كل شخص جُرِّد من جنسيته له أن يعلم...
أولاً: أن «الجنسيةَ» رابطةٌ سياسية وقانونية بين الفرد والدولة، وأنها تمثل الانتماء والتبعية التي تربط الأشخاص بالدولة، بخلاف «القومية» التي تمثل الانتماء إلى أمة معينة (كالأمة العربية)، فهي بذلك أقوى وأكبر من «القومية» لأنها تقوم على عنصرين هما: العنصر السياسي والعنصر القانوني، وهذان غير متوفرين في «القومية».
والجنسية أداة الدولة لتحديد عنصر الشعب فيها، أو بمعنى آخر هي الوسيلة التي يتحدّد بموجبها ركن الشعب في الدولة، ذلك لأن أي دولة لا تقوم إلاَّ إذا توافر لها ثلاثة أركان هي: الشعب والإقليم والسلطة، فإن انتفى ركن من هذه الأركان فلا محل لوجودها.
وأنه من مجمل تلك التعريفات، نجد أن لكل كلمة فيها معنى، لكن المهم ليس تعريفها، إنّما المهم هو النظر إلى «الجنسية» على أنها «حقٌ وصفة» تلحق بالشخص المواطن. فهي حق للمواطن بداية، وتُعطي حاملها صفة «المواطِن» أو «المواطَنَة».
وإذا كان «الحق» يزول، فالصفة لا تزول بذات أسباب زوال الحق، ذلك لأن «الصفة» دائماً راسخة، ورسوخها يحصنها من الزوال إلاّ لأسباب هي أقوى من أسباب زوال الحق. كالأب مثلاً لا تزول صفة «أبوته»، أو الابن لا تزول صفة «بنوته»، لمجرد تقصير أو خطأ من أحدهما على الآخر، أو لمجرد تبرّي أحدهما من الآخر، لأن «الصفة» كما قلنا راسخة ورسوخها يحصنها من الزوال لأسباب تافهة أو بسيطة لا ترقى لمقام رسوخ «الصفة». ولهذا نعجب من تجريد شخص من جنسيته لأسباب وضيعة، و»بشخطة» قلم، وكأن «الجنسية» في نظر هذا أو ذاك حقٌ يرتبط بعقدٍ أبرمه، له أن يفسخه أو ينهيه كيف ووقت ما يشاء.
فمن المقرّر دولياً وفقهياً، أن «الجنسية» بطبيعتها تخضع لنظام قانوني وليس تعاقدي، وبالتالي لا مجال لإرادة السلطة في تجريد الشخص من جنسيته أو نزعها منه قسراً إلاّ طبقاً لأحكام القانون. ولهذا قلنا في البداية أن «الجنسيةَ رابطةٌ سياسية وقانونية بين الفرد والدولة». أي أنها من المسائل الداخلة في كيان الدولة «سياسياً» لا يجوز التلاعب بها، وأن القانون (والقانون وحده) هو الذي يحكم نشأتها وزوالها لا إرادة السلطة الخارجة عن القانون.
ولهذا نجد الكثير من التشريعات في الدول التي تضع لشعوبها وزناً واعتباراً، تحصر أسباب نزع الجنسية في إطار ضيق، وتمنع السلطة العامة المختصة في الدولة من اتباع القياس أو التقدير، منعاً لأي تجاوز أو تعسف، وحرصاً على حقوق المواطنين فيها.
ثانياً: إن تجريد «الجنسية» له حالتان: (الأولى) تجريد الجنسية من المواطن الأصيل، أو ممن حصل عليها بالاكتساب (أي الجنسية المكتسبة) ويسمى التجريد في هذه الحالة «إسقاطاً». و(الثانية) تجريد «الجنسية» ممن حصل عليها في وقت لاحق (أي الجنسية الطارئة) (وهو المُجنَّس) ويسمى التجريد في هذه الحالة «سحباً».
ومن مطالعتنا لبعض القوانين العربية المقارنة، نجد أن كلاً من القانون البحريني، والمصري، والأردني، والكويتي، والعماني مثلاً قد أخذ بالتقسيمين السابقين، وحدّد أسباب كلٍّ منهما على حدة.
وحيث أن إسقاط الجنسية (الأصيلة والمكتسبة) هو أكثر قسوةً وإيلاماً من سحب الجنسية من المتجنِّس، وهو أكثر ما يشغل هيئات ومنظمات حقوق الإنسان، فإننا لذلك سنكتفي بالوقوف على أسباب إسقاط الجنسية طبقاً لقانون الجنسية البحريني الصادر سنة 1963 وتعديلاته. إذ تنص المادة العاشرة من هذا القانون على أنه «يجوز بأمر من عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية:
(أ) إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقي فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها.
(ب) إذا ساعد أو انخرط في خدمة دولة معادية.
(ت) إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة.
فمن هذا النص نستخلص أن «إسقاط الجنسية» لا يكون إلاّ بأمر من الحاكم (أي جلالة الملك)، وأن أي قرار في هذا الشأن يصدر من غيره يعتبر قراراً صادراً من غير ذي صفة، فيكون باطلاً. كما نلحظ منه أن «الإسقاط» محصورٌ في الأسباب الثلاثة المذكورة في النص. وهذه الأسباب يجب أن تكون ثابتةً وفقاً لمضامينها، لا أن تُؤخذ بالقياس ولا أن نُحمِّلها أكثر من حجمها، لأن طبيعة الرابطة الجنسية تكمن في تعلقها بالنظام العام الذي لا يجوز الإخلال به أو القفز عليه بوضع أسس أو مفاهيم لا تتفق مع النص، كأن نأخذ مثلاً شخصاً معارضاً تظاهر أو دعا إلى تظاهرة غير مرخصة فنقيس على فعله هذا مفهوم «الإضرار بأمن الدولة»، ونبني عليه قراراً بإسقاط جنسيته استناداً للنص السابق، فيكون هذا القياس أو هذا البناء خروجاً عن النص. والخروج عن النص في مثل هذه الحالة يجعل السبب المُسند إليه غير حقيقي من حيث الموضوع، فيمسي هذا «الإسقاط» ظلماً وجوراً، لكون أسبابه بعيدةً عن الحقيقة ولأنه جاء مجافياً للعدالة.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 4131 - السبت 28 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ