إنني ممن يؤمنون بالتقدم ويجدونه قاب قوسين أو أدنى، ولست أشعر بالإحباط، إزاء هذه الحالة العصية التي نعيشها. ولنضرب بعض الأمثلة الدالة على ذلك، انظر إلى مستوى التعليم في المنطقة العربية بعد الأمية القاتلة عبر القرون الماضية، انظر لمستوى معيشة الإنسان الفقير البسيط تجده أكثر تقدماً من أمثاله منذ عقود قليلة مضت.
انظر لمستوى الرفاهية والتسهيلات في المواصلات وفي عالم الاتصالات، ومستوى الوعي الفكري الخاص بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية، بل الأكثر انظر للتوجه الوحدوي في الجزيرة العربية بعد أن عاشت قروناً في فكر وصراع وسياسة قبلية بعد أن وحدها الإسلام ثم تراجعت إلي حالة من القبلية بعد ذلك. بل انظر إلى طموحات دول مجلس التعاون نحو الاتحاد وهي طموحات علي مستوي الشعوب وعلى مستوى القيادات، وإن كانت ماتزال عصية على التحقيق نتيجة ضغوط محلية أو إقليمية أو دولية. ورغم كل ذلك فالحركة نحو التضامن والتنسيق قد تصل يوماً ما إلى حالة من الوحدة ربما على غرار الوحدة الأوروبية. فتجربة مجلس التعاون هي من أكثر التجارب العربية المعاصرة نجاحاً واستمرارية في منطقتنا رغم العديد من التحديات.
إن نقص العمل التراكمي أدى إلى تخلف العرب والمسلمين ومازالوا متخلفين، رغم مظاهر التقدم الذي لا يمكن إنكاره. إنني أوافق نادر كاظم في ضرورة إنقاذ الأمل، وإن كنت أفضّل تعبير «استعادة الأمل»، واتفق معه في أن الطريق طويل إلى الربيع العربي، وإن كان مصطلح الربيع المعاصر ليس عربياً، وإنما جاء إلينا على دبابات أميركية، وعلى ظهر فكر أميركي قامت بنشره مراكز الترويج للديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان الأميركية المسيّسة التي أخذت شباباً وسياسيين وبرلمانيين ومثقفين وناشطين سياسيين وحقوقيين من بلادنا ثم أعادتهم ليقوموا بدورهم التبشيري بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتظاهر غير المنضبط بالقواعد المعمول بها في الدول الغربية وبشكل وبأسلوب يعبر عن نظرية الفوضى الخلاقة وتدمير أوطاننا بالقوة الناعمة، بعد أن عجزت الدول الاستعمارية القديمة والجديدة عن التدمير بالقوة الصلبة.
وأنا أسوق هنا مثالين للدلالة على ذلك أولهما الانقسام الشديد بين ما يسمى بالقوى الثورية في مصر إلى فصائل متناحرة ومتنافسة، وثانيهما التمويل الأجنبي والاعتماد على الأجنبي بدلاً من بناء قواعد وطنية ذاتية وأصيلة تدفع بنا للتقدم مهما كان بطيئاً، بخلاف الحصول على التمويل الأجنبي لترويج فكرهم القادم على ظهر بارجة أو دبابة أو كمبيوتر أو لابتوب وتويتر وفيسبوك وغيرها من مبتكرات الحضارة الغربية بمزاياها ومثالبها.
لقد أصبحنا نرددها ونتصرف في إطار ونضيع الوقت الطويل باستخدامها، وتراجعت حال الثقافة لدينا إلى ثقافة الوجبات السريعة نتيجة هذه الحضارة الاتصالية الجديدة والتي أصبحنا نردد شعاراتها وننساق وراء أطروحاتها مغمضي الأعين، كمن ينساق إلى حتفه بظلفه. انظر ما يحدث في الثورة السورية، ينساق السوريون كالقطيع سواء وراء القوى المعارضة أو وراء النظام الاستبدادي لا فرق جوهري في الحالتين، القتلى سوريون، أطفال ونساء ورجال كهول وشباب، هل يتذكر هؤلاء قول الرسول الكريم «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار»، فتساءل أصحابه عرفنا القاتل فما بال المقتول؟ فرد الرسول الكريم «لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه»، في حين القوى الدولية والإقليمية من مختلف الاتجاهات والمشارب تعمل بصلابة ودأب ضد الجميع، وقد اتضح الخداع الدولي والإقليمي حيث تركوا الجميع ويتركونهم في العراء عند الضرورة حيث دمر الثوار ودمر السلاح الكيماوي لدى النظام السوري، ثم الأسوأ أن يسيطر على السوريين قوى ظلامية ممثلة بجبهة النصرة والقاعدة وأمثالها، كما سيطر الإخوان على مصر لفترة. وكما تسيطر حركة حماس التي تناضل من أجل فلسطين على حدود مصر، وتناضل بإرسال الإرهاب للعبث بأمن شعب مصر بدلاً من نضالها ضد إسرائيل المحتلة، وتهادن إسرائيل بسلام يحترمونه غاية الاحترام، ولا يتصالحون مع فتح ولا يتفقون مع بعضهما بعضاً، بل هما أكثر عداءً لبعضهما من عدائهما لإسرائيل.
لقد عاش الفلسطينيون وهماً كبيراً، بل كابوساً طويلاً كشعب، نتيجة قيادات غير ذات مصداقية، وربما عميلة بوعي أو بغير وعي، فطرحوا شعارات غير قابلة للتحقيق مثل قولهم تحرير القدس يمر عبر تحرير الدول العربية من الأنظمة القائمة، أو الانتصارات الوهمية لمجرد الصمود في معركة محدودة أو خطف جندي إسرائيلي يترتب عليه حصار شعب وتدمير ما بناه عبر سنوات، أو الجهاد باسم الإسلام وهو جهاد ضد بعضهم البعض، وضد دول الجوار، أو حتى من يستضيفونهم، فالفلسطينيون في سورية بعضهم يجاهد ضد النظام وبعضهم يجاهد مع النظام ضد الشعب السوري، ولا أحد يجاهد من أجل فلسطين سوى بالكلمات والشعارات المكررة بلا معنى ولا مضمون.
إن كتاب «إنقاذ الأمل» للباحث المتميز نادر كاظم يمثل إضافة فكرية، ويقرع أبواب الأمل بشدة وعلينا التمسك بهذا الأمل، فهو طريق النجاة، ولكن علينا العودة لأساسيات الفكر والعمل وهو الاعتماد على الذات، والتطلع للمستقبل، والعمل الجماعي، والتراكمي، وعدم تضييع الأولويات أو خلط الأوراق. ولعل هذا الكتاب هو من أكبر إنجازات نادر كاظم ومساهماته الفكرية مثل مؤلفاته السابقة، ولكنني أعتقد أنه أهمها حتى الآن.
ونختم هذه الملاحظات العابرة بأربع نقاط هي، الأولى: إن البحرين أنجبت أعظم مفكريها ممثلاً في محمد جابر الأنصاري بشجاعته في التحليل ونقده للذات العربية والمثقفين ولعبد الناصر والهزيمة، وأنا أعتقد أن نادر كاظم يسير على نفس المنهج النقدي وهو النقد البناء والتفاؤل في المستقبل.
الثانية: إنني ممن يعتقدون بأن المثقفين أكبر كوارث الحضارة العربية والإسلامية فقد امتدحوا الحكام وهجوهم وفقاً للعطاء الجزيل، وأطلقوا العنان لشعر الفخر والهجاء، كما اضطهدوا مخالفيهم وتاريخ الدولة العباسية وقبلها الأموية وما بعدها من دول أو دويلات خير شاهد على ذلك.
الثالثة: إنني من يرون أهمية المقولة «لأن تضئ شمعة أو تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام»، ولذلك لا أوافق على فكر كثير من المثقفين الذين يرون كل شئ مظلماً سوداوياً دون أن يقدّموا شيئاً إيجابياًً يدفع بالتطور نحو الأمام ولو خطوات.
والرابعة: تراجع الفكر اليساري والقومي وارتماؤه في حضن الفكر الديني الطائفي الإقصائي، والذي يخدم أعداء الإسلام بوعي أو بغير وعي. فالتطرف والرفض والكراهية هي أدوات الاستعمار في القرن الحادي والعشرين لتدمير الشعوب والحضارات وفي مقدمتها الإسلام كعقيدة وشريعة وأمة وشعوب.
ونختتم بالدعوة مع نادر كاظم: أيها المسلمون هل من كلمة سواء؟ أيها الوطنيون هل من كلمة سواء... من أجل إنقاذ الأمل وإنقاذ الشعوب.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 4139 - الأحد 05 يناير 2014م الموافق 03 ربيع الاول 1435هـ