العدد 4136 - الخميس 02 يناير 2014م الموافق 29 صفر 1435هـ

كيف تفقد سلاحفك... وكيف تستردها؟

الإسكندرية - رجب سعد السيد 

02 يناير 2014

حدث في أواخر الصيف المنقضي أن جماعة من السيدات المصطافات اللاتي يحلو لهن النزول إلى البحر في الصباح الباكر، قبل أن يزدحم الشاطئ القريب من منطقـة «العجمي»، غرب الإسكندرية، شاهدن كائنات غريبة تزحف على الرمال باتجـاه الماء. فتصايحن، وتجمعن، لينهلن عليها ضرباً وتقتيلاً، وهن يحسبنها نوعاً غير مألوف من الصراصير! ولم يكن ما شاهدنه إلاّ سلاحف وليدة، فقست حالاً، وانطلقت من عش بيض صنعته سلحفاة أم استبدّ بها الحنين إلى مسقط رأسها، فعادت إليه ووضعت ـ على عجل ـ بيضها في عـش وحيد، وعادت إلى البحر وهي لا تدري أن صغارها ستدفع ثمن حنينها غالياً.

لقد تكفلت أنشطة «تعمير» تلك المنطقة من الساحل المتوسطي بتغيير ملامح الشريط الرملي، الذي تأتي إليه إناث السلاحف لتضع بيضها في أعشاش تحفرها فيه. غزت القرى السياحية ذلك الساحل، وغرست أعمدتها الخرسانية في الموطن الذي اعتادت السلاحف أن تصنع فيه الأعشاش منذ الأزل. فكانت النتيجة أن هجرت السلاحف المنطقة.

ولا تواجه السلاحف ضغوط جور النشاط العمراني ونقص الوعي بمشكلتها فحسب، إذ تضاف إلى ذلك عمليات الصيد العرضية التي توقع بتجمعات السلاحف البحرية خسائر فادحة، وسرقة البيض قبل أن يفقس في أعشاشه الرملية الشاطئية.

العام 1995، تهيّأ لنا في الفترة من منتصف شهر تموز (يوليو) إلى نهايته أن نشارك في دورة تدريبية لصون السلاحف البحرية المتوسطية عقدت في جنوب تركيا. وأتاح لنا ذلك أن نطّلع على التجربة التركية في «استرداد» سلاحفها البحرية، التي كان قسم كبير منها هجر الشواطئ التركية. فاتخذت الإدارات هناك عدة إجراءات أعادت السلاحف إلى شواطئ تركيا. لقد تبنّت تلك الإدارات ـ على سبيل المثال ـ برنامجاً أطلقت عليه اسم Double T: Tourism & Turtles أو ـ بالعربية ـ «2 س»: السين الأولى هي للسياحة، أحد الأنشطة البشرية المهمة التي يعتمد عليها الاقتصاد التركي، والسين الثانية للسلاحف. ولا يضحِّي البرنامج بواحدة من أجل الأخرى، وإنما يأخذهما معاً في الاعتبار، فيخصص جانباً من اليوم لكل من السينين. فالنهار للسياحة، حيث تتوافر على الشواطئ رمال نظيفة، مع تخصيص أماكن مزوّدة بالمظلات لكي لا تتعرض أعشاش البيض للتدمير إن قام المصطافون بغرس مظلاتهم الشاطئية على هواهم، مع وعي جماهيري كبير حريص على عدم التعرض للأعشاش. أمّا الليل فهو للسلاحف، خالصاً، حيث تتحول المناطق الشاطئية المعروفة بتردد السلاحف عليها إلى محمية، لا تقترب منها أي مركبات تصدر أصواتاً، ولا ضوضاء من أي مصدر، ولا أضواء. فهذه كلها مصادر إفزاع للسلاحف، تجعلها تجفل، فتغير اتجاهها وتزحف مسرعة إلى المياه، حيث تلقي بيضها، مهدرةً إياه، بعد أن فقدت فرصة دفنه في أعشاش الرمل. وبالإضافة إلى ذلك، حظرت الحكومة التركية أعمال البناء في مناطق تعشيش السلاحف.

العدد 4136 - الخميس 02 يناير 2014م الموافق 29 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً