قبل بضعة أسابيع أثارت الصحف ومحطات التلفزيون البريطانية من جديد حقبة الستينات. حقبة الستينات تعتبر انعطافة مهمة في مسيرة القرن العشرين ليس في بريطانيا أو أوروبا بل العالم أجمع.
شهدت حقبة الستينات في بريطانيا انطلاقة فرقة البيتلز الموسيقية ثم تبعتها فرقة الرولنغ ستون الأكثر راديكالية، حيث شكلت فرقة البيتلز ظاهرة ثورة ليس في الموسيقى والغناء فقط، بل في نمط الحياة الشبابي المتحرر من القيود، وبالتالي أثرت في السلوك اليومي لملايين الشباب.
لكن أهم حدث في الستينات كان الثورة الطلابية التي بدأت في فرنسا وبالتحديد في جامعة السوربون في باريس، حيث تمرد الطلاب على نمط التعليم ومحتوى التعليم، واحتلوا الجامعات الفرنسية مطالبين بتغيير المناهج ونمط التعليم.
تم تطورت إلى ثورة ضمت الطبقة العاملة ضد الحكم الأبوي التسلطي لقائد التحرير الوطني شارلز ديغول، وترتب عليها إضراباً في منطقة بولون بيان كور لتصنيع سيارات الرينو Boulogne Betancourt، ثم تطور الأمر إلى احتجاجات واسعة وإقامة المتاريس في باريس وكانت معزولة تماماً.
ومن قادة الانتفاضة كوهين بندت الطالب الألماني، والذي أبعد من فرنسا إلى ألمانيا، لكنه أصبح زعيم كتلة نواب الخضر في البرلمان الأوروبي وقد وقف إلى جانب انتفاضة شعب البحرين منذ البداية، وخطه دائماً في مواجهة المصالح الأوروبية الأنانية.
لكن الثورة الطلابية لم تقتصر على أوروبا (فرنسا وألمانيا خصوصاً) بل عبرت المحيط الأطلسي إلى الولايات المتحدة، حيث شهدت جامعات هارفرد ونيويورك ولوس أنجليس وغيرها، حركة احتجاجات طلابية واسعة طرحت مطالب إحداث تغيير هيكلي على التعليم الجامعي والمنهاج الجامعي والعلاقة بين الطلاب والجامعة.
وقد التحمت حركة الطلاب الاحتجاجية بالحركة المناهضة للحرب في فيتنام واتخذت طابعاً عنيفاً كما في جامعة كنت في ،حيث أطلق الحرس الوطني الرصاص على المجتمعين.
لقد سجلت هذه الثورة في ثورة أدبية مستمدة من الفلسفة الوجودية التي التحمت بها وجسدها جان بول سارتر، سيمون دي بوفوار، وعلماء الاجتماع مثل دولوز، وليفى شتراوس وجاك بيرك، وفي الولايات المتحدة هيربرت ماركوس، والذي ألف كتاب «الإنسان ذو البعد الواحد»، وفي المملكة المتحدة الروائي كولن ويلسون.
وفي السينما، في الولايات المتحدة كيش هبرينج ايليا كازان، وفي فرنسا شابور، وجان لوي جودار.
وحتى في العالم العربي فقد عبرت الموجة البحر الأبيض المتوسط، حيث أحدثت حركة احتجاجية طلابية في الجامعات اللبنانية مثل الجامعة اللبنانية الرسمية وجامعة سانت جوزيف وقادها ويا للعجب بول شاؤول من طلبة حزب الكتائب، لكن تأثيرها في الجامعة الأميركية في بيروت حيث درست كان محدوداً جداً.
رحلة الستينات حملت معها إعصاراً ثورياً في العالم. فأثر انتصار الثورة الكوبية في 1962، فقد اجتاح أميركا اللاتينية إعصار الثورات المسلحة في بوليفيا كولمبيا وحركات غوار المدن في البرازيل ومزيج من حرب العصابات والاحتجاجات العمالية الواسعة كما في البرازيل والأرجنتين وتشيلي وكولمبيا.
وجسد الثائر الأممي تشي جيفارا الثورة الجذرية المسلحة، حيث حمل طموحه الثوري لإشعالها في الكونغو، حيث نظام الدكتاتور موبوتو الذي أطاح بحكم القائد التحرري لومومبا.
وبعد فشله هناك انتقل إلى بوليفيا ليقود حرب الغوار، وليستشهد هناك على يد قوات العسكر بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
كما أن مرحلة الستينات كانت مرحلة الثورات العربية التحررية الراديكالية بدء بالثورة الفلسطينية في 1961، ثم ثورة ظفار في عمان في 1965، فانتفاضة الدار البيضاء في المغرب فالانتفاضة العمالية في البحرين، وتبعتها محاولة تفجير الكفاح المسلح من قبل الاختيار الثوري على نهج الشهيد بن بركة، في جبال أطلس بالمغرب، فمحاولة حرب الغوار في أهوار العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني 1965 بقيادة الحزب الشيوعي العراقي، القيادة المركزية.
وبالطبع فقد كانت الثورات المسلحة جنوب شرقي آسيا في فيتنام ولاوس وكمبوديا في أوجها، وتوجت بالإطاحة بالأنظمة العميلة لأميركا وانسحابها المذل من شرقي آسيا.
إنه، وباستثناء المنطقة العربية، حيث دائماً ما تتبع انطلاقة الثورة انقضاض الثورة المضادة، كما يستتبع الثورة الجذرية الانحراف والتوجه الإصلاحي، وحيث تم استيعاب المناضلين ليصبحوا ثوار الصالونات، وفي حين انهزمت أو تراجعت الثورات العربية في فلسطين وعمان والعراق والمغرب، فقد انتصرت الثورات في شرق آسيا وتركت الثورات في أميركا اللاتينية بصماتها على الحياة السياسية والتنظيمات السياسية، بحيث أزهرت الديمقراطية والاشتراكية الاجتماعية بعد ذلك في العقد الآخر من القرن العشرين.
وباختصار شديد فقد كان عقد الستينات من القرن العشرين عقد الثورات في مختلف مناحي الحياة السياسية والثقافية والتعليم ومكانة التجليات من الثورات المسلحة، وثورات الغوار، وثورات الطلاب، وثورات الطلبة، وثوارت الفلسفة والأدب والثقافة والموسيقى.
من هنا اهتمام الأوساط الثقافية في الغرب بالاحتفاء بعقد الثورات في الستينات كما الجارديان البريطانية، وكما في الأغنية النضالية البحرينية.
متى تعود لنا آذار، متى تعود وتجرح نار. نعم فذكرى انتفاضة (5 مارس/ آذار 1965) خالدة والثورة الطلابية الفرنسية والأميركية في البال. ويبقى عقد الستينات عقد متميز دون العقود.
العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ