«حيث أن تحقيقات الحادث بدأت ببلاغ من رئيس مجلس الأمة إلى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بتاريخ 17/11/2011، يفيد أنه مساء يوم الأربعاء 16/11/2011، اقتحم بعض الأشخاص مبنى مجلس الأمة بالقوة، وما صاحب ذلك من تخريب وإتلاف بعض محتويات المبنى بما فيه قاعة الاجتماعات الرئيسة، ويعد هذا العمل تعدياً على الأموال العامة والمرافق العامة».
هذا هو النص الأصل لشكوى حادثة اقتحام مجلس الأمة الكويتي. فالحادثة إذاً بدأت داخل مجلس الأمة بشكل سلبي... واختتمت ببلاغ قُدّم خارجه انتهى بشكل إيجابي بعد سنتين تقريباً، فكيف حكم القضاء الكويتي فيها؟ وما هي أسباب هذا الحكم؟
لابد من التذكير هنا بقول الخليفة عمر بن عبدالعزيز «إذا كان في القاضي خمس خصال فقد كمُل: علم بما كان قبله، ونزاهة عن الطمع، وحلم على الخصم، واقتداء بالأئمة، ومشاركة أهل العلم والرأي». وانطلاقاً من قول الرسول الأعظم (ص): «ادرأوا الحدود بالشبهات»؛ صدر الحكم القضائي عن محكمة الجنايات الكويتية مؤخراً ببراءة مقتحمي مجلس الأمة الكويتي من تهمة دخول مبنى مجلس الأمة عنوةً وتخريبه، وهم 70 مواطناً بينهم 9 نواب سابقين.
ومهما اختلفنا أو اتفقنا مع الذين قاموا بالاقتحام كما ذُكر في الشكوى، فشكراً للقضاء الكويتي حين برّأ نفسه قبل غيره من أية تهمةٍ بالتلاعب بالقضاء في حكمه الذي أصدره بالبراءة في هذه القضية. شكراً لمحكمة ولقضاة لم يخضعوا للرأي الذي ألب ضد المتهمين أو الذي دافع عن المتهمين بشراسة.
شكراً لأنها، ليست كغيرها مسيّسةً وموّجهةً عنوة، فاستندت في حكمها إلى عدم الاطمئنان. وأن هناك شبهات وتشكيكاً حول ما قدمه جهاز أمن الدولة الكويتي من «فيديوهات وسيديات». وكذلك لتضارب أقوال الشهود وتعارضها مع أقوال ضابط المباحث في التحقيقات والنيابة، معتبرةً تحريات الضابط لا تعتبر حجةً ودليلاً، والمحكمة تقيم صحته أو عدم صحته، وتعتبر أقوال الضابط تحتمل الصدق والكذب! إضافةً إلى انتفاء القصد الجنائي لدى المتهمين، حيث أن الدليل مفتقر في الأوراق على أن دخول المتهمين لمجلس الأمة كان مقروناً بأي غرض غير مشروع!
شكراً للقضاء الكويتي في آخر يومٍ من أيام عامٍ ميلادي مُثقلٍ بهضم الحقوق والتلاعب بمصائر الناس، فقد طالعت محكمته محضر المعاينة الذي أجرته النيابة العامة وتقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية لمبنى مجلس الأمة، ولأنه ليس كغيره، فرأت المحكمة بثاقب بصيرتها أن اعوجاج (لسان القفل) في مجرد باب قاعة اجتماعات، وهو شيء بسيط، لا يعتبر جرماً مقارنةً مع عدد المتهمين الكبير ممن ذٌكروا في تهمة دخول المبنى.
شكراً للقضاء الكويتي، لأن محكمته نظرت للتبرير وحسن النية وعدم تطويع القوانين ضد المواطن بأي شكل كان، بل لجأت إلى عدم التسرع وعدم التفسير المضلِل للقوانين بحسب الأمزجة وسوء النية المسبق ضد المتهمين. فقالت المحكمة بعد قراءة محضر المعاينة: «إن المتهمين وجدوا في باحة المجلس بعد خروجهم من قاعة عبدالله السالم يردّدون الهتافات، فمردود عليه، إن توقف المتهمين لبرهة يسيرة في باحة المجلس حال خروجهم ليس هو ما عناه المشرع بالتجمع بغير ترخيص المنصوص عليه في المادة 3/16 من المرسوم بالقانون رقم 979/65 في شأن التجمعات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مبنى المجلس النيابي له حرمة فلا يجوز نشر المصادر والمرشدين السريين فيه تحت أية ذريعة، والقول خلاف ذلك يؤدي إلى ضرر خطير في المجتمع! نقطة ومن أول السطر رجاءً.
(وترتيباً على ما تقدّم وهدياً به، فإن هذه التهمة غير ثابتة، فدخول المتهمين مجلس الأمة هو أمر واقع، حصل منهم ومن غيرهم في مساء يوم الواقعة).
شكراً للقضاء الكويتي لأنه ختم محاكمته بنثر هذه الدرر الحكيمة حقاً، والتي تعطينا دروساً لنتعلم منها أمراً جليلاً، قال: «وحيث أن الكويت فتحت كل الأبواب لإبداء الآراء على كافة الأصعدة لمواطنيها وكذا الموجودين على أرضها، وهذه الحرية شاملة لم تستثن أحداً فلا تمثل ترفاً، وليست محصورةً على أحد، بل هي أسلوب منهج تأصل في نفوس الناس عبر درب من الممارسات والتجارب، فكل مواطن له رأي مصون مادام في دائرة إبداء الرأي، وقد يكون لهذا الرأي مؤيدون يدافعون عنه، والرفق بأصحابها واجب! طالما لم يحمل أصحابها اعتقاداً منحرفاً أو فيه فتنة للبلاد والعباد. والمحكمة ترى أن ما حصل من تجمهر عقب الندوة لا ينطوي على الدليل المثبت لتوافر القصد الجنائي لدى المتهمين».
وأجمل ما قاله أحد المحامين الكويتيين في هذا الحكم: «حينما أخذ القضاء على عاتقه إصدار الحكم استناداً إلى توافر القصد الجنائي من عدمه بغض النظر عن صيحات البعض، إنّما ذلك من باب الذوق القضائي والذي لابد أن يقارن بين اعتبارين، حيث أن الاعتبار الأول يكمن في معاقبة المتهمين وعدم كفاية الأدلة الموجهة ضدهم، وأما الاعتبار الثاني هو أن الحكم جاء لإصلاح ما يمكن إصلاحه من خلاف سياسي بوجهات بين فريقين يمثلون الجسد الواحد للبلاد، ولم يشأ الحكم تدمير العلاقة بين الطرفين، ما يعتبر نوعاً من الكياسة القضائية، وتغليب الاعتبار الأهم حيث أن أحكام المحاكم من الممكن أن تساهم في استتباب الأمن وتقريب وجهات النظر».
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4133 - الإثنين 30 ديسمبر 2013م الموافق 26 صفر 1435هـ
محاكم اخر زمن
اصبحنا نشك في انفسنا بعد صدور احكام من المحاكم المحلية والاقليمية والاجنبية أولها تبرأت الصافع بعالي وتبرأت قتلة علي صقر والعشيري والمؤمن وعيسى عبدالحسن وغيرهم من الشهداء وتبرأت مباوك وابنيه وتوقف محاكمة مفسدي البا أصبحنا نقول قد يكون المجني عليهم هم ممن قام بارتكاب هذه الجرائم
عدم التعسف في صدور الأحكام بصورة انتقامية
، حيث أن الاعتبار الأول يكمن في معاقبة المتهمين وعدم كفاية الأدلة الموجهة ضدهم، وأما الاعتبار الثاني هو أن الحكم جاء لإصلاح ما يمكن إصلاحه من خلاف سياسي بوجهات بين فريقين يمثلون الجسد الواحد للبلاد، ولم يشأ الحكم تدمير العلاقة بين الطرفين
محمد عبدالله بوقيس
" ... اقتحم بعض الأشخاص مبنى مجلس الأمة بالقوة، وما صاحب ذلك من تخريب وإتلاف بعض محتويات المبنى بما فيه قاعة الاجتماعات الرئيسة، ويعد هذا العمل تعدياً على الأموال العامة والمرافق العامة " ... إذا حدث بالفعل ما جاء في هذه الفقرة ... لا تشكر القضاء الكويتي على عدم تطبيق القانون الذي عليه الالتزام به ... إني أرى أن المراد من البراءة هو الاستخفاف الصريح بالقانون ...
نغزه
والمعنى في قلب الشاعر