وليس معنى ذلك انه لا يمكن تحصيل إيرادات أكبر مما يتم تحصيله، لو تم فعلًا مكافحة الفساد والاستيلاء على المال العام وتحصيل مستحقات الدولة وإلغاء كثير من الإعفاءات غير المستحقة وتطبيق إدارة اقتصادية لشركات الدولة أو التي تمتلك فيها الدولة أغلبية الأسهم، وكذلك الأمر بالنسبة لأملاك الدولة».
وأشار في قراءته إلى أنه بعد مراجعة تقرير ديوان الرقابة المالية (نرى العجب العجاب)، لافتًا ، على سبيل المثال، النظر إلى إعفاءات جمركية غير مشروعة بقيمة 95 مليون دينار «للهوامير بالطبع»، لكنه تساءل: «هل يعقل أن يكون صافي إيرادات حقل البحرين والمصفاة 253 مليون دينار للعام 2012 مثلًا أي بنسبة 6.2 في المئة فقط من مجمل إيرادات حقل البحرين والمصفاة والغاز البالغة 4.05 مليارات دينار، وكلفة الإنتاج 3.798 مليارات، في حين أن مصفاة البحرين حديثة وكلفة إنتاج النفط الخام غير مرتفعة وأن أي مصفاة في العالم لا يقل معدل أرباحها عن 20 في المئة فيما يعني أن هناك نهبًا فاضحًا لمداخيل المصفاة وحقل البحرين».
وعرض العكري في قراءته جدولًا للإيرادات الفعلية ونسبتها من الإيرادات الكلية، وجدولًا آخر عن أوجه الإنفاق ونسبتها من الإنفاق العام، كما أورد فقرات عن تقدير قيمة أراضي الدولة ومجموع ديون هيئة الكهرباء الماء كفواتير كهرباء وماء تجاوزت 50 مليون دينار لعام 2012 وغالبيتها لمصالح تجارية يملكها متنفذون، كما تطرق لأملاك الدولة، مختصرًا الخلاصة بالقول ان هناك ثقوبًا واسعةً في منظومة مصادر إيرادات الدولة لو قدر لها أن تسد لهبط اعتماد الإيرادات على النفط والغاز إلى النصف على الأقل.
من جهته، بدأ الباحث الاقتصادي جاسم حسين تعقيبه بالإشارة إلى ضرورة التفريق بين الفرق في الناتج المحلي بين الأسعار الجارية والأسعار الثابتة، ذلك أنه في البحرين يتم اعتماد الأسعار الجارية، وساق أرقامًا في هذا المسار قائلًا: «الأسعار الجارية من الناتج المحلي في العام 2011 بلغت 11 مليارا و400 مليون والأسعار الثابتة 10 مليارات و200 مليون، وهناك تفاوت في العام 2012 حيث ارتفع الناتج المحلي بنسبة 4.1 في المئة للأسعار الجارية، وفي 2011 كانت النسبة جيدة وهي 13 في المئة لكن هناك تراجع على مستوى النمو لا يخدم في ايجاد فرص العمل مثلًا، من جانب آخر فإن الحساب الختامي لا يأخذ بشكل دقيق المساهمة الفعلية لقطاع النفط، فهذا القطاع يشكل 25 في المئة من الناتج المحلي في الأسعار الجارية، و19 في المئة من الأسعار الثابتة، وهناك اختلاف جوهري نتيجة لارتقاع أسعار النفط».
وأوضح أن الحكومة تتحدث عن الاقتصاد المتنوع القوي وتستند في ذلك على المساهمة النسبية المحدودة للقطاع النفطي في مجمل الاقتصاد، إلا أنه وصف تكرير النفط بأنه عملية تدخل في القطاع الصناعي وليس في القطاع النفطي، وبالتالي هناك تضخيم للقطاع الصناعي، وأن القطاع النفطي يشكل 87 في المئة من دخل الخزانة وهي نسبة كبيرة، أما في موضوع الصادرات فالنفط يشكل أكثر من 80 في المئة من الصادرات، ولو جمعنا ذلك لوجدنا أن الاقتصاد هو اقتصاد نفطي والحكومة تأخذ أموال النفط وتصرف، فالتأثير الفعلي لهذا القطاع كبير، ما يعني أن اقتصادنا هو ريعي نفطي وليس اقتصادًا متنوعًا بل لم تتمكن الحكومة من توظيف العوائد النفطية بشكل صحيح بحيث لا نعتمد على النفط في الاقتصاد، ضاربًا المثل بإمارة دبي التي استفادت من الإيرادات النفطية، وأبعدت اقتصادها عن القطاع النفطي، واتجهت إلى قطاع الخدمات والفنادق والمطاعم والطيران فاستفادت من (النفط للابتعاد عن النفط)، في حين لايزال اقتصادنا نفطيا ولم نستفد من الإيرادات النفطية بشكل صحيح».
في الجانب الآخر، تطرق حسين إلى أحدث الإحصاءات التي تشير إلى أن مساهمة الاستثمارات قليلة في الناتج المحلي وتشكل 26 في المئة من الناتج المحلي في 2010 وهي عموماً نسبة جيدة، لكنها تراجعت إلى نسبة 18 في المئة في 2011 والآن بلغت 19 في المئة، وكان من المفترض أن تكون هناك استثمارات وتطوير للنشاط الاقتصادي من خلال تنفيذ المشاريع المتنوعة، وألا يكون الاقتصاد (استهلاكيًا) يستهلك أكثر من نصف الناتج المحلي.
واعتبر بعض ما ورد في الحساب الختامي (جيدًا)، فهناك فائض في الحساب الجاري بلغ 835 مليون دينار في العام 2012 أي بنسبة 7 في المئة من الناتج المحلي، وهناك فائض في ميزان المدفوعات بلغ 253 مليون دينار أي تقدر نسبته بنحو 2 في المئة. من الناتج المحلي، كما أن التضخم تحت السيطرة وبلغ تقريبًا 3 في المئة، إلا أنه شدد على أن المديونية هي الجانب الخطير وتشكل 40 في المئة من حجم الاقتصاد والنسبة في ارتفاع، فبعض الأرقام تشير إلى أن المديونية في بداية العام 2013 بلغت 4 مليارات و200 مليون دينار، ومع نهاية العام ارتفع إلى 5 مليارات ومن المتوقع أن يصل مع نهاية هذا العام 2014 إلى 6 مليارات أي بنسبة 50 في المئة من الاقتصاد فيما توقعات صندوق النقد الدولي في العام 2018 تصل بالمديونية إلى 7 مليارات ونصف بما يمثل 61 في المئة من حجم الاقتصاد، والوضع خطير.
وزاد قوله: «نصرف على حساب الأجيال القادمة وندفع كلفة مالية فالوضع غير مريح بالنسبة للمديونية، وليس هناك اهتمام كاف من جانب السلطة التشريعية... أتوقع أنه في غضون أسابيع قليلة تتجه السلطة إلى مجلس النواب وتطلب زيادة سقف الدين العام إلى 6 أو 7 مليارات».
أما مداخلة رئيس جمعية الاجتماعيين البحرينية هدى المحمود فقد ركزت على إساءة استغلال الموارد، وقالت في بداية حديثها: «لا علاقة لي بالاقتصاد لكن واضح لمن لا يفهم حتى في الاقتصاد أن هناك خللًا خطيرًا، فليست هناك استثمارات حقيقية، فالمواطن العادي لا تهمه الأرقام لأن من يريد أن يكذب يمكنه استخدام الأرقام لتضليل الناس، معدل البطالة مثلًا، ونحن في القرن الواحد والعشرين البطالة نتعرض للاستغفال فيها، ففي الوقت الذي تقول فيه وزارة العمل أن النسبة هي 4 في المئة، نجد أن مؤسسة الخليج للاستثمار تضعه في نسبة 8 في المئة، ولذلك نتساءل... ما هي فرص العمل وما هو حجم الرواتب للداخلين الجدد إلى سوق العمل؟ وخصوصًا أن هناك اتجاها للتوظيف بعقود مؤقتة وهذه ظاهرة مقلقة، ثم ما هي القيمة المضافة لتحسين الاقتصاد والاستثمار؟».
وذكرت أن البحرين محدودة الموارد ومع ذلك تم اساءة استغلالها وتعرضت للهدر منذ عقود، واستدركت لتقول: «لا يجب أن نعلق هذا الهدر على السنتين الماضيتين كقميص عثمان للأزمة السياسية. الأزمة وسوء الاستغلال والهدر كان من السابق حيث تردي الاقتصاد والاستثمار بل خرجت استثمارات لدول الجوار وهناك ظاهرة الفساد، والحكومة تتجه للاقتراض لأنه ليس لديها بدائل أخرى. نحن كأي شركة فاسدة تصرف كل ما تجنيه على الرواتب».
وأوضحت أن البحرين (ليست بلدًا فقيرًا)، لكن هناك من شبهها بالطفل الطائش ضمن منظومة دول مجلس التعاون حيث غياب البعد الاستراتيجي في التخطيط، مؤكدةً أنه في بداية العهد الإصلاحي تمت المطالبة من المسئولين بإنشاء جهة معنية بالتخطيط كهيئة بدلًا عن وجود جهاز للتخطيط في كل وزارة يخطط لوحده، لكن حينها تم رفض الفكرة على اعتبار وجود جهات تخطيط وخبراء، لكنها استنكرت ذلك بالقول: «الدليل على وجود التخطيط والخبراء هو الحالة السيئة التي وصلنا إليها اليوم... نضرب بعرض الحائط كل النظريات التي تعلمناها... الدولة مسئولة عن مواطنيها والارتجال لا يقود إلى نتيجة. نحتاج إلى التخطيط».
وتطرقت إلى صورة من صور الاستنزاف بالإشارة إلى أن «الوزراء والنواب وأعضاء مجلس الشورى يشكلون نسبة عالية من المصاريف لكن ما هي انتاجيتهم؟ وما هي القيمة المضافة لهم ونحن نرى أخطاء بعض الوزارات لا تحتاج لرقابة لأن تجاوزاتها واضحة»، معبرةً عن أملها في أن «يتغير الوضع مع انتخابات العام الجاري 2014 وأن تشارك المعارضة الوطنية لكي لا يبقى الوضع الحالي (المطبطب على الفساد)، لأنه من المعيب علينا في بلد يعتبر من الرواد في التعليم والاقتصاد والتجارة أن يكون وضعه هكذا».
وعن المشاريع الإنشائية، تحدث رئيس الجمعية الأهلية للتعليم والتدريب سعيد العسبول عن هذا القطاع بقوله ان هناك الكثير من الاعتمادات للمشاريع لبعض المؤسسات، إلا أن الصرف الفعلي أحيانًا لا يتعدى الواحد في المئة وهذا يثير عدة تساؤلات عن فعالية الأداء للهياكل التنظيمية المعنية بهذا المشروع لهذه المؤسسات وغياب التخطيط الكافي المسبق بفترة ثلاث سنوات على الأقل، وبالتالي، يتم استلام المبلغ لكنه لا يصرف، وهذا له انعكاس على معدل النمو الرأسمالي، ثم هناك ملاحظة أخرى حيث ان هناك إشارة في الحساب الختامي لانخفاض الأصول في الموازنة، وهناك مشاريع رأسمالية قائمة كإنشاء الجسور والطرق والكهرباء وهذه كلها عليها صرف بحسب الأصول المحاسبية بين 5 و20 في المئة لكن ذلك غير مذكور. واختتم نائب رئيس الجمعية سيدشرف الموسوي المداخلات باتفاق الجميع على الصورة السوداوية في السنوات القادمة كما هو متوقع إلا إذا تحسنت الإيرادات بشكل أو بآخر، لكنه ذكر (قانون حق الوصول إلى المعلومات) باعتباره قانونًا يحمي المعنيين ويسهل الحصول على المعلومات من الجهات الرسمية بدلًا من (توسلها) منهم، ذاكرًا أنه في العام 2009 قامت الجمعية البحرينية للشفافية بتنظيم دورة بمشاركة عدد من النواب حول هذا القانون الذي بقي حبيس (أدراج) مجلس النواب مع أهميته لارتباطه باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
العدد 4144 - الجمعة 10 يناير 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1435هـ