نظم المجلس الاقتصادي والاجتماعي لغربي آسيا التابع للأمم المتحدة (الاسكوا) في مقره ببيروت في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013، في الذكرى الثالثة لإشعال محمد البوعزيزي النار في جسده ليشعل بلاد العرب بالثورة... نظم ندوةً بمناسبة إطلاق دراسته بعنوان «وعود الربيع العربي: المواطنة والمشاركة المدنية في المسارات الانتقالية للديمقراطية»، دُعي إليها -إلى جانب مسئولي الاسكوا- باحثون وناشطون من مصر والسودان واليمن ولبنان والبحرين وسورية. وشملت عرضاً للتقرير وأوراق عمل من مصر واليمن، وعرضاً شفوياً عن أميركا اللاتينية وسورية والبحرين، وتغيّب عن الاجتماع ممثلو تونس والأردن وليبيا.
وشملت الندوة جلستين ومناقشة عامة نهاية كل جلسة، ثم جلسة ختامية لعرض الاستنتاجات، حيث عرضت مهى يحيى دراسة الأسكوا التي تناولت بأسلوب نقدي وبحثي الانتفاضات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية، بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ساهمت في إطلاق شرارة الثورات الشعبية في العديد من الدول العربية. كما تناولت تحديات بناء التوافق والحفاظ على التماسك الاجتماعي، وتحقيق عدالة انتقالية في فترة التحول السياسي والاضطرابات الأمنية التي ترافقها، وسبل تعزيز المشاركة الشعبية، وتبني عقد اجتماعي جديد قائم على حقوق وواجبات المواطنة وركائز العدالة الاجتماعية.
في هذا السياق، تسلط الدراسة الضوء على النقاش الدائر حول الدولة المدنية في صياغة دساتير كل من تونس ومصر، والتحديات التي تواجه عملية بناء التوافق على بعض المبادئ الأساسية والدور الذي يضطلع به المجتمع المدني في هذه العملية، وهي محاولة لاستشراف المستقبل. ويقدم هذا الإصدار سيناريوهات محتملة لمسار المرحلة الانتقالية، ويخلص إلى مجموعة من التوصيات الموجهة إلى كل من الحكومات والمجتمع المدني بشأن إنجاح عملية إدارة المرحلة الانتقالية وإيجاد بيئة مواتية لتحقيق الشراكة وبناء التوافق.
مصر... دستور للإخوان ودستور للعسكر
تضمنت الجلسة الأولى التي رأستها مها يحيى (الأسكوا)، ورقة عمرو حمزاوي، (وهو باحث مرموق في مؤسسة كارنيجي، ونائب سابق في مجلس الشعب المحلول، وأستاذ جامعي حالياً في جامعة القاهرة) عرضاًَ مقارناً للدستور المصري المعدل في العام 2012 ومسودة الدستور الحالي والذي سيجرى الاستفتاء عليه في 15 – 16 يناير/ كانون الثاني 2014. انطلق حمزاوي من أنه عارض دستور 2012 المعدّل الذي صدر في عهد حكم الاخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي، وكذلك معارضته لتدخل الجيش في السياسة، بما في ذلك دورهم في صياغة دستور 2013، وهو ما حدا به إلى الاستقالة من جبهة الإنقاذ التي يرأسها محمد البرادعي. وشخّص حمزاوي الوضع السابق بأنه «سيطرةٌ شكليةٌ من الأخوان على الدولة وسيطرةٌ فعليةٌ للجيش على مفاصل الدولة»، وان مشروع الدستور الحالي سيعيد إنتاج نظام ما قبل ثورة 25 يناير 2011، من حيث تحصين الجيش من مراقبة السلطة المدنية، وإعطائه امتيازات لا تصح في دولة مدنية، حيث أن للجيش المصري حالياً أدواراً عسكرية وأمنية واقتصادية وإدارية منذ ثورة 23 يوليو 1952 حتى الآن.
وشخّص حمزاوي السلطة الحالية بأنها تحالفٌ بين العسكر وأصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى، وأنها تستهدف إزاحة المواطن العادي عن الفضاء السياسي والمجتمعي العام، لصالح النخبة العسكرية البيروقراطية الملاكية.
حمزاوي عرض لدور الطبقة الوسطى المصرية في التغيير والتقدم، وهي طبقةٌ غير مرفهة حالياً، لكنها تعرضت من قبل الأخوان المسلمين للتهميش والتخويف من خلال برنامجهم وأطروحاتهم بتبني الدولة الدينية وليس المدنية، وهو ما يقوم به تحالف الحكم الحالي من تهميش للطبقة الوسطى أيضاً. وعزا حمزاوي نجاح الأخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، ثم استئثار تحالف العسكر والبيروقراطية والملاكية بالسلطة الحالية، إلى انقسام وتشرذم القوى الديمقراطية وقوى ثورة 25 يناير الشعبية، وعجزهم عن تقديم برنامج تشاركي للحكم مع قوى أخرى، لبناء نظام جديد على أنقاض النظام السابق. وأوضح حمزاوي أنه في بنية وتقاليد الحكم في مصر، تهميش المرأة وحتى العنف ضد المرأة، ما يعكس عقلية ذكورية عدوانية، تحبذ الحلول العنفية والأمنية على الحلول السياسية والتصالحية.
حين فتح المجال للنقاش، جادل مجدي (جمعية المشاركة المجتمعية المصرية) بأنه لم يكن هناك مفر من تحالف ما بين قوى الثورة التي خرجت للشارع في 30 يونيو 2013 والجيش لإزاحة الأخوان من السلطة، لأنهم لو تركوا فإنهم سيخلقون دولتهم الدينية على غرار إيران، وأن ما جرى ليس انقلاباً. كما جادل بأن دستور 2013 أفضل بكثير من دستور 2012 فيما يخص ضمانات مدنية الدولة والحريات العامة، وأنّه يعكس ميزان القوى الحالي.
من العراق، أشار الكاتب عبدالحسين شعبان إلى غياب التقاليد الليبرالية والديمقراطية بعد إجهاضها على يد الأنظمة العسكرية التي تتالت على البلدان العربية، لذلك فإن التغييرات تأخذ طابع الغلبة والانقلابات، ونوّه إلى ضرورة التفريق بين الليبرالية الأصلية بما تؤكد عليه من قيمة الفرد والحريات العامة، وبين النيوليبرالية التي تقدّس حرية السوق والارتباط بالقوى الخارجية، وطرح مقولته أن شرعيات الحكم العربي القديمة سقطت، لكن الشرعية الثورية الديمقراطية الجديدة لم تترسّخ بعد، وأنه كما قال غرامشي: «لقد مات الماضي لكن الجديد لم يولد بعد».
اليمن والسير نحو الانهيار
من اليمن عرض عبدالباقي شمسان أوضاع بلاده، فيما اعتبره مرحلة من الاضطراب، والثورة التي أسقطت رأس النظام لكنها لم تخلخل حتى بنية النظام، وأن المشروع الخليجي استهدف «إعادة إنتاج النظام السابق القائم على تحالف القوى القبلية والعسكرية وأصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والديني».
وحذّر شمسان من الفوضى الشاملة في اليمن بسبب الانهيار الاقتصادي، حيث أن العجز في الموازنة 6 مليارات دولار، فكيف إذا انقطع تصدير النفط والغاز بسبب أعمال التخريب المتكررة، حيث يشكّل 70 في المئة من موازنة الدولة؛ وكذلك انقطاع الكهرباء بسبب أعمال التخريب أيضاً والذي يترتب عليه شلل الحياة الاقتصادية والخدمات والحياة اليومية. وشخّص شمسان ذلك بأن ما يجري من تخريب على يد «القاعدة» وقوى قبلية ليست أعمالاً عرضيةً، وأنها جزءٌ من مؤامرة للإجهاز على الثورة برمّتها.
وأجمل شمسان الوضع اليمني بأنه «انتقال من العصبية للعصبة»، منوّهاً إلى أن الرئيس السابق علي صالح وعقبه كانوا ممسكين بمفاصل الدولة، خصوصاً القوات المسلحة وأجهزة الأمن وأجهزة الرقابة، وأن إزاحتهم تركت فراغاً كبيراً أتاح للقاعدة والحوثيين وقوى قبلية التحرك بحرية مع غياب الأمن، وقيامهم بعمليات التخريب والاغتيالات، والسيطرة على مناطق بأكملها. وعرض شمسان للحوار السياسي الحواري حيث التحاور الحقيقي غائب، وحيث الغلبة للقوى التقليدية القبلية والمناطقية والسياسية التقليدية، وتغيّب لقوى التغيير والثورة. كما عرض لدور القوى الخارجية خصوصاً مشروع مجلس التعاون الخليجي، الذي يمثّل خريطة الطريق، ووصفه بأنه «خطة لإعادة إنتاج النظام السابق»، ليلتحق اليمن بمجلس التعاون. أمّا الدول الست الكبرى فقد تركت اليمن لمجلس التعاون الخليجي. كما عرض لدور الجارة في تمويل ودعم قوى التمرد سواء الحوثيين في الشمال أو الحراك في الجنوب، حيث يفتقد الحراك الجنوبي إلى قيادة موحدة وبرنامج واضح. وحذّر من أنه إذا لم ينجح الحوار والخروج من وضعية المراوحة، فإن اليمن سائرٌ نحو الانهيار الشامل.
في تعقيبها، أكدت دعاء قاسم من مصر، على أن الأخوان المسلمين كانوا سيفوزون في أي انتخابات حتى لو توحّد الديمقراطيون، وان دستوري 2012 و2013 سيئان وأنها ترفضهما، كما رفضت إقصاء التيار الديني من الفضاء السياسي، وأن المستقبل في مصر ضبابي. وعرضت إلى مفارقة تصويت ممثل المجلس القومي لحقوق الإنسان في لجنة صياغة الدستور إلى جانب المحاكمات العسكرية للمدنيين.
مناقشات ومداولات
من جانبي، تساءلت عن عدم حدوث أي تغيير في بنية وسياسات ومواقف جامعة الدول العربية، بعد كل التغييرات الهائلة في الوطن العربي إثر الربيع العربي، بل إنها لم تطرح حتى ضرورة إصلاح الأنظمة العربية وإصلاح الجامعة العربية، وكذلك استمرار هيمنة مجلس التعاون الخليجي على الجامعة، والتبعية للموقف الأميركي عربياً وإقليمياً.
السيد ساوي من لبنان، تساءل: أين ذهبت القوى التي صوّتت للأخوان وأعطتهم الأغلبية؟ كما لاحظ أن قمع العسكر للأخوان دفعهم إلى طريق الإرهاب والسرية.
أما رغيد الصلح (لبنان) فقد عرض لإشكالية غياب الثقافة الديمقراطية والقبول بتداول السلطة ديمقراطياً وسلمياً قبل الربيع العربي وبعده، فهل ما حدث ربيع فعلاً؟
الأمين العام للشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية، زياد عبدالصمد، عرض لجهود الشبكة التي تضم المئات من منظمات المجتمع المدني في الدول العربية، في مواكبة الربيع العربي وإسهام الشبكة ومنظماتها الأعضاء فيه منذ مارس/ آذار 2011، أي بعد شهرين من ثورتي مصر وتونس، حيث تتابعت الندوات والورش التفاعلية واللقاءات الميدانية في كل من مصر وتونس.
بعدها أعطي المجال لعمرو حمزاوي للرد، فأكد أنه كان ناقداً ومعارضاً لحكم الأخوان، كما هو معارضٌ لحكم العسكر، وانه ليس قدر مصر أن يحكمها إما الأخوان أو العسكر. ودعا إلى معارضة سلمية لقوى التغيير والثورة. أما عبدالباقي شمسان فأوضح أن قوى الثورة اليمنية تحتاج إلى صحوة أخرى وثورة جديدة لأن القوى التقليدية استولت على الثورة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ
لا يتوقع أى تغيير..............
المقال شرح لمحاضرات. النتيجة: فى كافة الدول التى حصلت فيها ثورات و انقلابات متتالية لم يحصل المواطن على أبسط حقوقه. السبب بأن كل من يصل الى الحكم يؤسس حكمه على الموجود و الذى أرسخ عناصره، الإقتصاد و المعايير الأجتماعية. طالما هذين الأمرين لم يتغيرا فإن أى تغيير لا يتوقع بعد أية إنقلاب أو ثورة. الإنسان يخدع نفسه بآمال بعد كل جديد و دون أن يعلم فإن التغيير فى القيادة فقط و هو يجرى خلف السراب.