في الذكرى الثالثة لإشعال محمد البوعزيزي النار في جسده ليشعل بلاد العرب بالثورة... نظّم المجلس الاقتصادي والاجتماعي لغربي آسيا التابع للأمم المتحدة (الاسكوا) في بيروت في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2013، ندوةً أطلق فيها دراسته «وعود الربيع العربي: المواطنة والمشاركة المدنية في المسارات الانتقالية للديمقراطية»، وتم الاستماع لشهادات في كل من اليمن ومصر والبحرين وسورية.
خالد مذحجي عرض مسار الثورة اليمنية وتعرجاتها، حيث انطلقت من قبل مجموعات شبابية لا علاقة لمعظمهم بقوى المعارضة، وعمادها طلبة الجامعات. ونوّه إلى أن قوى المعارضة، بل وقوى محافظة (الإصلاح) وقبيلة (الأحمر) التحقت بميدان التغيير أمام جامعة صنعاء، ثم في باقي المدن، كما التحقت قوى تمرد في الشمال (الحوثيين) وفي الجنوب (الحراك)، ليختلط الحابل بالنابل، وتتحول الثورة من حركة تغيير شاملة وهدم للنظام القبلي العسكري القديم، إلى إعادة بناء النظام على قاعدة اقتسام الحصص لقوى من داخل النظام القديم وخارجه، وانتهى الأمر بالخضوع لأجندة مجلس التعاون الخليجي والقوى الكبرى، لتجديد النظام القديم وإدماجه في النظام الإقليمي الخاضع للغرب.
الناشط الشاب جورج شاهين (مصر) عرض تجربته في ثورة 25 يناير 2011، إذ أكد أنها تمت بدعوة من قبل شبكات تضامن شبابية مثل «كلنا خالد سعيد» و»6 أبريل» و»كفاية»، واختبرت قدراتها في تحشدات وحملات سابقة، لكن الاستجابة الواسعة لدعوتها للاحتشاد في ساحة التحرير في 25 يناير فاق كل التوقعات. كما أن مسار الاحتجاجات والمساومات تمّ في غياب ممثلي قوى الثورة، ولذلك خطفت القوى التقليدية ثمار الثورة مجدداً، وخصوصاً الإخوان المسلمين الأكثر تنظيماً وتمويلاً من المال الخليجي والمدعومة من قبل أميركا والغرب. وعزا ذلك إلى عدم قدرة قوى الثورة على إنتاج قيادة وبرنامج سياسي ومن يفاوض باسمهم، وتشرذم قوى الثورة سريعاً. وأضاف أنه لا بديل سوى إعادة الروح إلى ميدان التحرير في عملية تجديد للثورة واستقلاليتها عن النظام الجديد الجاري تشكله.
من جانبه عرض كاتب السطور (البحرين) مسار ماحدث في 14 فبراير/ شباط 2011 وخلفيات الاحداث، وأكد أن انتقال رياح الربيع العربي من تونس ومصر إلى البحرين مباشرةً وخلال أقل من شهر، عابرة العديد من البلدان العربية، ظاهرةٌ تستحق الدراسة والتمحيص، حيث تؤكّد أن الوضع في البحرين كان مهيئاً للانضمام إلى الربيع العربي، ما يدحض مقولة إن الخليج النفطي محصن ضد الثورة.
وكانت هناك عدة عوامل وتراكمات، واستهلاك العملية السياسية، وثورة الاتصالات التي اختبرها الشباب، حتى انطلق الربيع العربي، فتلقفها الشباب، ودعوا إلى حراك سلمي في 14 فبراير 2011، ولكن ما حدث فاق كل التوقعات، وتحوّل دوار اللؤلؤة إلى قلب الحراك الشعبي، منه انطلقت المسيرات وإليه انتهت، ونصبت منصة توالى عليها المتحدثون من مختلف الاتجاهات وطرحت مختلف القضايا، وتناقش الحضور في كل الموضوعات، كما شهد عروضاً موسيقية وفنية، كذلك نصبت مئات الخيم لمختلف الفعاليات والتشكيلات وأهمها خيمة الحوار السياسي، حيث استضافت العديد من المتحدثين.
والمحصلة أن البحرين شهدت خلال الشهر الممتد من 14 فبراير حتى 15 مارس 2011، حراكاً جماهيرياً وسياسياً لا مثيل له في تاريخ البحرين. وعلى رغم تنوع قواه وأطروحاته، فإن القاسم المشترك هو المطالبة بإحداث إصلاحات عميقة في اطار مملكة دستورية ديمقراطية. الآن وبعد مرور ثلاثة أعوام تقريباً على 14 فبراير 2011، فقد تراصت صفوف المعارضة في ائتلاف إسلامي ديمقراطي على أساس برنامج هو «إعلان المنامة» و»وثيقة نبذ العنف». ومن أهم ملامح ما حدث في البحرين المشاركة الكثيفة للنساء نوعيّاً وكميّاً في مجتمع تقليدي، وانعكاس ذلك على بنية قوى المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني. ولكن حل الأزمة لايزال بعيداً بسبب التعقيدات والتداخلات والاخفاقات من كل جانب.
من سورية عرض خالد بيطار المشهد السوري المخيف، الذي هو نتيجة عقود من استبدادية النظام وعنفه المفرط في التعاطي مع الاحتجاجات السلمية التي انطلقت من درعا في مارس 2011، وعسكرة الانتفاضة التي أدت إلى تدفق الآلاف من المرتزقة والأصوليين، بتواطؤ وبتمويل خليجي وتركي وغربي، بحيث تحوّلت سورية إلى ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية والدولية. ووصف خالد ما يجري في سورية بحرب أهلية ذات إبعاد طائفية، كما وصف ما يدعى بالمناطق المحررة بمناطق الفوضى حيث يتم هدم مؤسسات الدولة من مدارس وبلديات ومحاكم ومخافر، واستبدال المناهج الدراسية بحيث تحذف منها المواد العلمية، وتحل المحاكم الشرعية محل المحاكم المدنية، وتستبدل القوانين المدنية بما يدعى الشريعة الإسلامية، واللجان الشعبية محل المجالس المحلية والبلدية، وحيث جرى حل الشرطة وقوى الأمن وألغيت مخافر الشرطة، وحيث يخضع المواطنون لسلطة التنظيمات الأصولية المسلحة، والتي تضطهد عموم المواطنين وخصوصاً الأقليات المسيحية والإسلامية مثل العلويين والاسماعيليين والشيعة والأكراد. ثم تطور الأمر إلى صراع للسيطرة والنهب (نهب النفط والمصانع والآثار) فيما بين هذه التنظيمات الأصولية والعصابات. ومن جانب آخر، لم يوفر النظام أية وسيلة للقتل الجماعي بحق المناطق المتمردة بما في ذلك استهداف المدنيين، إضافةً إلى الإعدامات الميدانية والتعذيب الوحشي بحق المعارضين بمن فيهم المعارضون السلميون، ومدعوماً من قبل إيران وروسيا وآخرين.
وعرض خالد الحصيلة المهولة للمأساة السورية، حيث تحولت غالبية السوريين إلى مهجرين، فهناك أكثر من 4 ملايين لاجئ في الخارج وأكثر منهم في الداخل، ما يعتبر أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث. أما الخسائر المادية فيصعب تقديرها، لكنها تتجاوز 5 مليارات دولار، 7 آلاف مدرسة مدمرة، وثلاثة ملايين عاطل عن العمل، وهبوط قيمة الليرة إلى الثلث، وعودة الأوبئة مثل شلل الأطفال الذي اختفى من العالم.
إن ملايين السوريين يتهددهم الموت جوعاً أو برداً أمام أنظار الدول العربية التي هي قادرة، إن أرادت، على أن تنقذهم من محنتهم لكنها تفضل أن تصفي حساباتها في سورية وبأرواح السوريين. وبهذا أضحى الشعب السوري واستطراداً الشعب اللبناني، رهينةً لصراعات الدول العربية والإقليمية والكبرى.
الباحث المصري عمرو حمزاوي نبّه إلى هيمنة الإعلام الخليجي على المشهد الإعلامي، ومن هنا غياب البحرين عن تغطية الحراك في البحرين. كما طرح حمزاوي خطورة تفتيت الهوية الوطنية لصالح الهويات الدينية والإثنية، وإثارة النزعات الطائفية والدينية والخطاب التخويني من قبل الأنظمة ضد المعارضة، وأحياناً فيما بين القوى المتنافسة كما هو ما بين القوى الدينية والعلمانية في مصر.
كما طرح حمزاوي ضرورة التوصل لعقد اجتماعي جديد بين الشعوب والحكام العرب. وأخيراً طلب من كل متحدث التعبير عن توقعاته في جملة مفيدة، وكانت هناك تباينات بالطبع، لكن كان هناك الأمل باستمرار الربيع العربي، وتجنب المواجهات الدموية، والتمسك بالسلمية في الصراع مع الأنظمة وفيما بين القوى المتنافسة، والأمل في أن تجتاز كل من مصر وتونس وليبيا حالة المراوحة للانتقال الديمقراطي، وأن تتوقف الحرب في سورية والتوصل إلى اتفاق يفتح الطريق نحو تحول ديمقراطي آمن، وكذلك عدم انزلاق كل من ليبيا واليمن في حرب أهلية.
وكانت هناك توصية بأن تلعب الأمم المتحدة دوراً إيجابيّاً في التحولات نحو الديمقراطية وتطلعات الشعوب العربية، من خلال تقديم النصح إلى الأنظمة، والدعم والتمكين للمجتمع المدني، وتنظيم حوارات تجمع الأطراف الثلاثة: الحكومات والمجتمع السياسي والمدني والقطاع الخاص، في كل بلد عربي وعلى المستوى العربي.
وقد ثمن الحاضرون العرض الذي قدّمه أحد الخبراء من أميركا اللاتينية عن خبرات دول أميركا اللاتينية نحو الديمقراطية والتعددية بعد عقود من الحكم الدكتاتوري في معظمها.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4132 - الأحد 29 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ
مقال رائع
اذا وبعد مرور 3 سنوات لم يأتي الربيع بعد بثمارة.. حيث رجعت مصر الى المربع الاول حكم العسكر والباقي افسدت التدخلات الاقليمية والخليجية خوفا من وصل رياح الثورات لهم ..