«حين رأيت الفرحة تغمر صدورهم يوم تكريمهم نسيت، وزملائي، عناء أشهر من الإعداد لهذه الفعاليّة...»، عبارة خصّني بها اختصاصيّ المواطنة وحقوق الإنسان المربّي الفاضل رضا المكّي، وهي قناعة أعتقد جازماً أنها خالجت صدور كل من ساهم في إنجاح الفعاليّة الحدث التي ختمت بها وزارة التربية والتعليم باقات أنشطتها وفعاليّاتها الطلابيّة، وأعني المسابقة الوطنيّة لتفعيل حقوق الطفل في الوسط المدرسيّ. فكيف انطلقت فكرة المسابقة وما أهميّتها في تعزيز قيم المواطنة؟

ببادرة مبتكرة من وحدة المواطنة وحقوق الإنسان بإدارة المناهج، أعدّ فريق من الاختصاصيين فكرة المسابقة الوطنيّة لتفعيل حقوق الطفل في الوسط المدرسي، وصمّموا مراحلها ووضعوا لها أهدافها؛ فقد سعت المسابقة بالأساس إلى جعل قانون الطفل البحرينيّ شائعاً متداولاً قريباً من الممارسة اليوميّة لحياة الطفل، وذلك من خلال التعبير عن بنود حقوق الطفل البحرينيّ في شكل مشاريع أعمال فنية بكتابة نصّ قصصيّ أو شعريّ أو إعداد رسوم أو تقديم أغان أو إلقاء أناشيد أو تقديم عمل مسرحيّ أو ابتكار مطويّات أو تحرير مقال أو غيره من الأنشطة الابتكارية.

وقد وجدت هذه المبادرة صدى لدى معهد البحرين للتنمية السياسيّة وإدارة الخدمات الطلابية بوزارة التربية والتعليم، ومن ثمّة وجدت المبادرة طريقها، بفضل هذين الشريكين، إلى المدارس بتوفير كل التسهيلات اللازمة والضروريّة.

وقد سعى المعدّون لهذه المسابقة إلى تبسيط المفاهيم الحقوقية الواردة في قانون الطفل عبر تحويلها إلى موضوعات قريبة من أذهان الأطفال، الذين تركت لهم حرية اختيار الموضوع وطريقة التعبير عنه، ومن هذه المواضيع: من أنا، وقايتي، غذائي، عائلتي ترعاني، مجتمعي يحتضنني، إعاقتي لا تعوقني، حفظ كرامتي واجب على الجميع...

ولعلّ مشاركة 272 متعلّماً من أطفال المدارس تعبّر عن الاستجابة القوية لهذه المبادرة، وتدلّ دلالة صريحة على وعي المجتمع المدرسيّ البحريني بأهميّة حقوق الإنسان والتربية على المواطنة كونها المحور الأهمّ في التنمية البشريّة وأحد أبرز الشروط لتحديث المجتمعات. كما تعكس هذه المشاركة الضخمة التفاعل الإيجابيّ للطفل البحرينيّ مع القانون رقم 37 لسنة 2012 المتعلّق بحقوق الطفل البحرينيّ، والذي جاء استجابةً لحاجيات الطفولة في المجتمع البحرينيّ وتفاعلاً مع المنظومات الحقوقية الدولية الحامية للأطفال.

هذه المبادرة النوعيّة تستحقّ الإشادة والتنويه بجهود كل القائمين عليها، بدءًا بإدارة المناهج وإدارة الخدمات الطلابية ومعهد البحرين للتنمية السياسية، مروراً بلجان التحكيم والمعلمين المنسقين المشرفين على إعداد الطلاب، وصولاً إلى أبطال هذه المسابقة ألا وهم أطفال مدارس مملكة البحرين في مراحلها الثلاث، وأخصّ بالذكر منهم الطلبة الفائزين والذين فاق عددهم الثمانين، فتحيّة إكبار لهم على جهودهم وابتكاراتهم، وتحية تقدير لهم على وعيهم ونضجهم.

ولئن مثلت هذه المسابقة الوطنية الناجحة مسك ختام أنشطة وزارة التربية والتعليم بتكريم الطلاب الفائزين بالمراكز الأولى يوم 30 ديسمبر/ كانون الأول 2013، فإنها تعتبر محاولةً جادةً لإشاعة ثقافة حقوق الطفل، ولبنة أولى لتحويلها من نصوص قانونية جافّة إلى ممارسة مدرسيّة يوميّة شائعة، ومن ثمّة تحفيز الأطفال على تجسيد هذه الحقوق على أرض الواقع حتى تجاوز الطابع النظري التلقيني الذي ساد طويلاً لدرس المواطنة، وتنتقل إلى خبرة حياتية يتفاعل معها وبها الطفل داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع، وهو التحدّي الأبرز لأي نظام تعليمي يسعى إلى إشاعة قيم العيش المشترك على أساس المواطنة.

إنّ تعليم المواطنة وحقوق الإنسان، بما فيها حقوق الطفل، يجب أن يتجاوز حدود قاعة الدرس، وأن لا يكون مجرّد تلقين لقائمة مطوّلة من المعلومات والأفكار من خلال مصفوفة من المفردات والأهداف لا تكاد تفارق الإطار الزمانيّ والمكانيّ لحصة الدرس ودفتر الطلاب، ليتمّ استحضارها واستعراضها في أوراق الامتحانات الصفيّة؛ وإنّما يجب أن تتحوّل إلى خبرات حياتية تساعد المتعلّم على مواجهة مواقف حياتية حقيقية. وهو ما يجعل المدرسة، إذْ هي تُقبِل على تبنّي مثل هذا التوجّه في تدريس المواطنة، تتحوّل من مجرّد مدرسة معلّمة للمواطنة إلى مدرسة معزّزة للمواطنة، بجعلها سلوكاً مدرسيّاً وخبرةً يوميّةً، فتكون المدرسة بذلك فضاء مُواطنيّاً للتدرّب اليوميّ على التعايش المواطنيّ ونشر ثقافة العيش المشترك.

وبما أنّ المواطنة وحقوق الإنسان ليست مجرد معلومات نظريّة، وإنّما هي خبرة تبدأ مع أولى خطوات الطفل في المدرسة، وكفايةً مفتاحيةً يلج بها عالم الحياة الاجتماعية، فإنّ المدرسة المعزّزة للمواطنة لا تكتفي بتدريس المواطنة كواحدة مثل غيرها من المواد الدراسية، وإنّما يقع التدريب على اكتساب خبرات المواطنة، بما هي سلوكٌ حياتيّ مواطنيّ، داخل الفضاء المدرسي كامل اليوم الدراسيّ بغاية تعزيز التعايش بين مختلف روّاد المدرسة، وتكريس علاقة المشاركة في الوطن المصغّر (المدرسة) تمهيداً للمشاركة الإيجابية على قاعدة الحقوق والواجبات في الوطن الموسّع.