من أدقّ التوصيفات التي سمعتها للوضع السياسي المصري، أنه صراعٌ بين استبدادين: استبداد الأخوان واستبداد العسكر.
أسوأ ما في هذا الصراع، أنه سيقطع الطريق أمام تقدم مصر نحو نظام سياسي ديمقراطي سليم، ويعيق تطورها لعقد أو عقدين. كما أن تداعياته سلبية على المحيط العربي، فإصابة مصر (قلب العروبة) بالشلل، سينشر الشلل في المحيط، وغليانها واضطرابها يشجع على تعميم الغليان والاضطرابات. وبالتالي فإن الاستقرار الذي يتحدّثون عنه سيكون بعيد المنال.
لاشك أن الأخوان خلال حكمهم القصر، ارتكبوا أخطاء قاتلة، إلا أن خطيئتهم الأكبر كانت محاولة الاستفراد بالحكم وإقصاء الآخرين. لقد تصرفوا كملاك للأرض، مفوضين من السماء لحكم الأرض، وهو بذرة سرعان ما لفظتها التربة الجديدة التي تفجّر عنها الربيع العربي.
النزعة الاستبدادية لدى الأخوان تجلّت في الدستور الذي كتبوه بإرادةٍ منفردة العام الماضي (2012)، ولم يهتموا بمن انسحب من لجنة كتابة الدستور، من ممثلي الأحزاب والتيارات الأخرى. محاولة تطبيق النظريات التي عاشوا عليها خلال خمسين (تحكيم الشرع) قادت غلى استنفار بقية شرائح المجتمع، وكان على رأسهم الجيش (أقدم وأشرس حزب مصري)، الذي كان ينتهز الفرصة للعودة إلى السلطة، حيث كان مسيطراً عليها ستين عاماً.
الجيش انتهز فرصة الغضب الشعبي على حكم الأخوان وتخبطهم وتناقضاتهم، ليقفز مجدداً إلى السلطة، ولم يحتج إلى أكثر من أسابيع حتى يكشر عن أنيابه، ويتكشّف عن عنفٍ شديد، تجاوز في بعضها عنف نظام حسني مبارك، الذي بلغ ذروته في أواخر أيامه، مع موقعة الجمل.
حين توّج الجيش نفسه، اختار ممثلّيْ الأزهر والكنيسة القبطية إلى جواره، وأتى برئيسٍ لا يحل ولا يعقد، وعيّن رئيس وزراء عجوزاً، كان وزيراً في نظام مبارك الذي أطاحت به الثورة الشعبية. واستكمل خطة اللعب بإعلان «خارطة طريق»، وجاء بمجموعة من منافسي الأخوان وبقايا رموز نظام مبارك، وعيّن أحدهم (عمرو موسى) رئيساً لكتابة دستور جديد. لقد كرّر أخطاء الأخوان بإعادة السيناريو نفسه. الإضافة الأسوأ والأخطر التي فرضها الجيش، هي هذه النزعة الشديدة نحو العنف، والإفراط في الإقصاء.
في البداية تم ضرب تجمعات الأخوان السلمية أمام عدوية، وقتل المئات منهم، ونفذت مجزرة ضد بعض معتقليهم داخل سيارةٍ للأمن. وتم ملاحقة قياداتهم وقتل بعض أبنائهم والتعدي على النساء. وخلال بضعة أشهر عادت السجون للامتلاء بكوادرهم من جديد. والغريب أن الرئيس المخلوع محمد مرسي قُدّم للمحاكمة بواحدة من تلك التهم القراقوشية: «التخابر مع حركة حماس»!
هذه التهمة تم تطويرها لاحقاً، إلى تهمةٍ أكثر غرائبية: «الهروب من السجن أثناء أحداث الثورة». مثل هذه الأحكام كانت تضع القضاء المصري على المحك، وتزيد من الانتقادات الدولية والحقوقية المثارة حول استقلاليته ونزاهته، خصوصاً لما عرف في التاريخ المصري من تطويع للقضاء، منذ مجيء الجيش للحكم، لأول مرة في 1952. ويعيد الجيش اليوم إنتاج صيغةٍ أكثر إمعاناً في الاستبداد، بإصدار قوانين لم يجرؤ على اقترافها السادات ومبارك معاً: «الإعدام لمن يقود مظاهرة، وخمس سنوات لمن يشارك فيها».
اليوم، ومع نهاية 2013، يطرح العسكر دستوره الخاص، ليصوّت عليه المصريون كما صوّتوا قبل عام على دستور 2012 الأخواني... ليستمر الصراع بين هاتين القوتين الاستبداديتين، حيث يجري التلاعب بمستقبل مصر وشعبها، بعدما جرى تضييع واحدةٍ من أهم ثورات الربيع العربي.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4131 - السبت 28 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ
لن تهدا الاوضاع في مصر
لان الشعب جرب الاثنين ديكتاتورية العسكر والاخوان فهو يرفض الاثنين وستستمر الاحتجاجات حتى يستقيم الامر للحكم العلماني المدني
صراع الخاسرين
صراع العسكر والإخوان لا رابح فيه سوى العدو والضحية شعب مصر ثم الشعوب العربية