العدد 4137 - الجمعة 03 يناير 2014م الموافق 01 ربيع الاول 1435هـ

وثيقة: نهاية بلغريف في البحرين - 2

ذكرنا في العدد السابق أن نهاية بلغريف في البحرين برزت خلال وثيقة استُقيت من سجلات البحرين في الأرشيف البريطاني، ومؤرخة بيوم (13 أبريل/ نيسان 1957) وصادرة عن مكتب مدير دائرة الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية، وأعلنت مغادرة بلغريف للبحرين في 17 أبريل من العام نفسه بسبب إصابته «بورم في المثانة» ما اضطره إلى السفر للعلاج في بريطانيا.

لكن المفاجأة التي وضعت المراسلات التي صدرت عن المقيمية قبيل هذا التاريخ وبعده أمام تساؤل مشروع عن مدى علم السلطات البريطانية في البحرين والخليج بما كان بلغريف يخطط له بشأن منصبه؛ هي في تلك الرسالة المدونة بتاريخ (13 أغسطس/ آب 1956).

هذه الرسالة هي وثيقة هذا الأسبوع التي ستدحض كل ما قيل عن سفر المستشار السابق (بلغريف) المفاجئ إلى خارج البحرين، وأنه ترك حكومة البحرين في حيرة، ولا يعلمون إن كان سيعود أم لا من سفره للعلاج في بريطانيا، أو أنه لم يذكر أي شيء عن احتمال عودته، وأن مدير دائرة الشرق الأوسط بدائرة الخارجية البريطانية في لندن يشك في احتمال عودة المستشار.

بعد قراءة محتوى الوثيقة سنكتشف كل الحكاية... فهي صدرت بعنوان: «Office Order» في يوم (13 أغسطس 1956)، وتحت رقم 22-2773، من مستشارية البحرين، وتقول:

« طلب من المكتب تقدم المستشار من الحاكم (حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد) بطلب لقبول استقالته من الحكومة. وقد وافق الحاكم عليها بعد تردد شديد. وسيقوم المستشار بتسليم كل صلاحيات وظيفته في الربع الأول من السنة القادمة، حالما تصبح الترتيبات الجديدة المُعلن عنها في 9 يونيو/ حزيران لعام 1956 أمراً واقعاً، ومن ثم سيُمنح إجازته السنوية قبل التقاعد تشارلز دالريمبل بلغريف مستشار حكومة البحرين».

إذن يتضح من هذه الوثيقة أن المستشار كان قد تقدم بطلب الاستقالة من منصبه، لأول مرة، في حكومة البحرين التي أنشأها منذ ثلاثين عاماً، في (13 أغسطس 1956). وسواء أكان ذلك نتيجة لما تعرض له من ضغوط الشارع، أم من الدوائر البريطانية في دار المقيمية الانجليزية في الخليج تحديداً؛ إلا أن الرجل بنفسه استشعر أن هناك من يسعى إلى التضحية به إرضاءً لمطالب الشعب البحريني ممثلاً بهيئته، ولتبدو بريطانيا أنها مع حق الشعب في تقرير مصيره، وأن المستشار العتيق هو السبب في عدم حصول الشعب على ذلك الحق. وهذا ما نستشفه مما كتبه بلغريف في يومياته بتاريخ (10 مايو/ أيار1956)، أي قبل تقديم الاستقالة المذكورة بنحو ثلاثة أشهر. قائلاً: «الأجزاء مشحونة والتوتر يخيم على الجميع، إنه شعور بغيض ومرهق، وخاصة أن الأنظار جميعها تتجه إلي... سأكون مسروراً لو غادرت البحرين وتركت كل هذه الأمور خلفي، والغريب أن دائرة الخارجية البريطانية تعتقد أني أنا المشكلة، لا شك أنهم أنانيون».

كما يتضح أيضاً، أن المستشار تم قبول استقالته فعلاً بعد تردد شديد، بإشارة الوثيقة، من قبل حاكم البحرين آنذاك، وفي ذلك التاريخ، فما مبرر رسالة مايو 1957 الصادرة عن دار المقيمية البريطانية إذن التي تدعي أن بلغريف ترك حكومة البحرين ولا يعلمون بأنه سيعود أم لا!، والمقيمية تعلم بأنه لن يواصل عمله بعد الربع الأول من العام 1957 كما ذكرت وثيقة الاستقالة الصادرة عن مكتب المستشارية في (13 أغسطس 1956)!؟، وما معني الإعلان الآخر أيضاً الصادر بعد عام تماماً وفي (13 ابريل 1957)، بأن المستشار وبسبب إصابته بورم في المثانة فقد تقرر أن يغادر البحرين، وما أهمية إصابته من عدمها في مجريات الأحداث وهو قد ترك المنصب اعتبارا من مارس/ آذار 1957 على أكثر تقدير بناءً على الوثيقة المذكورة! ولماذا تذكر رسالة المقيمية الصادرة في (24 مايو 1957) أن ابن بلغريف (جيمس) يذكر أن أباه سيعود، لكن المستشار نفسه لا يذكر شيئاً من ذلك، ثم هل كان سيعود إلى منصبه في المستشارية، والذي استقال منه واقعاً وقُبل ذلك، أم سيعود إلى أمر آخر! والغريب في أمر تلك الوثائق المتناقضة في أحداثها أن دار المقيمية في البحرين تقول: إن «المطلوب منه (أي بلغريف) أن يقرر إذا ما كان سيعود أم لا».

كل هذه الأسئلة والإشكالات في الواقع تزيد من غموض حكاية نهاية عهد المستشار (بلغريف) في البحرين بسبب أحدث الخمسينات التي قصمت ظهر البعير، ويزيدها غموضاً أكثر أن بلغريف نفسه في وثيقة رابعة، سنعرض لها يوماً، وكُتبت بتاريخ (19 مارس 1957)، يتهم فيها المقيم السياسي البريطاني في البحرين بوقوفه في بداية الأحداث مع الهيئة وضد الحكومة، وبررت المقيمية ذلك العمل بأنها لو وقفت ضد الهيئة لأدى ذلك إلى خسارتها العناصر المعتدلة في صفوفها!

ومن هنا يبقي السؤال الأخير بلا إجابة واضحة أيضاً، فإذا كان بلغريف استقال قبل اعتقال أعضاء هيئة الاتحاد في 13 أغسطس، والهيئة قبض على أفرادها فجراً في (5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956)، فمن ذا الذي أمر بالقضاء على حركة الخمسينات الوطنية في البحرين، أهو المستشار بلغريف حقّاً، أم دار المقيمية البريطانية في الخليج، أم طرف ثالث!، أم كل هذه الأطراف مجتمعة؟

العدد 4137 - الجمعة 03 يناير 2014م الموافق 01 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً