العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ

تاريخ البلاد القديم: قضايا شائكة عن هوية مسجد الخميس

مسجد الخميس أو المشهد أو المشهد ذو المنارتين، تعددت الأسماء لهذا المسجد، كما تعددت الفرضيات حول تاريخ تأسيسه وحول هويته.

هذا المسجد أضحى رمزاً للهوية المذهبية للمنطقة في حقبة زمنية معينة. هذه الرمزية المذهبية هي التي أنتجت العديد من القضايا الشائكة. وانعكست تلك القضايا على عملية تأريخ منطقة البلاد القديم، والبحرين بصورة عامة؛ حيث لم يكتب تاريخ هذه المنطقة بصورة علمية دقيقة، بل أصبحت الدراسات التي تتناول تاريخ هذه المنطقة في العصور الإسلامية المبكرة تركز على دراسة الهوية الدينية والهوية المذهبية للمنطقة.

ومثل هذا المنهج لا يخلو من الخلل، فالعصبية المذهبية تتدخل، مما ينتج عنه تركيز جهود الباحث على الناحية المذهبية فقط، ويهمل الجوانب الأخرى؛ وبذلك تنتج دراسات تتناول تاريخ المذهب، لكنها مختلة من حيث المنهج، وتغيب، أو تقلب، فيها حقائق شتى.

تلك العصبية المذهبية أنتجت فريقين متصارعين، وعدداً كبيراً من الدراسات المليئة بالمتناقضات، من كلا الفريقين. ففريق يختزل تاريخ البحرين في ثلاث كلمات تتمحور حولها كل دراساته وهي: البحرين القديمة، عبدالقيس، البحارنة. وفريق آخر لا يذكر من تاريخ البحرين في تلك الحقبة إلا الحركات المتطرفة، كالخوارج والقرامطة الذين تحولوا إلى الإمامية لاحقاً بالإضافة إلى المسجد الذي بناه الخليفة الأموي. كلا الفريقين وقعا في أخطاء منهجية في سبيل إثبات صحة فرضياتهما. تلك الفرضيات التي أضاعت تاريخ المنطقة بكاملها. لا يمكن أن يختزل تاريخ المنطقة في قبيلة أو طائفة أو جماعة واحدة. مرت البحرين بالعديد من الشعوب والثقافات، من الأكدية إلى الآرامية والنسطورية وانتهت بالعربية. فهل يعقل أن تزول كل تلك الأعراق الحضرية، وتستبدل بعرق واحد قبلي؟. هناك تعصب وهناك تطرف، وهناك منهج علمي، فلا يعالج الخطأ بخطأ آخر. وقبل أن نبدأ بنقاش القضايا الشائكة، لا بد لنا أن نوضح الخلل المنهجي الناتج من تداخل السرد المذهبي في دراسات من كلا الفريقين المتناقضين.

Cole وبداية التحول من التأريخ إلى المذهبية

في العام 1987 نشر Cole بحثاً بعنوان: «Rival Empires of Trade and Imami Shiism in Eastern Arabia, 1300-1800» والذي ترجمه للعربية جعفر الشايب ونشر في مجلة «الواحة» (1995, العدد الثاني) تحت عنوان: «الإمبراطوريات التجارية المتصارعة والشيعة الإمامية في شرق الجزيرة العربية 1300 – 1800». وقد نشر السيد عدنان العوامي في العدد نفسه دراسة نقدية لهذه الدراسة، وقد أوضح العوامي أن دراسة Cole تعتبر من أولى الدراسات التي اتخذت منحاً جديداً في دراسة التاريخ؛ حيث انعطف Cole عن دراسة الحدث التاريخي التقليدي إلى دراسة الجانب المذهبي بما يوحي بأن الكاتب يريد أن يضع أول نظرية عن تحول المذهب الإسماعيلي إلى المذهب الإمامي الاثني عشري. وقد سعى الكاتب إلى إثبات ذلك من خلال سياق معلومات تاريخية خاطئة واستنتاجات متناقضة (العوامي 1995، الواحة العدد الثاني).

وقد لعب Cole، أيضاً، على وتر الطائفية؛ فعندما حكم بنو جبر البحرين، وكان أمراؤهم على المذهب السني المالكي، زعم Cole أنهم ضيقوا على شيعة البحرين، وتعاونوا مع البرتغاليين ضدهم، والحقيقة خلاف ذلك، حيث كثرت في حقبتهم الفقهاء الشيعة، والمرجح أنه كان هناك تضامن بين أهالي الخليج العربي، سنة وشيعة، ضد الاحتلال البرتغالي (العوامي 1995، الواحة العدد الثاني).

Insoll يسير على نهج Cole

في العام 2001 نقبت بعثة بريطانية في الآثار الإسلامية في منطقة البلاد القديم بقيادة Timothy Insoll المتخصص في إعطاء الآثار هوية مذهبية. كان من المفروض أن يخرج تقرير التنقيب في هذه المواقع بحقائق واستنتاجات تاريخية يستفاد منها في إعادة كتابة المنطقة بأسلوب علمي حديث، إلا أنه، وكما هو متوقع من خلال تخصص قائد الفريق، خرج التقرير بنفس أسلوب Cole وهو البحث في الهوية المذهبية، وكأن الكاتب يريد أن يثبت نظرية Cole من خلال الآثار.

خرج التقرير بصورة كتاب بعنوان: «أرض انكي في الحقبة الإسلامية: اللؤلؤ والنخيل والهوية الدينية في البحرين»، وهذه صيغة أخرى موازية لعنوان دراسة Cole. فهو يلمح دائماً لتنامي الهوية القرمطية في البحرين ويصيغها كفرضية.

وقد بدأ Insoll فرضيته تلك من نتيجة صاغها James Belgrave (غير المتخصص في التاريخ)، وذلك في كتابه «Welcome to Bahrain». تفيد تلك النتيجة، المبنية على فرضية واهية، سنتطرق لها في فصول أخرى، أن لمسجد الخميس هوية قرمطية. بعدها يبدأ Insoll بتحليل ما عثر عليه في موقع سوق الخميس تحليلاً مذهبيّاً ويفترض أن له هوية قرمطية، وبعد كل تحليل يعود ليذكرنا بنتيجة Belgrave وأنها تتفق معها. ويصل في نهاية البحث إلى التشكيك في هل كانت البلاد القديم شيعية المذهب أم أنها قرمطية؟، وهل استمرت على مذهب القرامطة حتى بعد زوال القرامطة من البحرين؟.

يسهب Insoll في تحليلاته المذهبية وتضيع بينها الاستنتاجات التاريخية. وعلى رغم أن Insoll يشير إلى دلائل واضحة، تؤكد قدم الوجود الشيعي في البحرين، فإنه يعود إلى التساؤل عن كيفية نشوء الشيعة في البحرين، وماذا حل بالقرامطة، وهم شيعة إسماعيليون بحسب زعمه. حاول Insoll أن يوازن بين فكرتين، قدم التشيع في البحرين، ووجود جماعات قرمطية في البحرين حتى بعد زوال القرامطة.

Kervran وإعادة صياغة الفرضيات الواهية

التفاعل بين دراسة الهوية المذهبية بمنهج مختل مع الدراسات الآثارية أنتج إعادة صياغة فرضيات قديمة بأسلوب علمي. على سبيل المثال، في العام 1914 صاغ النبهاني فرضيته الشهيرة حول مسجد الخميس بقوله: «وهذا المسجد والمدرسة مع المنارتين الجميع من بناء عمر بن عبدالعزيز الأموي»، إلا أن الدراسات الأثرية أثبتت أن البناء الظاهر للمسجد بدأ بناؤه في القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده وهذا كافٍ ليلغي فرضية النبهاني. وفي العام 1990م نشرت Kervran دراستها حول تاريخ بناء مسجد الخميس والتي أوضحت فيها أن هناك ثلاثة مساجد بنيت على بعضها وأن المسجد الأول يتميز بمحراب بشكل حفرة في جدار القبلة. وبسبب شكل المحراب، فقط، أعادت Kervran صياغة فرضية النبهاني: بما أن الثابت أن أول ظهور لمحراب بهذا الشكل كان في زمن الخليفة عمر بن عبدالعزيز عندما أعاد بناء مسجد المدينة، فإنه من المرجح أن يكون هذا البناء بني في عهده أيضاً أي الفترة 99 – 101 هجرية (قرابة 718م). وعلى رغم أن Kervran لم تقدم أي دليل علمي يثبت صحة فرضيتها، نجد Insoll يسلم بها على أنها حقيقة علمية. وفي العام 2010م طور Carter هذه الفرضية وبنى عليها وجعل من عمر بن عبدالعزيز مؤسساً للبلاد القديم، كبداية جديدة في البحرين بعد القضاء على الحركات المتمردة التي تمركزت في جزيرة المحرق (Carter 2010, p. 66).

التعصب في قبال التطرف

تلك الفرضيات المتطرفة السابقة، وغيرها الكثير من الدراسات التي تركز على الهوية المذهبية وتغفل النواحي الأخرى لتاريخ المنطقة، أدت لتنامي تيار مضاد متعصب للهوية المذهبية. فهذا التيار يجد نفسه في موقف المدافع عن هويته، إلا أنه يقع في الخطأ ذاته بسبب اندفاعه؛ حيث ينشغل، هذا التيار، بالتركيز على الهوية المذهبية ويغفل الجوانب الأخرى, فيقع في الخلل المنهجي نفسه. ولهذا التيار فرضيات لا تقل سوءاً عن سابقتها؛ فهناك من يروج أن هناك أربعة مساجد بنيت في البلاد القديم في القرن الأول الهجري وبقيت حتى عهد قريب، فهل هناك دليل مقنع يثبت ذلك؟.

العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 4:53 ص

      بلادية

      للعلم قريتي البلاد القديم كثيرة بالعيون والمساجد الأثرية والقديمة وكانت قديماً عاصمة البحرين قبل أن تكون المنامة ولي الفخر أن بلادية الأصل والنسب والموطن

    • زائر 16 زائر 12 | 8:24 ص

      بلادي

      انا بعد بلادي وافتخر والبلاد قديمة وعريقة وليها ثقل في تاريخ البحرين لكن بعد افتخر بكل مناطق البحرين وبكل شخصيات البحرين وبكل تاريخ البحرين الي لينه والي علينه

    • زائر 6 | 3:26 ص

      زائر 1 و 4

      عبد القيس سكنت البحرين هذه حقيقة تاريخية ... ولكن إختزال الحقيقة في البحرين القديمة وعبد القيس والبحارنة فقط ينسف تفاصيل عديدة عن تاريخ المنطقة .. نحن لا نأرخ لعبد القيس أو للبحارنة .. يجب كتابة تاريخ المنطقة بصورة علمية بعيدا عن أي تعصبات ... إن لم يعجبك هذا المنهج ... فأي منهج تريد ...

    • زائر 9 زائر 6 | 4:01 ص

      اولا حدد الخلاف

      اخي حسين الخلاف ليس على ديلمون ولا تايلوس بل حول الفترة الاسلامية فقط. البحارنة يختلفون مع من يريد تزوير هذه الفترة وانت تعرفهم وهذه الفترة فترة عبدالقيس بلا خلاف فلماذا تجر الموضوع للفترات الاخرى وانا تابعتك في ردودك على الاخرين فهم يتحدثون بالمصادر التي يؤمنون بصحتها او صحة اغلبها وعليك ان تعذرهم فتاريخ البحرين تعرض ويتعرض لتغييب فاذا اخطأ هؤلاء فهم معذورون فمصادر التاريخ لا يوجد فيها مسلمات كما انت تقول.

    • زائر 11 زائر 6 | 4:28 ص

      بل الخلاف على عبد القيس أيضا

      هذا ما سأوضحه في حلقات قادمة ... عبد القيس حضرية خالطت الحضر وليسوا عرقاً واحدا بل أعراق منصهرة مع بعضها ... وتفرقت في المنطقة من البصرة إلى عمان .. فالبحرين لا تسوي عبد القيس ولا تساوي كلمة بحارنة ... ولا تساوي كلمة شيعة منهم من تشيع ومنهم من خان الإمام علي (ع) والإمام الحسين (ع) كالمنذر بن الجارود وغيرهم .. ومنهم من وقف مع عثمان بن عفان (ر). ومنهم من وقف مع الأمويين .. فكيف يختزل تاريخ البحرين في عبد القيس .. العديد من المراجع لا ترى ذلك .. تابع السلسلة لترى الدليل

    • زائر 4 | 3:15 ص

      وعفوا استاذ حسين

      الاخوة الذين ينسبون البحرين لعبدالقيس لهم مصادرهم وانت تعرفها وهم يتحدثون عن البحرين في الفترة الاسلامية فلا داعي للاستنقاص منهم فهم لهم منهجهم وانت لك منهجك .

    • زائر 14 زائر 4 | 6:32 ص

      عبدقيس

      لا احد يختلف على موضوع عبد قيس، الكاتب يقول بانه لا يجب ربط تاريخ البحرين فقط بعبد قيس بل بعدة أمور، أين الخلل في هذا الطرح ؟؟؟؟؟ يعني هل تقبل بربط تاريخ البحرين الحديث فقط بالعائلة الحاكمة وإهمال الشخصيات والأحداث المختلفة التي مرت بالبحرين في القرنين الماضيين!!!

    • زائر 2 | 3:05 ص

      التاريخ تاريخنه

      هل نستمع الى الاجنبي لكي يخط لنا تاريخنا بقلمه المدفوع الاجر ام نستمع الى اجدادنا
      والله لن يفلحو جميعا في طمسنا ودفننا
      ولماذا تسليط الضوء على هالمسجد وتناسو المواقع الاثريه الاخرى
      فقط لانه هناك شيعه وتاريخ عريق بالمنطقه ارادو ان يدفنوه ويأرخوه

    • زائر 7 زائر 2 | 3:46 ص

      بل نثبت ما قاله أجدادنا

      العلم قادر على إثبات روايات أجدادك, إن كانت صادقة, .. وكلام الأجنبي إن كان قوله خاطئ فلنوضح خطأه بنفس إسلوبه .. ولا نوقع نفسنا بأخطاء فيكذبوننا باسم العلم ... أكتب التاريخ بمنهج علمي يحترمك كل من يحترم العلم ...

    • زائر 15 زائر 2 | 6:36 ص

      تمييز التاريخ

      هنا يكمن سبب وجود من يقارن ويميز بين ما يكتبه الأجانب وبين ما يرويه الابن عن الاب

    • زائر 1 | 2:31 ص

      عفوا استاذ حسين

      الاستاذ حسين دائما تتحدث وكأن كلامك ومصادرك هي الحقيقة المسلم بها وهذا خطأ فمناهج التاريخ لا يوجد فيها حقائق مطلقة وعليك ان تتواضع لاجتهادات الاخرين فحتى مساجد البلاد القديم كأنك تنسف حقائق تواترة ومشاعة بين الاهالي واذا كنت تطالبهم بدليل فالاحرى بك ان تأتي بدليل ينفي تواترهم . اعذرني فانت منهجك ايضا له مساوئ وسلبياته ستظهر لاحقا

    • زائر 3 زائر 1 | 3:14 ص

      تحدثت عن روايات بلا مصادر

      أنا لم أتحدث عن مصادري ومصادرهم .. ولكن أتحدث عن فرضيات صيغة بعصبية ولا يوجد لها إثبات بحسب الطريقة العلمية .. إذا كان الواقع يكذب الروايات السردية ... كيف نطالب الآخرين بأن يوثقوا في روايات شفهية ليس لها سند وفي نفس الوقت تكذب رواياتهم التي ليس لها سند ... يجب أن يكون هناك حديث علمي بالبراهين ... فإن كانت الآثار موجودة فهناك طرق علمية لإثبات عمرها .. فأي المصادر أدق من يتبع الطريقة العلمية لتحديد عمر مسجد معين أو من يستخدم روايات لتحديد عمر مسجد معين المنهج العلمي يرجح الأول وليس أنا من يرجح.

    • زائر 8 زائر 1 | 3:50 ص

      يا اخ حسين التفت لمسارك

      اخ حسين من حق البحارنة ان لا يثقوا ببحوث الاجانب والبعثات التي تعمل في البحرين بدعم وتغطية حكومية وانت تعلم كم اخفوا من الحقائق فقلعة البحرين تم اخفاء الكثير من تاريخها بأمر من مي وغيرها ولذا من حق الاخرين ان لا يثقوا بهذه المصادر وانت تعلم بحساسية الناس تجاه اي مصدر حكومي او اجنبي . الباحث عبدالله السعيد ذكر المساجد وتحدث عن تاريخها وله مصادره والافضل ان تستفسر منه عن دليلة ولا تلجأ لالغاء كلامه وهو ابن المنطقة والادرى بتاريخها .

    • زائر 10 زائر 1 | 4:07 ص

      أنت لم تكمل الحلقات

      عزيزي أنت لم تكمل الحلقات .. النتائج الآثارية للدراسات موجودة لم تشوه ... بل شوهت الإستنتاجات ... وبذلك علينا أن نراجع االنتائج والإستنتاجات ... هل هي مشوهة أم لا .. وللعلم فإن نتائجهم تقول أن البلاد القديم هي عاصمة البحرين القديمة منذ فجر الإسلام .. ويثبتون ذلك بطريقة علمية بعيدا عن الروايات .. وربما من خلالها تستطيع إثبات العديد من الروايات السردية التي لا يعترف به المنهج العلمي ... أقرأ الموضوع بعقلك لا عاطفتك .. وأختر طريق العلم وعن طريقه سوف تثبت ما تريد .. ولدي دلائل عدة علمية لروايات ...

    • زائر 13 زائر 1 | 6:22 ص

      لماذا المنهج العلمي غير مرغوب فيه

      أتفهم رفض البعض للمنهج العلمي، فالمنهج العلمي يظهر الحقيقة بحلوها ومرها ويحدد السلبيات والإيجابيات، وأغلب الناس تريد من يظهر الجوانب الإيجابية ويطمس الجوانب السلبية.. شكرًا أستاذ حسين

اقرأ ايضاً