صحوتُ يومٍ الجمعة في السادسة صباحاً على ضجيج صوت آلة لحفر الشارع أمام بيتنا مباشرة، وكنت قد سهرت ليلتها، يعني يمكن نمت أربع ساعات، لتأتي بعدها تلك الآلة الجبارة لتقلقني وفي يوم الإجازة.
ذهبت لأسأل من يقوم بالحفر (وكان آسيوياً) وسألته بالإشارة، وعلى شوية معلومات هندية تعلمتها، كيف لك أن تحفر في يوم جمعة وفي هذه الساعة المبكرة، ففتح فمه مندهشاً وغير مستوعبٍ لسبب انزعاجي، وعندما سألته عن رئيسه أجابني: «أرباب نائم»... طبعاً هو نائمٌ ويزعجنا، وقد يكون ضامناً قُدراته لهذه الجرأة الصباحية، وتساءلت هل هنالك من المسئولين ممن يصحو في مثل هذه الساعة ليطمئن على راحتنا، وليتأكد بأنه لا يوجد مخالفون وهل يوجد هنالك قوانين لمنع العمل في مثل هذه الأوقات أصلاً، أو غرامات لمثل هذا الإزعاج أو حينما يحفرون الأرصفة والطرقات لمد الوصلات والأنابيب، ولا يتركونها إلا وهي مشوهة ومبتورة ولا تفي بالمواصفات لإلزام المقاول بساعات العمل والضجيج كي لا ينزعج الجيران.
أسئلة كثيرة دارت في ذهني عن المسئولية، أهي البلدية، أم هي جمعية حماية المستهلك؟ والتي كبعض الجمعيات الأخرى، والتي لا تجتمع ولا حتى للانتخابات أو لاختيار هيئة إدارية جديدة، والتي لم نعد نسمع عن أنشطتها شيئاً يستحق الذكر، وبالمناسبة لقد سمعت عن العديد من الجمعيات والتي تُسجَل وتنشط قليلاً، ومن ثُم تختفي من الوجود ولا يبقى منها سوى الرئيس ليمثل الجمعية ودون نشاط أو اجتماعات، كما تنص عليها قوانين الجمعيات.
وأعود بعد تلك المقدمة، إلى قصة المقاولين والذين يَعيثون في الأرض، وأتساءل إذا ما كان هناك جهة لتحمي فيها حقوق المواطنين، من الاستغلال وسوء وتأخير الأعمال، وكَلمني العديد من القراء عن المشاكل التي تحدث لهم أثناء البناء أو لترميم بيوتهم، وحجم الأخطاء التي يرتكبونها.
إن معظم المقاولين هم من الأجانب، ومنهم وفيهم العمال الآسيويون، وربما أن الكثير منهم من عمال الفري ?يزا أو ممن استأجروا سجلات للمقاولات، ويشترك معظمهم مع قلة الخبرة في المهنة... أمّا العمال فمنهم من هرب من (المقاول البحريني)، وهم يعملون خلف الستار، ويقيمون مع ربعهم من الهاربين، ويتعاونون مع بعضهم البعض، بسرعة الصاروخ.
وأصبح النقال هو الجهاز الساحر العجيب لمعظم التعاملات الرسمية وغير الرسمية أو المرخص لها، وهم ينتشرون في كل مكان، وبخبراتٍ محدودة ومتدنية جداً، ويباشرون المقاولات البنائية وبخبراتٍ محدودة، وأنا ممن قد أصابهم الراش والتعامل مع هذه الفئة، المُتعبة أثناء تجديد عيادتي وجدتني وكأنني أعيش في آسيا الوسطى مع جحافل العاملين الآسيويين، ويأتونك بكل التخصصات البنائية، وتقع في المصيدة ما بين الأسعار وتدني المستوى في التصليح، وعن طرقهم في المراوغة وتمطيط وتأخير الوقت، وأنت وشطارتك.
كانت الأرقام والكشوفات التي تُقدم لي لا تُمثل صورةً واضحة للعمل الذي يقومون به، بالإضافه إلى أنهم يطلبون نصف المبلغ المطلوب كدفعة أولى وثم يباشرون قليلاً من الإصلاحات بعد عمل بعض التكسيرات هنا وهناك، بحيث ضمنوا أنه يصعب عليك تغييرهم حينها، ثم يعلقون كأشهر وأنت تنتظر اليوم وباچر سينهون التصليحات، ثم يأخذون أعمالاً في مكانٍ آخر ويمارسون معهم مثلما مارسوه معك، وهكذا كي يضمنوا استمرار العمل والكل متعذب، ولا يدري شنو سالفة التأخير، ولماذا يأتي يوم ويتغيب يومين.
لقد اضطررت إلى سؤال بعض المعارف وذوي الخبرة كي يساعدونني، بسبب مماطلتهم في إنهاء أعمالي ورداءة الإصلاحات، وأوضحوا لي أنني قد وقعت فعلاً في ورطة الابتزاز البنائي، وصُعقت للفارق الكبير الذي وجدته في الأسعار بعد تدخلهم، وأخذوا في تعديل الأسعار المبالغ فيها والتي كانوا قد طلبوها مني قبلاً وقمت بدفعها، علاوة على تعديل الأخطاء الكهربائية التي كادت تخرب التوصيلات في العيادة.
والعجيب أنه تمكن من أحضرته وبشطارته وبمعرفته بالمهنة وحقوقه، من البدء في احتساب واسترجاع قيمة الأعمال التي لم ينفذوها والمبالغ فيها، وبتنزيل المبالغ لما قاموا به وبارتدادٍ عكسي.
ولم يكن الأمر سهلاً وكانت الأوراق والكشوفات الداعمة شاهداً من حسن الحظ، وكان بإمكاننا رفع الشكاوى ضدهم لهذا الغش التجاري السائب وغير الواضح، لولا قبولهم بالَحَكم الجديد، لتقييم ما تم وحيث استرجعنا بعضاً لا بأس به مما دفعناه من مبالغ كأخطاء، ولكن ما خسرناه من الجهد والوقت لن نتمكن من استرجاعه.
وعلى أية حال لقد اقتنعت بأنهم لهم قوانينهم وطرُقهم في كسب الزبائن ويصعب على المواطن العادي اكتشاف ذلك، إلا إذا تكاثفت جهودنا جميعاً في محاولة تغيير المنظومة كاملاً.
وإنني أتساءل لماذا نسمح بمزاحمة هذه العمالة المُسَرحَة وغير المدربة والتي تعمل دون قوانين البلاد، وهل بالإمكان إيجاد بديل لهم وخلق جهة رسمية وجمعية للرجوع إليها للمساهمة في وضع الضوابط على الأسعار والجودة على الأقل، وكيف لنا أن نتعرف أكثر على هذا المجال الواسع (من مقاولات البناء).
وأود أن أقترح لسد هذه الفجوة بمشروعٍ وأتخيله كالحلم الذي أتمنى تحقيقه، وهو عمل ورشات أو مدارس لتدريب البحرينيين (كمدرسة الصناعة) وتشمل (الجنسين وعلى مختلف الأعمار) وبدعمٍ من الدولة، بحيث تكون بمبالغ رمزية كي يتمكن الكبار والصغار للالتحاق بها، ولنشر الوعي للتعامل مع لوازم وضرورات البناء حتى ولو كانت (من باب الهواية للبعض والعمل على إصلاح بيوتهم ومحلاتهم بأيديهم) كالأجانب لديهم ما يسمونه (do it yourself)، واعتبارها الجهة المسئولة وتعطي للمتدربين شهادات في الخبرة الفنية للبناء من صباغة وسباكة وكهربائيات... إلخ.
وبذا تتطور الأيدي البحرينية من الجنسين، وينتشر الوعي للعمل اليدوي وتطويره لتجمع الخبرات في هذه المهن ذات المكاسب الجيدة والخيالية أحياناً، وبذا وربما نتمكن بعدها من التخفيف من العمالة الأجنبية السائبة، وخاصةً غير المدربة، وعمل امتحانات لإعطائهم شهادة تخصص في مثل تلك الأعمال، ونشر الوعي لدى المواطنين وبألا يتعاملوا إلا مع من كان لديه ترخيص رسمي وشهادة خبرة بالتخصص المهني في حرفة البناء بدعمٍ من الدولة وإشرافها، وكأية مهنة أخرى لها ضوابطها وأصولها.
وأتمنى التواصل مع هذه الفكرة لتحقيق هذا الحلم، وعلّها تبدأ من أحد المدراء وأصحاب الشأن في الحكومة، ولتشجيع أبنائنا لتحمل جزء من المسئوليات العامة والمهمة، والذين باتوا كالشجرة المائلة أمام رياح الأجانب، عوضاً عن أن نبقى نائمين في كهوف الجهل والكسل.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4124 - السبت 21 ديسمبر 2013م الموافق 18 صفر 1435هـ
مقال موجه في العمق
بلادنا تغرق وتعود للوراءوكل يوم مشاكلنا تزيد صراحه ويين رايحين وهاالمشاكل ترا تصيب الكل ويجب تحريك الحكومات كي تساهم في حماية المجتمع من محدودي الخبره مثل هؤلاء
مقال جيد
عل المسؤلييين يتبهون فكرة البحرنه ضروريه جداً لان الديره صايره هنديه
«أرباب نائم»... طبعاً ما يصير
ارباب في نوم ... ارباب في سلييب
لماذا
لماذا هذه النبرة الاستعلائية على الاجانب؟ اليس الاسيوي خلقة الله؟ اليسوا هم الذين يبنون لنا بيوتنا وشوارعنا؟
اللاوعى الإجتماعى
القيم الإجتماعية لاتعتبر العمل الميدانى فى الهواء الطلق محترما. لذلك لايتوجه المتخرجون من المدارس الصناعية للعمل فى الحقل الذى تدربواعليه وهوالنجارة و الحدادة والكهرباء وغيرها و يحبذون العمل المكتبى لسببين: الأول الراحة البدنية و ثم النظرة الأجتماعية. طالماالتفكيروالمغرسات الذهنية فى المجتمع لم تتغير لا يمكن التوقع من البحرينين التوجه لهذه المهن. الخبرة العملية يحصلها الأجنبى وتغادرمعه الى بلده وستظل دول الخليج محتاجة لهذه الأيدى التى تحتقرفى كل لحظة بواسطة المواطنين إعترفوابإهانتهم أولم يعترفوا
ليست بهذه السهولة......!!!
العلاقة بين المالك و البنائيين أو المقاولين و المهندس و المقاولين ، كلها موضحة و مشروحة فى الشروط العامة للمقاولات و التى تتبناها المكاتب الإستشارية و إدارات الأشغال فى كل الوزارت. لكن الشروط هذه تقف عاجزة أما القوة و تنفذ على شكل مغاير حسب إرادة القوى و يصبح الحق و الإنصاف هامشا غير مهم. بالإضافة يجهل كل الاطراف حقهم و حقوقهم. إن لم تصدقونى إعملوا دراسة ميدانية و إسألوا العاملين فى حق البناء إن كانوا قد قرؤا شروط المقاولات العامة؟ الجواب لربما 1%