العدد 4136 - الخميس 02 يناير 2014م الموافق 29 صفر 1435هـ

هل نهتم بما فيه الكفاية بالعنف الجنسي؟

كانت «نومسا» البالغة من العمر 20 عاماً في طريقها للتسجيل في جامعة خارج بريتوريا بجنوب أفريقيا برفقة أربع من صديقاتها عندما قام رجال باختطافها. وعن تلك الحادثة قالت «لقد حاولت مقاومتهم». لكن الرجال قاموا بسحبها إلى بناية وتناوب خمسة منهم على اغتصابها، بينما هربت صديقاتها ولم يعدن للبحث عنها. وبعدها قام الرجال بأخذ الهاتف النقال الخاص بها.

عادت «نومسا» بعد ذلك إلى منزلها الذي يبعد أكثر من 500 كيلومتر عن إقليم كوازولو ناتال. وقالت الطالبة أنها بعد أيام قامت بالاتصال برقمها وقام أحد الرجال بالرد على الهاتف.

وعند سؤالها حول ما إذا عرفت الشرطة أجابت: «نعم، وما يزال بإمكان الشرطة القبض على الرجال»، ولكنها لم تعرف بمن تتصل. فقامت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بمخاطبة رئيس وحدة العنف الأسري وحماية الأطفال والجرائم الجنسية في شرطة جنوب أفريقيا، وقام مسئول منزعج بالاتصال بعدها بأسبوعين ليسأل لماذا قامت الشبكة) بالشكوى وقام بتسجيل رقم هاتف نومسا المسروق.

وبعد بضعة أشهر، كانت «نومسا» في جوهانسبرج تزور عمتها التي كانت تحاول مساعدتها. ولم ينتج عن دليل الهاتف أي شيء ولم تقم الشرطة بالاتصال بها مرة أخرى ولم تحصل الفتاة على أي استشارة. وعلى حد علمها لا يزال الرجال طلقاء.

وقد حدثت محنة «نومسا» بعد أسابيع فقط من الاغتصاب الجماعي البشع لطالبة العلاج الطبيعي في العاصمة الهندية دلهي في ديسمبر / كانون الأول 2012 والذي انتهى بموتها بسبب أصابتها بالحادث. وقد عبر آلاف الهنود عن غضبهم بالخروج إلى الشوارع لأسابيع وهو ما تصدر العنوانين الرئيسية في جميع أنحاء العالم.

أما خبر اغتصاب «نومسا» فحصل على فقرات قليلة في وسائل الإعلام المطبوعة. كما أنها واجهت عدم اكتراث ولا مبالاة من صديقاتها ومن الشرطة ومن وسائل الإعلام ولم يهتم أحد فعلاً بما حدث لها.

ما الذي يحدد نوع الاستجابة؟

وتبقى الأسباب التي تجعل بعض الحالات تستدعي استجابات قوية بينما لا تحصل حالات أخرى سوى على اللامبالاة محل تكهنات وتحليل. فقد أوردت وسائل الإعلام الهندية تقارير عن العشرات من حالات الاغتصاب كل أسبوع منذ حادثة دلهي، لكن لم تثير جميع الحوادث نفس الشعور بالغضب. وربما يعود سبب التعاطف مع طالبة العلاج الطبيعي إلى أن غالبية المحتجين كانوا من الطبقة المتوسطة الحضرية والعديد منهم من النساء، ولذلك استطاعوا أن يشعروا بنفس شعور الضحية. وقالت الناشطة الهندية اس اس سميثا أن «عدم الاكتراث يشل الرغبة في العمل».

وقد توصلت الدراسات الاجتماعية والنفسية إلى تفسيرات عديدة لهذه اللامبالاة. فقد أظهر «تأثير المتفرج» الذي شرحه جون دارلي وبيب لاتاني في عام 1968 أنه كلما زاد عدد المتفرجين والمارة في موقف طارئ قل احتمال أن يقوم أي منهم بالمساعدة. فالمساعدة تحدث فقط عندما يتعاطف المارة مع الضحية.

وربما يكون أفراد قوة الشرطة غير مكترثين بسبب التحيز الشخصي- الذي لا يختلف عادة عن المجتمع ككل- وغالباً ما يلوم الضحايا لكونهم في المكان «الخطأ» في الوقت «الخطأ» وبالتالي تعريض أنفسهم للخطر. وإذا كان الضحية طفل رضيع، فيتم إلقاء اللوم عندها على الوالدين.

وغالباً ما يشعر الناس بأنهم أقل تأهيلاً من غيرهم وأن الآخرين في وضع أفضل لتقديم المساعدة أو أن تقديمهم للمساعدة قد يورطهم بعد ذلك في إجراءات قانونية تستغرق وقتاً طويلاً.

وقالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع زينب بانغورا، أن المرء لا يحتاج إلى امتلاك مهارات مثالية لتقديم الرعاية، مضيفة أن «الواقع هو أنه في أوقات الحاجة يكون المجتمع دائماً أول من يستجيب - فالجيران يساعدون جيرانهم والعائلات تساعد غيرها من العائلات». والناس بحاجة إلى معرفة ذلك.

أهمية المجتمعات

قرر جيران وكذلك زوجة أحد الجناة الذين قاموا بالاغتصاب الجماعي في الهند قطع علاقاتهم بهذا الرجل حيث قالت زوجته آشا لأحد الصحف أنه لا بد من شنق زوجها بسبب الجرم الذي اقترفه. وقد مات هذا المتهم أثناء وجوده في الحجز.

وقام سكان سويتو- التي تضم واحداً من أعلى معدلات العنف الجنسي في جنوب أفريقيا- الذين غالباً ما يكونون هم أنفسهم ضحايا، بالتواصل مع الأشخاص الذين تم الاعتداء عليهم واستضافة الأطفال في بيوتهم بعد المدرسة للحفاظ على سلامتهم. وتعد هذه مبادرات بسيطة قام بها أفراد عاديون غير مدربين.

وإحدى هؤلاء الأشخاص جوان أدمز التي أحدثت فرقاً على مدار 14 عاماً في حياة الأشخاص المعتدى عليهم في منطقة كليبتاون في سويتو وتأمل في الحصول قريباً على تدريب كمستشارة.

وتتساءل ليزيل فالو، التي بدأت مركز مكافحة المخدرات والمشروبات الكحولية في جنوب أفريقيا بتمويل من مجتمع كليبتاون الفقير قائلة: «عندما نرى أي طفل يقوم بأي شيء خاطئ (الإساءة إلى أطفال آخرين أو نساء أو لا يحترم الغير) لماذا لا نوقف هذا الطفل ونقوم بتصويب سلوكه؟ لقد كان الكبار يقومون بذلك عندما كنا صغاراً».

كما ينبغي أن يكون التركيز على جعل البيئة أكثر أمناً بالنسبة للفئات الضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن يكون العمل المجتمعي متحرراً - فلا ينبغي أن يضيق الخناق على حرية الحركة أو التعبير للفئات الضعيفة، ولا يجب أن يكون رجعياً كإجبار النساء على ارتداء نوع معين من الملابس.

وهناك العديد من المواقف النسائية المتعلقة بالملابس تتراوح بين عدم ارتداء أي شيء على الإطلاق إلى تمكين النساء من ارتداء النقاب، علاوة على التفضيلات الشخصية والاعتبارات الاجتماعية.

وقالت مونيك ويلسون، وهي ممثلة مخضرمة وناشطة في مجال حقوق المرأة من الفلبين ومشاركة في حركة «في داي» (V-Day) -وهي حركة بدأتها الكاتبة المسرحية والناشطة إيف إنسلر- ومؤلفة Vagina Monologues في عام 1998 أنه من العبثي أن تطلب من النساء - ضحايا الهجمات- أن يغيرن مظهرهن لمواجهة العنف الجنسي بدلاً من استهداف سلوك الجاني.

نحتاج إلى رؤية جديدة

ينبغي توظيف الثقافة والدين والتقاليد لدفع السلوكيات الإيجابية وليس لتبرير العنف بدورها، قالت نائبة المدير التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة وهي أحدث وكالات الأمم المتحدة لاكشمي بوري: «نحتاج إلى تحويل اللامبالاة العامة تجاه العنف ضد النساء إلى تعاطف عام لحقوق المرأة. ينبغي توظيف الثقافة والدين والتقاليد لدفع السلوكيات الإيجابية وليس لتبرير العنف».

وأضافت أنه «لتحقيق ذلك، من المهم إنشاء حركة تدرك وتلتزم بتغيير المواقف والمعتقدات وطرق التفكير... ونحتاج أيضاً إلى قوانين ومؤسسات وقوات أمن لتقديم خدمات الوقاية والحماية والاستجابة».

والنهج المتعدد القطاعات لن يعالج اللامبالاة فحسب ولكنه سيعالج أسبابها أيضاً. وقالت الخبيرة في العنف الجنسي ليزا فيتين أن «السلوك يتأثر بمجموعة من العوامل... فأنت بحاجة إلى أن تأخذ بعين الاعتبار معايير السلوك الاجتماعي بين الجنسين وكيف تظهر عدم المساواة بين الجنسين، وينبغي أيضاً أن تأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية المنتجة للعنف (مثل ارتفاع مستويات عدم المساواة في الدخل) جنباً إلى جنب مع معايير السلوك الاجتماعي الخاصة باستخدام وقبول العنف بصفة عامة وتوفر ما يمكن اعتباره عوامل الإثارة مثل الأسلحة والمشروبات الكحولية والمخدرات».

وقالت «قد يكون العنف ظاهرة عالمية ولكنه دائماً ما يتأثر بالسياق الاجتماعي الثقافي وهذا هو السبب في رؤيتك للتباين في الإحصاءات في مختلف البلدان».

العدد 4136 - الخميس 02 يناير 2014م الموافق 29 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً