العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ

نهاية (بلغريف) في البحرين

المنامة - محمد حميد السلمان 

27 ديسمبر 2013

في القرن الماضي، كان آخر ما كتبه في يومياته ليومي الثلثاء والأربعاء، 16 و 17 أبريل/ نيسان 1957، هذه القصاصات: «جمعت كل حاجياتي في أربعين صندوقاً، وبعد الظهر ذهبت مع (مارغوري) لزيارة الشيخ للمرة الأخيرة، ثم حضرت حفلة أُعدت لي مع جميع الناس الذين أُحبهم. كان أصعب شيء هو ترك الناس البسطاء الذين ألفتُهم وأحببتهم، وكذلك كان صعباً أيضاً ترك حديقتي التي تبدو هذه السنة في أجمل صورة».

واليوم ما زالت حكاية نهاية عهد مستشار حكومة البحرين (تشارلز بلغريف) موضع أخذ ورد حول أسباب استقالة المستشار، وهل أُقيل، أم استقال، أم أُجبر على ذلك؟ أم تمت التضحية به من قبل سلطات الحماية البريطانية في الخليج نتيجة عدة عوامل مرت بها الساحة البحرينية الساخنة في منتصف عقد الخمسينات من القرن العشرين، ومن ضمنها تهدئة تلك الساحة ولو مؤقتاً.

الوثيقة التي أمامنا اليوم تأتي ضمن هذا السياق، وهي من سجلات البحرين في الأرشيف البريطاني، ومؤرخة بيوم 13 أبريل العام 1957 وصادرة عن مكتب مدير دائرة الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية، وتعلن عن مغادرة (بلغريف) للبحرين في 17 أبريل من العام نفسه بسبب إصابته «بورم في المثانة» ما اضطره إلى السفر للعلاج في بريطانيا.

و قد أرسلت هذه الرسالة إلى المقيم السياسي البريطاني في البحرين آنذاك وهو (Sir B. Burrows)، ولعدة عواصم إسلامية في المنطقة هي (بغداد، طهران، بيروت، مسقط، الدوحة، ودبي)، وكذلك لعدة مسئولين مدنيين وعسكريين في الخليج والهند. وجاءت تحت رقم 459، وتضمنت ذكر حتى الوقت صباحا ومساءً.

وخلاصة الوثيقة تقول: «إنه نتيجة الفحوصات الطبية التي أجريت في 11 أبريل، فقد أُعلم (السير تشارلز بلغريف)، مستشار حكومة البحرين، بأن عليه أن يتوجه إلى إنجلترا في الحال لإجراء عملية لورم في المثانة وسيغادر مع السيدة (بلغريف) في 17 أبريل. وقد أُعلن من قبل إذاعة البحرين وبرسالة مطبوعة من هنا أنه (أي بلغريف) عائد إلى موطنه لتلقي علاج طبي تخصصي، ولذلك مُنح إجازة مرضية لهذه الغاية. ولا شيء أُعلن عن عودته. وأمنيات الحاكم (الشيخ سلمان) أنه (أي بلغريف) بعد فترة قصيرة من مكوثه في انجلترا أن يعود لإنهاء عمله قبل تقاعده المفترض في شهر يونيو/ حزيران، ولكن في الحقيقة، يوجد شك كبير، كما يبدو، في ذلك، حيث إنه وباحتمال كبير سيبقى تحت الملاحظة (الطبية) لبضعة أسابيع بعد (العملية)».

وبعد أكثر من شهر على صدور تلك الوثيقة ومغادرة (بلغريف) للبحرين، تصدر وثيقة أخري بتاريخ 24 مايو/ أيار العام 1957 من المقيمية البريطانية في البحرين - انتقلت إليها من بوشهر العام 1947- تذكر أن (بلغريف) ترك الوضع السياسي في البحرين مرتبكاً والناس في حيرة، لا أحد يعرف إن كان سيعود أم لا، مع أن ابنه (جيمس) يقول إنه سيعود، إلا أن المستشار المسافر لا يجيب على السؤال، والشيخ سلمان بن حمد تريث في الموافقة على تعيين شخص آخر مكانه، والشيخ عبدالله بن عيسى يريده أن يعود لينهي الفوضى الحالية. ثم تعقبها رسالة ثالثة من المقيمية نفسها بتاريخ الخامس من يونيو تذكر أن حاكم البحرين كان قد أسرّ للمقيم بتاريخ 30 مايو بأنه لا يمانع في تعيين (G. W. R. Smith) سكرتيراً للحكومة، وهو كان يعمل بصورة مؤقتة مستشاراً للحاكم بعد مغادرة (بلغريف)، وأن هذا شيء طيب؛ لأنه سينهي إشكالات مستقبل (بلغريف) في البحرين.

وعلى رغم أن وثيقتنا الأساسية لهذا الأسبوع تذكر أن (بلغريف) كان سيغادر البحرين مع زوجته بتاريخ 17 أبريل، فإنه غادرها بالفعل في صباح الخميس الموافق لتاريخ 18 أبريل 1957 والناس نيام! كما يذكر هو شخصيّاً في آخر سطور يومياته، التي ملأت آلاف الصفحات طوال أكثر من ثلاثين عاماً، إذ يقول: «في السادسة صباحاً غادرت البحرين لآخر مرة، وكنت قد تلقيت هدية من الحاكم قدرها 10:000 جنيه (إسترليني) و5000 جنيه هدية لزوجتي (مارغوري).. وكان راتبي الشهري 200 جنيه وراتب زوجتي 100 جنيه».

لكن المفاجأة التي وضعت كل تلك المراسلات التي صدرت من المقيمية أمام تساؤل مشروع عن مدى علم السلطات البريطانية في البحرين والخليج بما كان (بلغريف) يخطط له بشأن منصبه؛ هي تلك الرسالة التي صدرت بعنوان: «Office Order» في يوم (13 أغسطس/ آب العام 1956) وخاصة بوضع (بلغريف) الرسمي في الحكومة، وهي ستكون مدار التعليق في الأسبوع المقبل.

العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً