العدد 4137 - الجمعة 03 يناير 2014م الموافق 01 ربيع الاول 1435هـ

«القبّار الأعرج» تتمرد على كلاسيكيات الرواية العربية

ضمن سلسلة الأعمال المستمرة للأديب البحريني عزيز الموسوي، جاءت رواية «القبّار الأعرج» الصادرة في 2012 عن دار «فراديس للنشر»، في حلة جديدة مرتدية ثوب التمرد على النمط الكلاسيكي للرواية العربية. قد يعتبرها البعضُ نوعاً من «أدب التمهن» بينما يضع الآخرون «التمرد» في تركيبها الروائي كنوع من «التجريب»، وهنا يختلف النقاد بالتأكيد حول تقبل هذا التمرد الأدبي. تجربة الموسوي هذه جديرة بالقراءة والتأمل؛ ففي أي من التراكيب الروائية اختلفت، وما أوجه «التجريب» فيها؟.

التركيب الروائي (structure): تُعرَّف الروايةُ عموماً بأنها سردٌ نثريُّ للأحداث يأخذ شكل قصة متسلسلة، تسير بها الأحداث متعاقبة ومرتبطة، وصولاً إلى العقدة ثم الحل التنازلي، أما في «القبَّار الأعرج» فإنّ الأحداث غير مترابطة حيث يمكنك أن تنقل أيّ فصلٍ (نوبة) من مكانه دون أن تمس التركيب بسوء!! فمثلاً يمكن لنا نقل «نوبة مداهمة» من مكانها ص 81 ونضعها في ص 66 حيث «نوبة تأنيث» ولن يضر ذلك بالرواية ولن يتيه القارئ تبعاً لذلك!

الحبكة (plot): يوجد في الأدب الروائي نوعان من الحبكة، فهناك «النمطية» وهو تصاعد الأحداث وصولاً إلى الذروة (climax) ثم التدرج في حلها، أو حبكة «مركبة»، أي أن تبدأ الأحداث بالعقدة ثم شرح الأسباب التي توصلنا إليها، وعند (الموسوي) فإن الأحداث غير متدرجة، ولا يمهد السابق فيها للاحق، فمثلاً تحدث الكاتب عن لقائه مريم، ص 34، ولم يعد إلى ذكرها إلا في ص 138!!

البطل (protagonist): إنّ العمل الروائي يكون فيه البطلُ هو الشخصية الأقوى والسائدة، وهو من يواجه الشخصيات الأخرى (antagonist)، وفي روايتنا الجميلة هذه كانت الشخصيات المضادة هي أطياف المجتمع بشرائحه كافة، ومنها أبو مريم، منى عارف، رجال المداهمات.

الهدف الروائي (theme): لا شك أنّ من أجمل مقومات «القبّار الأعرج» هو الهدف السامي الذي يركز على معاناة جانب من البشر يُنظر إليهم بالدونية على أساس تمييز وظيفي؛ وهنا تمكن الكاتب بجدارة من تسليط الضوء على معاناة موظف «حارس المدرسة»، وتقديم الوعظ والقيمة الإنسانية من خلال المضمون الروائي.

إنّ مكان الرواية يدور في داخل أروقة غرفة حارس المدرسة وقد تتخطاها إلى الحرم المدرسي وقد يحمل البطل أوزار وظيفته على كتفيه فيسير باتجاه الانحلال الخلقي في ممارساته الشخصية خارج نطاق وظيفته، أما الزمان فلا شك أنه يعكس أيامنا هذه بمرارتها وأحداثها من دون الحاجة إلى الدخول في تحديد الأزمنة.

رواية التمهُّن: إنّ الراوي أو من يسرد الأحداث ويكتبها بوسعه أن يعرض وجهة نظره الذاتية من خلال موضوع الرواية ذاتها، فيغور في التفاصيل حتى يصل إلى مآربه، وقد نجح الموسوي هنا وبدرجة كبيرة في تسليط الضوء على المعاناة الشخصية لحارس المدرسة وظيفيّاً واجتماعيّاً ونفسيّاً حتى أنك لتشم ريح الحارس من خلال حروف النص، ولذلك فقد أبدع الموسوي في اقتحام عالم ما يعرف بـ «رواية التمهُّن» أو السير الذاتية والتي تركز على حياة فرد ما في فترة محددة تعكس بها سلوكه الاجتماعي والأخلاقي.

اللغة: لقد تجمل الموسوي في روايته حين صبّ ذخيرته بأسلوب الحكمة والفلسفة في قالب لغوي راقٍ جدّاً، ولا شكّ أنه تمكن من جذب القارئ المتيم بجماليات اللغة إلى حظيرته الأدبية فغشيه من اليم ما غشيه، فأصبحت اللغة سهلة في ترادفاتها، غنية في معانيها متجملة برداء الحكماء والفلاسفة.

ختاماً، إنّ رواية «القبّار الأعرج» لعزيز الموسوي شابها بعضُ التجديد أو «التجريب» الذي ربما لم يكن مقصوداً بابتعادها عن النمطية الروائية الكلاسيكية وخاصة في تركيبها من حيث توالي الأحداث والتسلسل الزمني حتى لكأن القارئ يضعها في قالب المدونات واليوميات ولا يصنفها ضمن أدب الرواية، وعلى رغم أن العنوان كان تجاريّاً تسويقيّاً أكثر من كونه يعكس أهداف النص، فإن الرواية تُعد عملاً جميلاً زاخراً بلغة راقية وبأهداف انسانية وقيم حياتية استطاع المؤلف إن يصبها في قالب قصصي زاخر بالحب والحياة.

العدد 4137 - الجمعة 03 يناير 2014م الموافق 01 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً