الذين استكثروا على الشعب العربي تعبير «الربيع العربي» وفرحته بذلك، هاهو اليوم يتفتح عالمياً، فمن تايلند إلى تركيا إلى أوكرانيا، تنهض الجماهير لتصحيح أوضاع مختلة.
بالطبع تتباين الدوافع والقوى والمطالب، لكن هناك قاسماً مشتركاً وهو الفساد، أو الاستبداد باسم الديمقراطية. ففي تايلند سئم الناس من حكم الظل ينغلوك شيناواترا، لأخيها تاكسين شيناواترا المقيم في دبي والذي أطاح به الجيش في 2006، بعد تفاقم الاضطرابات نتيجة الفساد المستشري في عهده واحتكاره هو وعائلته لشركات كبرى. تايلند منقسمة حالياً بين أصحاب القمصان الحمر من مؤيدي شيناواترا والقمصان الصفر من مؤيدي المعارضة بالحزب الديمقراطي، والذين يصرون على استقالتها وتشكيل مجلس وطني وحكومة وطنية انتقالية، رغم إعلان شيناوترا إجراء انتخابات في فبراير/ شباط المقبل. أما الجيش فهو الذي تدخل مراراً في الحياة السياسية فإنه على الحياد حتى الآن.
في تركيا يواجه أردوغان أخطر تحدٍّ في حياته السياسية منذ وصول حزبه (العدالة والتنمية) إلى الحكم في 2003 بموجب برنامج يصالح تركيا مع تاريخها وجيرانها غير الأوروبيين، بعد أن غرّبتهم الكمالية لعقود طويلة، وتصفير المشاكل مع الجيران والاندماج في المحيط الإسلامي، بنظام علماني منفتح على الإسلام المعتدل. وقد حقق أردوغان نجاحات كبيرة أضحت بموجبها تركيا لاعباً رئيسياً في المنطقة، كما حققت نجاحات اقتصادية، ما عزّز فرصها للإنضمام للاتحاد الأوروبي. لكن أردوغان وحزبه كانا يحملان النقيض في داخلهما، فقد استيقظت الروح العثمانية فيه، وتصوّر نفسه سلطاناً جديداً لا يُناقَش في الداخل والخارج، ويطمح إلى التسيد على الجوار. وفي ظل ذلك نما الفساد ليصل إلى أبناء الوزراء، وهكذا تفجرت أزمتان متلاحقتان، الأولى حديقة جيزي في اسطنبول، والثانية فضيحة الفساد التى طالت أبناء وزراء ومصرفيين ومحافظي مدن مقربين من حزب أردوغان. وبدلاً من الاعتراف بالخطأ استكبر أردوغان وعهد إلى تسريح قيادات في الشرطة كانت تقوم بعملية القبض والتحقيق للمتهمين بالفساد، ووضع اللوم على قوى خارجية تستهدف الإطاحة به، لكن الأهم هو أن أردوغان الذي قدّم نفسه كقيادي إسلامي معتدل وديمقراطي، يتبنى الإخوان المسلمين بقوة في مصر حيث اصطدم بنظام ما بعد 3 يوليو 2013 الذي أطاح بحكم الإخوان؛ وفي سورية حيث فرخ الإخوان منظمات إرهابية تورّط أردوغان في دعمها خلافاً لرغبة الشعب التركي، بما ورّطه في حرب قذرة.
أما في أوكرانيا، فقد نزلت الجماهير إلى ساحة الاستقلال في كييف، بعد أن رفض الرئيس بانوكوفنيش التوقيع على اتفاقية التجارة مع الاتحاد الأوروبي، حيث يعتبر ذلك خطوة نحو اندماج أوكرانيا في أوروبا ودخولها الاتحاد الأوروبي، وهو ما يرفضه الرئيس وحزبه، باعتبار أن خياره الاستراتيجي هو روسيا التي وقع مع رئيسها بوتين اتفاق تحالف استراتيجياً تضخ بموجها روسيا 16 مليار دولار في الخزانة الأوكرانية المتدهورة، وتخفض سعر الغاز بنسبة الثلث، وهو ما يشكل إنقاذاً للاقتصاد الأوكراني الذي يعاني من التدهور، خصوصاً أن معظم صادرات أوكرانيا الصناعية موجهة إلى روسيا، فيما ينص الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على برنامج تقشفٍ قاسٍ، سيترتب عليه مزيد من البطالة، لكن الكثيرين من الأوكرانيين سئموا هيمنة الدب الروسي، وقد خبروها لعقود في ظل الاتحاد السوفياتي، ويريدون الفكاك منها بالاندماج في أوروبا. لذلك، وعلى رغم إبرام الاتفاق مع موسكو بما يحمل من آمال ومنافع، والوعد بالتوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بعد تعديله، إلا أن الجماهير ترى في الوضع الحالي ظرفاً تاريخياً في الاستمرار بالاحتجاج والاعتصام في ميدان الاستقلال حتى إسقاط الرئيس.
لكل بلد ظروفه، ولكل شعب مطالبه، لكن من الواضح أن هناك روحاً تتملك مختلف الشعوب، وهو أخذ زمام الأمور بيدها وعدم الاستكانة لإملاءات أنظمةٍ لا يطيقونها حتى لو وصلت عن طريق صناديق الاقتراع.
أَبَعْدَ ذلك تستكثرون على العرب «الربيع العربي»، وها هي شعوب في أوضاع أفضل منا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تثور ضد أنظمة حكم أفضل بكثير من الأنظمة والأهم منتخبة ديمقراطياً.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4133 - الإثنين 30 ديسمبر 2013م الموافق 26 صفر 1435هـ