ورد في التراث الإسلامي عن أبي ذر الغفاري «عجبت ممن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه»، وعن علي بن أبي طالب «ما مُتّع غني إلا بما جاع به فقير»، وعن قول عربي «الأغنياء منعَّمون والفقراء صابرون»، ترى ما مناسبة استحضار هذه الأقوال؟
المناسبة تكمن في اللغط الدائر حول قرار الحكومة الأخير رفع سعر الديزل بمعدل (%80) تدريجياً، بدءاً من يناير القادم، حيث برّرت قرارها ببساطة شديدة مثيرة للجدل والاستفزاز، بالحفاظ على الثروة الوطنية من التهريب الذي يكلف الدولة الملايين، لاسيما وهو يعد الأرخص مقارنةً بسعره في دول الخليج الأخرى، ما يجعله مرغوباً فيهرب بكميات ويباع في السوق السوداء حسب الحكومة. هل هذا كل ما في الأمر؟
بالطبع لا! وقبل التداول في تخلّي الحكومة عن الدعم، يجوز للمواطن الاستفسار عن هوية المهربين؟ كيف يهربون الديزل؟ وإلى أين في ظلّ وضع أمني محكم؟ على أي حال ليس هذا موضوعنا الآن.
معضلة رفع الدعم عن السلع وفرض الضرائب على المواطن تستوجب عرض بعض الحقائق والمؤشرات ذات الصلة، وهي:
- قول منسوب إلى الاقتصادي يارمو كوتيلين في مجلس التنمية الاقتصادية نشر في صحيفة «The National» الإماراتية فحواه: «نظراً للصورة على المدى الطويل، هناك خطوات اتخذتها الحكومة في إطار نهج من ثلاث شعب، تتمثل بخفض كلفة الإنفاق العام باستهداف الإعانات، ثم النظر في المجالات الممكن فرض رسوم عليها لزيادة إيرادات الحكومة وتنويع مصادرها». إثر قوله، توقع البعض أن الرسوم ستفرض مجدداً على سوق العمل بعد تجميدها، أي على الشركات مقابل توظيفها للعمالة الوافدة. وماذا أيضاً؟
- أيضاً، تقرير للوكالة الدولية «ستاندرد أند بورز» للخدمات المالية يكشف عن توقعات مستقبلية مستقرة للاقتصاد، إلا أنها تتوقع بلوغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (%1) فقط بين عامي 2014-2017 وهي نسبة برأيها منخفضة مقارنةً بنسبة الدول ذات الثروة المماثلة.
- مؤشر تأثير هبوط أسعار النفط بصفته مصدراً رئيسياً للدخل القومي إلى (109 دولارات للبرميل)، لاسيما وقد احتسب سعره في الموازنة العامة بـ(119 دولاراً للبرميل)، ما ينذر -حسب نائب برلماني سابق- باحتمالية مواجهة عجز كبير في الموازنة العامة.
- حقيقة تجاوز الدين العام للسقف القانوني المحدد بقانون رقم (55) لسنة 2012 حاجز الـ (5 مليارات د.ب) بسبب ارتفاع المصروفات، علماً أنه ارتفع 4 مرات خلال الفترة 2009-2012 (من 1.9، 2.5، 3.5، 5 مليارات د.ب) على التوالي، والمتوقع ارتفاعه مجدّداً نهاية العام نحو (6 مليارات د.ب).
- الحكومة تحصل على (%15) من دخلها من الرسوم المفروضة على الخدمات المقدّمة للمواطن والشركات، وقد اقترضت حسب المصرف المركزي نحو (مليار و64 مليون د.ب) ما يعادل (2.8 مليار دولار)، خلال 3 شهور من يوليو-سبتمبر 2013.
- وفي سبتمبر الماضي أقر تحرير سعر بيع الأسفلت بحسب التسعيرة العالمية اعتباراً من يناير القادم، فضلاً عن ارتفاع رسوم السجل التجاري عام 2012 من (30 إلى 50 د.ب) أي بنسبة (%66.67).
- وحقيقة فاقعة أفصح عنها وزير الدولة لشئون الكهرباء والماء في مقابلةٍ له «أن الدولة تتحمل كلفة (%80) من المياه و(%50) من الكهرباء، ما يضع الدولة أمام تحديات»، إذ اعتبر المراقبون هذا الإفصاح مؤشراً وتمهيداً لتقليل الدعم تدريجياً في المستقبل. كما وحسب نائب برلماني حالي «أن إجمالي الدعم الحكومي لهذا العام بلغ (1500 مليون د.ب)، أكثر من نصفه خصص لدعم النفط والغاز (880 مليون د.ب)»، ما جعل نائباً سابقاً يدعو الحكومة لإعادة النظر في الدعم المدفوع للشركات الحكومية من النفط والغاز، والمقدّر بـ (600 مليون د.ب سنوياً) مقارنةً بما يوجّه للمواطن (200 مليون د.ب سنوياً) في الوقت الذي يتم فيه برأيه الصرف بلا حدود على الجانب الأمني.
- الجهاز المركزي للمعلومات أفاد أن معدل تضخم أسعار المستهلك بلغ حتى نوفمبر 2013 (%3.2)، وبرغم استقرار أسعار المجموعات المكوّنة للرقم القياسي لأسعار المستهلك برأيه، إلا أنها ارتفعت بين أكتوبر إلى نوفمبر بالنسبة لمجموعة الطعام والشراب (من %2 إلى %4.9) وللصيانة والتجهيزات (من %4 إلى %7.3)، فيما بلغت زيادة مجموعة المسكن والمياه والكهرباء نسبة (%7.6) والسلع والخدمات نسبة (%4.1). ومن هنا... لو جمعنا العناصر أعلاه كمؤشرات متشابكة متفاعلة مع بعضها البعض فإلى أين نصل؟
نصل إلى واقع معقد وحساس يعبر عنه سلسلة إخفاقات متتالية يبرزها حجم الدين العام بعد تجاوزه للحدود القانونية، برغم ارتفاع عائدات النفط ومعونة المارشال الخليجي (15 مليار دولار) على مدى عشر سنوات. كما يعزو بعض الاقتصاديين هذه الإشكالية إلى إخضاع الاقتصاد للسوق الحر واستشراء الفساد الذي أماط اللثام عنه تقرير ديوان الرقابة الرسمي، وتقارير أهلية أخرى.
على هذا الحال، وضع المواطن المسكين يده على قلبه ولايزال، وهو المسيس يلتقط إشارات التصريحات ونفيها والحقائق كمؤشر للمتوقع حدوثه على المدى القريب والمتوسط بتوجه الحكومة نحو رفع الرسوم والفواتير، وربما فرض ضرائب مستحدثة بهذه الحجة أو تلك، تتضمن المداخيل وأسعار المحروقات والمواد الغذائية وغيرها. أمّا النفي الرسمي كون إلغاء دعم السلع «غير مطروح الآن»، (لاحظوا كلمة الآن) فهو لا يعني البتة استبعاد طرحه وتطبيقه في المستقبل القريب أو المتوسط، فما الذي يمنع ذلك؟ لا شيء في إطار نموذج الدولة الريعية الغنائمية، حيث الاقتصاد المشوّه وانعدام الشفافية والتشاركية مع المواطن وترسيخ تبعية السلطة التشريعية.
في السياق ثمة من لا يستبعد حدوث ردود أفعال قوية واحتجاجات للمواطنين ستضاعف من التأثيرات السلبية الناتجة عن استمرار الأزمة السياسية المراوحة دون حل، إضافةً إلى التشكيك في قدرة نواب المجلس على صد هذه القرارات لصالح العامة بسبب ضعف أدائهم العام وعدم قدرتهم على مساءلة الحكومة وأعضائها في أي شأن، خصوصاً مع استفراد الأخيرة الفاقع باتخاذ هذه القرارات التي لم تتوافر على الشفافية والمساءلة والنقاش الشعبي حتى اللحظة. هنا يجد قيادي معارض «أن فرض أي ضرائب بدون قانون يعد مخالفاً للدستور»، محذّراً أن الاقتصاد يترنح بسبب السياسات الخاطئة التي يراد للمواطن تحمل تبعاتها. هل الاقتصاد يترنح فعلاً؟
نعم، ليس الاقتصاد وحده يترنح، إنما جيوب المواطنين تترنح شاكية مرددة: «الأغنياء منعَّمون والفقراء صابرون»، إلى متى يصبر المواطن على تحمل سياسات التخبط وتبعاتها؟
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4127 - الثلثاء 24 ديسمبر 2013م الموافق 21 صفر 1435هـ
الضرائب موجودة
الضريبة الغير مشرعة هى ضريبة الدخل التى تفرض على دخل الفرد. لكن الضرائب موجودة و تسمى رسوما. للعلم إدخلوا وزارة مثل العدل و ستدفعون الرسوم من مكتب الى آخر. هكذا فى الإدارات التابعة لوزارة الداخلية مثل المرور و الجوازات. لو حسبنا مجموع هذه الضرائب نجدها مضاعفة مما تفرضها الدول التى تكسب مدخولها الأصلى بواسطة ضريبة الدخل. العملية فقط حسابية. لأجل معرفة أكثر إبحثوا عن المعفييون من الرسوم.
مقال جميل وواقعي
الإضراب قادم لامحال بعد هذه الضرائب
المواطن هو من يدفع الثمن دائما !!
كثيرة هي أخطاء الحكومة وكثيرة هي ملفات الفساد والسرقات للمال العام والحكومة من حرصها على الشراكة المجتمعية تشرك المواطن في دفع ديونها وحل مشكلة عجزها عن طريق رفع الاسعار والمواطن مطحون بين قلة الراتب وغلاء الاسعار !!