مع كل إطلالة لعام جديد تبدأ التساؤلات عما مضى وما هو آت، هل كان عامنا «الفارط» خيراً أم وبالاً؟ وهل اختلف عما سبقه؟
تساؤلاتٌ عادةً ما تكون إجاباتها ذاتية أكثر منها موضوعية، فتتأثر بتجاربنا الشخصية، أكثر من الوضع العام. بل إن موقفنا عادةً ما يتأثر بتجارب الشهور الأخيرة فقط. وعلى أثر ذلك قد يبدأ الإنسان التفكير والتأمل في المستقبل، فهل ستكون السنة القادمة أفضل من التي ولّت؟ وهي في كل الأحوال مرتبطةٌ بخشية الإنسان التقليدية من المجهول. ولذا، وهكذا وجدت إحدى الدراسات، فإن عبارات التمني بأن يكون العام الجديد كله خير تكاد تكون أكثر عبارات يتداولها البشر على مستوى العالم، والسبب واضح.
مستقبل العالم سواءً لسنتنا الجديدة أو على المستويين المتوسط والقصير، صار خارج السيطرة، ولم يعد التوقع فيه خاضعاً لمعايير الدراسات المستقبلية، التي تحوّلت إلى اجتهادات ظنية. فالظواهر الجديدة أسرع مما يمكن التعامل معه، وهي تتلون وتتغير كما الحرباء. كل الأشياء آخذة في التغير السريع جداً، والذي لا يمكن السيطرة على بداياته، وبالتالي عدم التحكم في نهاياته، إلا الفقر والفقراء والنازحين فهم في ازدياد مطرد، ومازال العالم الثري بغناه الفاحش غير قادر على تنفيذ الخطة الأممية لتقليص الفجوة بين البشر. فشل ما بعده فشل، وسقوط ما بعده سقوط.
أمامنا عالمٌ يتحرك باتجاهات غريبة، متناقضة أحياناً، متصادمة في أغلبها، فكيف بالإمكان أن ينتج عنه خير عام؟ خذ مثلاً تغير وتراجع حاد لمفهوم القوة في العلاقات الدولية، أو حتى في موازين القوى داخل كل دولة على حدة، فلم تعد القوة بمعناها التقليدي هي الحاكمة للعالم، بل تراجعت ودخلت في أطوار التحوّل، وحتى محاولة إعادة إنتاجها تتم خارج نطاق الهيمنة التقليدية.
مستقبل العالم الآن في مراحل التشكّل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والثقافية، وما قد نراه اليوم كمسلمات، قد لا نراه غداً، والأسئلة المطروحة اليوم أكثر من الإجابات المتاحة، وقد قيل «الأجوبة عمياء، وحدها الأسئلة هي التي ترى»، ولذا ربما نطرح في سلسلة قادمة أسئلة حول المستقبل استقيتها ورصدتها خلال رحلة طويلة في سبيل عالم أكثر مساواةً وأكثر عدلاً، عساها تفتح آفاقاً لعالم يقبلنا كما نحن، أعني كل البشر دون استثناء.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 4142 - الأربعاء 08 يناير 2014م الموافق 06 ربيع الاول 1435هـ