طالب باحثون في مجال الطاقة بوضع برامج وخطط تنفيذية ذات كفاءة عالية في التطبيق على كافة الأصعدة «الصناعية والسكنية والتعليمية»، للقضاء على الفجوة المتزايدة في الطلب المتنامي على الطاقة ومواكبة خطط التنمية الحاصلة في السعودية، التي تزخر بعدد واسع من أنواع الطاقة المتجددة التي تتمثل في «الرياح، وحرارة باطن الأرض، والطاقة الحيوية، وحرارة مياه وأعماق البحار، وحركة أمواج البحر، والمد والجزر، والطاقة الشمسية»، باستثناء الطاقة الحيوية؛ لقلة الأراضي الزراعية.
وأكد الباحثون الذين تحدثوا مع صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، أن السعودية استفادت من الطاقات خلال الثلاثة عقود الماضية، مثل إضاءة عدد من الإنفاق في المناطق الجنوبية، وإنتاج الكهرباء في المناطق الشرقية والوسطى والجنوبية، وإنتاج مياه محلاة في المنطقة الغربية والوسطى، وهناك مناطق تكثر فيها طاقة باطن الأرض، مثل جبال السراوات بالمنطقة الغربية، والعيون الحارة بالأحساء، وطاقة الرياح مثل منطقة ظلم ومنطقة ينبع.
ويقول عبدالرحمن البدري، وهو باحث بمركز الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية: «مع تزايد عدد السكان في السعودية عملت البلاد على إيجاد بدائل أخرى للطاقة، مثل الطاقة الذرية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وغيرها من أنواع الطاقة البديلة»، لافتاً إلى إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة لتكون الجهة المسئولة عن وضع خطط واستراتيجيات مشاريع الطاقة البديلة خلال السنوات المقبلة، والتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في مجال الأبحاث العلمية في هذا المجال؛ لأهمية وجود بنية بحثية متكاملة تكون نواة لتطوير الخلايا الشمسية، وتصميمها بما يتوافق أولاً مع بيئة المملكة وموقعها الجغرافي، وأيضاً على حسب طبيعة كل منطقة من مناطقها.
وحول استخدامات الطاقة الشمسية وخلاياها في تحلية المياه، أكد البدري أن السعودية أولت الاهتمام الأكبر لعملية توطين التقنية في هذا المجال، متمثلاً في إقامة التعاونات البحثية مع الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية، وكانت باكورة هذا التواصل العلمي التعاون بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشركة آي بي إم الأميركية في العام 2009 لتطوير الخلايا الشمسية، وذلك لاستخدامها في تحلية المياه المالحة كجزء من مبادرة الملك عبدالله لتحلية المياه المالحة بالطاقة الشمسية، مضيفاً «في هذا الصدد شارك فريق بحثي من مدينة الملك عبدالعزيز في تطوير وتصنيع خلايا شمسية مصنعة من مادة السيليكون، وأيضاً من مادة زرنيخ الجاليوم، وذلك بهدف تقليل تكلفة إنتاج الطاقة لتكون منافسة للطاقة البترولية».
من جهته، أكد حسام خنكار، وهو عضو هيئة البحث في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، أن الطاقة الواردة من الشمس تعد من أهم أنواع الطاقة التي يجب استغلالها والاستفادة منها، وقال: «إن الطاقة الشمسية طاقة نظيفة لا تنتج عن استخدامها غازات أو نواتج ثانوية ضارة بالبيئة».
وأضاف أن فكرة استخدام الطاقة الشمسية لم تلقَ رواجاً حتى أواخر السبعينات، كونها مكلفة اقتصادياً، وكان الفكر السائد أنها لن تصلح للاستغلال كمصدر للطاقة على نطاق واسع، ولن تتعدى مرحلة التجارب العلمية المبتكرة، ودعم هذا الاعتقاد وفرة النفط فيها وسهولة إنتاجه، موضحاً أن السعودية استوعبت هذه الأهمية وبدأت تكثيف البحث العلمي، حيث أقامت أول مشاريعها في العام 1981 بعمل أول محطة تركيز شمسي في العالم، وهي من أكبر المحطات الموجودة في العالم، إضافة إلى إقامة مشروع لقرية الشمسية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وأنشئت في العيينية بالرياض، وفي العام 1984 جرى تنفيذ مشروع بحثي لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في ينبع، وغيرها من المشاريع.
وأكد خنكار أنه من الممكن خدمة القطاع الصناعي بإنشاء محطات للإنتاج الحراري تعمل بالطاقة الشمسية لسد حاجة تلك المصانع بالطاقة الحرارية المركزية.
أما في القطاع السكني فيقول خنكار: «بالإمكان استخدام أسطح المنازل التي قلما تستخدم، وذلك لزرع ألواح شمسية لإنتاج الكهرباء لتقليل استهلاك الكهرباء بالطريقة التقليدية، خصوصاً أن زيادة الطلب على أحمال التبريد في فترة الصيف تتناغم مع زيادة الإسقاط الشمسي، فضلاُ عن أن ظلال تلك الخلايا تقلل من التخزين الحراري للمبنى. أما في مجال التعليم فلا بدّ من إدراج مبدأ الترشيد بالطاقة والتعريف بأنواع الطاقات المتجددة، وإدخال المناهج الخاصة بالطاقة الشمسية والمتجددة في مناهج التعليم العام والتعليم العالي».
وعن أحدث ما وصلت إليه السعودية في مجال الطاقة، قال خنكار: «يجري تطبيق الطاقة الشمسية في كافة محطات التحلية بالسعودية، حيث توصّل فريق بحثي إلى تصميم مجمعات شمسية عالية التركيز تصل نسبة تركيز الشمس فيها إلى 1600 مرة وبأسعار منافسة عالمية، وبمواصفات سعودية ودولية، إضافة إلى تقديم كثير من الاختراعات في هذا المجال وعلى خلايا شمسية ثلاثية ذات كفاءة عالية، وهذه النسبة تعد الأعلى مقارنة بالمجمعات الشمسية عالية التركيز المصنعة تجارياً في العالم، ويمكن إنتاج 95 في المئة من مكونات المجمع الشمسي محلياً في برنامج توطين التقنية في الصناعة السعودية».
بدوره، عد أستاذ بحث الطاقة الشمسية في معهد بحوث الطاقة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عبدالرحمن العضيبي، الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة خطوة منطقية بالنسبة للدول التي تعتمد اقتصادياتها بشكل كبير على إنتاج وتصدير النفط والغاز، حيث سيسهم هذا الاستثمار في التحول من دول منتجة ومصدرة للنفط والغاز، إلى لاعب مهم في مجال الطاقة بشكل عام، مضيفاً أن عملية الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة «ستسهم في تنويع اقتصادنا وتنمية وتطوير رأس المال البشري اللازم لبناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة».
وقال العضيبي إن السعودية اتجهت إلى الاستثمار في مجالات الطاقات البديلة، ومنها مجال الطاقة الشمسية.
ويشير إلى أهمية الطاقة الشمسية، قائلاً إنها «من أهم مصادر الطاقة المتجددة النظيفة التي لا يخلف استخدامها أي آثار سلبية على البيئة الطبيعية للأرض، أو الصحة العامة للإنسان، ولها مردود إيجابي في تلبية احتياجات المجتمع من خدمات الطاقة وبأسعار زهيدة، إضافة إلى فتح مجالات كبيرة للشباب السعودي للانخراط في العمل بمشاريع الطاقة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية للبلاد».
وأضاف «يعد تنفيذ المبادرة الوطنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية على ثلاث مراحل في مدة زمنية تبلغ تسع سنوات، الجديد في مجال الطاقة الشمسية، حيث تهدف المرحلة الأولى إلى بناء محطة لتحلية المياه المالحة بطاقة إنتاج تبلغ 30 ألف متر مكعب يومياً لسد احتياجات مدينة الخفجي من مياه الشرب، وذلك من خلال بناء محطة لإنتاج الطاقة الشمسية بطاقة عشرة ميغاواط، وأغشية التناضح العكسي، وذلك في مدة ثلاث سنوات، حيث بدأ التنفيذ العملي لهذه المرحلة منذ فترة قريبة. أما المرحلة الثانية فتستهدف بناء محطة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية بطاقة إنتاج 300 ألف متر مكعب يومياً، يستغرق تنفيذها ثلاث سنوات، بينما سيجري خلال المرحلة الثالثة بناء عدة محطات لتحلية المياه المالحة بالطاقة الشمسية لكافة مناطق المملكة».
العدد 4143 - الخميس 09 يناير 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1435هـ