العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ

التأثيرات السندية والميلوخية في دولة دلمون

هاجر العديد من سكان حضارة وادي السند إلى سومر على فترات مختلفة من الزمن. وقد كونوا لهم قرى في بلاد الرافدين عرفت لاحقاً باسم قرى ميلوخا، وعملوا كمترجمين وعمال وتجار.

وقد انتشروا في بلاد الرافدين وخصوصاً بعد سقوط سومر في قبضة سرجون الأكدي في العام 2300 ق. م. ويتزامن سقوط سومر مع بداية تأسيس دولة دلمون في موقع رأس القلعة على جزيرة البحرين الكبرى.

وفي هذه الحقبة شاع صيت الميلوخين، وظهر ذكرهم في النقوشات التي عثر عليها في حضارة وادي الرافدين ضمن عدة مصطلحات، منها: مالك سفينة ميلوخي، ومترجم ميلوخي، ورجل من ميلوخا وغيرها من المصطلحات (Parpola 1977).

والمرجح أن الفضل في تأسيس دولة دلمون يعود إلى شعوب من حضارة وادي السند أو قرى ميلوخا في وادي الرافدين، وقد تعايشت هذه الجماعات مع شعوب سامية من شرق الجزيرة العربية وأسسوا هذه الدولة. وقد نقلت الجماعات الوافدة من السند وميلوخا نظام الأوزان الخاص بحضارة وادي السند والذي تم تطويره في دلمون وعرف باسم دلمون (مينا دلمون)، كما قاموا بنقل تقنية صناعة الأختام الدلمونية المبكرة؛ فيلاحظ أن أول الأختام التي صنعت واستخدمت في دلمون - البحرين هي الأختام الدلمونية المبكرة التي تحمل النقوش السندية، وتعرف باسم الأختام الدلمونية المبكرة ذات الطراز السندي. هذه الأختام يرجح أنها بدأت تُصنع في دلمون ما بين الأعوام 2100 و2050 ق. م. ثم تطورت هذه المجموعة إلى المجموعة الأخرى من الأختام الدلمونية المبكرة التي لا تحتوي على النقوش السندية، والتي تطورت لاحقاً لتعطي الأختام الدلمونية المتأخرة التي تحمل التأثيرات الفراتية أو الأمورية.

ولكن حتى بعد تولي الأموريين السلطة السياسية في دلمون بعد العام 2000 ق. م. بقيت هناك مجموعات ضمن شعب دلمون تضم شعوباً ذات أصول سندية وأخرى متثاقفة مع الشعوب السندية بالإضافة إلى أحفاد هؤلاء الذين حافظوا على هويتهم، يدلنا على ذلك استمرار التأثيرات السندية في الأختام والفخار حتى قرابة العام 1800 ق. م. فقد عثر على أختام تعود إلى الحقبة 2000 – 1800 ق. م. تحمل أشكال ورموز وعلامات سندية. وقد أثارت هذه الرموز العديد من الأسئلة التي نوقشت من قبل العديد من الباحثين دون التوصل إلى نتيجة قطعية لرموزها. وأيّاً تكن الإجابة على تلك الأسئلة فمن الواضح أن وجود هذه الرموز دليل على تواجد شعوب متثاقفة (سامية - سندية) في دلمون، وهم أحفاد المهاجرين الأوائل من حضارة وادي السند والذين كونوا لهم قرى في بلاد الرافدين عرفت باسم قرى ميلوخا.

تقسيم التأثيرات السندية في دلمون

قام Parpola بوضع نظام قسم فيه التأثيرات السندية في الشرق الأوسط بصورة عامة، وهو يعتمد على مدى أصالة الرموز والأشكال السندية المنقوشة التي يعثر عليها خارج حضارة وادي السند وكذلك مدى تجانس الرموز مع بعضها بعضاً وهل تكوِّن تلك الرموز معنىً معيناً في اللغة السندية. وعلى هذا الأساس وضع مقياس من ست درجات، وقد تم تطبيق هذا المقياس من قبل Parpola و During-Caspers على الأختام التي عثر عليها في دلمون - البحرين (Parpola 1994), (During-Caspers 1995).

قسم Parpola الأختام الدلمونية المبكرة التي تحمل النقوش السندية إلى ست مجموعات من الأختام بحسب التأثيرات السندية. ويمكن تقسيم تلك المجموعات الست في ثلاث مجموعات. تضم المجموعة الأولى الأختام التي عليها نقوشات سندية تمثل تسلسلاً لغويّاً له معنى في حضارة وادي السند، وهذه تقسم إلى ثلاث درجات: أختام هارابية أصلية، أختام قد تكون هارابية أصلية، وأختام هارابية.

أما المجموعة الثانية فهي الأختام الناتجة عن عملية التثاقف (الدلموني - السندي)، فهي تحمل نقوشاً لرموز سندية إلا أن هذه الرموز لا تمثل تسلسلاً لغويّاً له معنى في حضارة وادي السند. أما المجموعة الثالثة فهي أختام تعتبر تقليداً لأختام حضارة وادي السند وربما هي ناتجة عن عملية تثاقف أو ربما هي مجرد تقليد (Parpola 1994). وما يهمنا هنا هي المجموعة الأولى التي يمكن إضافة أختام أخرى إليها غير الأختام الدلمونية الدائرية الشكل.

الأختام الهارابية الأصلية في دلمون

وهي أختام سندية بامتياز؛ فهي تحمل نقوشات سندية مطابقة لما عثر عليه في الهارابا (في وادي السند) أي أنها مطابقة للأختام السندية، مع وجود اختلاف واحد، هو أن سطح الختم ليس مربعاً (كما في الأختام السندية) بل دائري. والمرجح أن صانع هذه الأختام من المهاجرين الجدد إلى دلمون من وادي السند.

ومن الأختام الهارابية الأصلية التي عثر عليها في البحرين ختم دلموني مبكر، بالإضافة إلى ختمين موشوريين (على شكل منشور ثلاثي). كلا الختمين الموشوريين عليها رموز سندية ذات معنى. ولكن للأسف لا يمكن تحديد تاريخ تصنيعها (During-Caspers 1995). أضف إلى ذلك، أنه عثر على ما يدل على وجود ورشة عمل محلية في قلعة البحرين لتصنيع هذه الأختام الموشورية (Kjaerum 1994). كما أنه عثر على أختام موشورية أخرى في سار لكنها لا تحمل رموزاً سندية لكنها متأثرة بحضارة وادي السند وسنتطرق إليها لا حقاً.

دلمون والسند وبكتريا - مارجيانا

سبق أن تطرقنا إلى تأثيرات حضارة بكتريا - مارجيانا التي امتد انتشارها حتى إيران ووادي السند وامتد تأثيرها حتى دلمون.

وقد قامت During-Caspers بدراسة العلاقة بين بكتريا - مارجيانا وحضارات الخليج العربي، ونشرت عدة بحوث رصدت فيها تأثيرات هذه الثقافة في دلمون (During-Caspers 1992, 1994, 1995, 1996). وقد خلصت هذه الدراسات إلى عدة نتائج يمكن تلخيصها كالآتي: أولاً- إن ما عثر عليه في البحرين من أدوات تعتبر خاصة بحضارة بكتريا - مارجيانا، هي في الواقع ليست أدوات مستوردة وإنما هي «تقليد»، أي أنها صنعت في دلمون بأيد دلمونية؛ ولذلك فإن هذه الأدوات لها هوية مختلطة بين حضارة بكتريا - مارجيانا وبلاد الرافدين مع وجود لمسة دلمونية خاصة (During-Caspers 1996). وهذا يعني أنه لم تحدث هجرات من بكتريا - مارجيانا إلى دلمون وإنما حدثت عملية انتشار لبعض معارف واختراعات هذه الحضارة إلى دلمون؛ وذلك بسبب التجارة النشطة بين هاتين الحضارتين وكذلك بين دلمون والحضارات الأخرى المتأثرة بحضارة بكتريا - مارجيانا (During-Caspers 1996)، وتشمل تلك الأدوات أختاماً أيضاً؛ حيث عثر على ختمين موشوريين في موقع سار الأثري، هما بلا شك من تأثيرات هذه الحضارة، والمرجح أنها صنعت في دلمون (During-Caspers 1995).

ثانياً - يمتد تأثير حضارة بكتريا - مارجيانا بين العامين 2200 و1800 ق. م. وأخيراً، فإن المرجح أن تأثيرات حضارة بكتريا - مارجيانا جاءت إلى دلمون من مستوطنات تقع ضمن حدود حضارة وادي السند (During-Caspers 1995).

وتضاف إلى كل ذلك، دراسة Carter التي توضح وجود فخار من أصل سندي في موقع سار الأثري، وهذا يؤكد امتداد التأثيرات السندية حتى العام 1800 ق. م. (Carter 2001).

العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً