العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ

ليلى الأطرش: نلجأ للرواية حين نفقد الثقة بالتاريخ الرسمي

في محاضرة بمركز الشيخ إبراهيم

تصوير عقيل الفردان
تصوير عقيل الفردان

في محاضرتها عن الرواية والتاريخ بمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، أرجعت الروائية ليلى الأطرش اتجاه الكتَّاب والقراء للرواية التاريخية إلى عدم الثقة بالتاريخ الرسمي، مشيرة إلى أن الرواية التاريخية تستهوينا حين نفقد الثقة بالتاريخ الرسمي «فتاريخنا يكتب لمصلحة الحاكم أو لمصلحة الغالب للأسف، وليس هناك ثقة بالتاريخ المدون الرسمي؛ لهذا لقيت الرواية التاريخية رواجاً كبيراً منذ ظهرت في عالمنا العربي مع جورجي زيدان».

وأكدت أن استعظام التاريخ وشخوصه راجع إلى الحنين إلى الماضي وانكسارات الراهن، ومثلت لذلك بمجموعة مختلفة من الروايات التاريخية.

في بداية محاضرتها عن الرواية والتاريخ اختارت الأطرش أن تسوق مجموعة من الأسئلة، تاركة للاستفهام أن يقترح الإجابات «فالرواية إذا تداولت التاريخ، واشتغلت في فضائه، تضعنا أمام إشكالية كبيرة، هل هي رواية أم تخيل تاريخي، وما الحدود الفاصلة بين السرد والتخيل التاريخي، وهل على الكاتب الروائي أن ينقل التاريخ كما حدث أم أنه يستطيع أن يخلق فضاءً آخر يحرك فيه الشخصيات دون أن يؤثر على الحدث التاريخي».

عمر الرواية العربية

عن عمر الرواية في عالمنا العربي أشارت إلى أنه «إذا اعتبرنا أن أول رواية هي رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل فمعنى ذلك أن عمر الرواية العربية هي قرن وعقد واحد من الزمان، بينما الأصح أنها بدأت منذ ما يزيد على قرنين وذلك في بداية القرن التاسع عشر العام 1816 مع رواية «حسن العواقب» لزينب حنفي، ومعنى ذلك أن عمر الرواية العربية هو قرنان وعقد من الزمان».

وخلصت الأطرش إلى أن «نماذج الرواية التاريخية الأوروبية حددت مسار الرواية، والنقد لم يظهر مؤثراً إلا بعد رواية جمس جولس «عولييس»، هذه الرواية اشتغل عليها النقد وفككها وأصدر عدة أحكام ونظريات نقدية، والمؤسف أن معظم هذه النظريات الغربية تطبق على النصوص العربية؛ لأن النقد العربي لم يستطع إلى الآن أن يأتي بنظرية خاصة به يمكن أن تأخذ في الاعتبار الخصوصية الثقافية والفكرية التي تسود في عالمنا، والتي تؤثر الروائيين العرب جميعاً».

وأضافت أن «جورج زيدان حين كتب الرواية التاريخية أكد أهمية تخيل قصة غرامية مشوقة من بداية الرواية إلى نهايتها حتى يقبل عليها القارئ متشوقاً إلى آخرها، ويمكن اعتبار زيدان أول من عرف بالرواية التاريخية بل إن الكثير من الروائيين بدأوا حياتهم الروائية برواية تاريخية، فنجيب محفوظ كتب «رادوبيس»، و«عبث الأقدار». وواسيني الأعرج كتب «الأمير» والغيطاني كتب الزيني بركات، فهل الروائي هو مؤرخ، وما المساحة التي يستطيع أن يحلق فيها بخياله وفي الوقت نفسه يعتمد على الوثائق».

وللإجابة على هذا السؤال استطردت الأطرش «ربما يفسر البعض إقبال القراء على رواية «عزازيل» ليوسف زيدان بأنها تكشف الكثير من الخفايا وخصوصاً بعد أن عرفوا أنه يشتغل في مكتبة الإسكندرية، وبين يديه من الوثائق والمعلومات ما لا تتوافر للروائي الآخر، وكذلك ربيع جابر الذي يعتمد على وثائق المكتبة الأميركية بشكل كبير، فهل الكاتب مضطر كما فعل بهاء طاهر في «واحة الغروب» إلى أن يكتب بأنني اعتمدت على «المعلومات التالية» حتى بدأ البعض يضع فهارس المراجع والكتب التاريخية التي رجع إليها».

وأضافت الأطرش «الروائيون الآن أصبحوا يذهبون إلى الأماكن التي يختارونها فضاء لرواياتهم، فيوسف زيدان حين كتب أن «النبطي» قضى فترة طويلة في مدينة البتراء التاريخية، وعندما كتبت رضوى عاشور ثلاثية «غرناطة» ذهبت إلى الأندلس وبقيت مدة ثلاثة أشهر تختبر المكان».

ماضي الرواية وحاضر اللغة

وتساءلت الأطرش: «هل نكتب الرواية التاريخية بلغة الماضي، أم باللغة المعاصرة؟ وهو سؤال يظل حائماً بلا جواب، ولكن واحداً فقط كتبها باللغة القديمة هو جمال الغيطاني في الزيني بركات، وعدا ذلك نجد أن الروائيين الآن يكتبون عن أحداث تاريخية باللغة المعاصرة لغة الراهن. وسؤال نقدي آخر مازال النقد العربي لا يجد له جواباً، فالرواية التي تتناول فترة تاريخية راهنة ثم تصبح جزءاً من التاريخ، هل نصنفها رواية تاريخية أم واقعية، فلماذا نعتبر «عبث الأقدار» أو «رادو بيس» لنجيب محفوظ رواية تاريخية بينما الثلاثية ليست تاريخية، ولماذا لا تكون «القاهر الجديدة» وهي عن الثلاثينات رواية تاريخية، وبحسب جورج لوكاش عندما يتصدى الروائي للحظة راهنة ويعكسها فهي تصبح تاريخاً، هذه الإشكالية واجهتها في روايتي «امرأة للفصول الخمسة» التي تتحدث في حينها عن ظهور البترول في منطقة الخليج، ومن يريدون أن يصطادوا الثروة، أو لظروف الشتات الفلسطيني جاءوا إلى الخليج في الخمسينات والستينات».

لا لتمجيد التاريخ

وبشيء من الجرأة النقدية أرجعت الأطرش إلى أن اللجوء إلى الماضي يعكس الحنين إليه، وأن انكسارت الحاضر لا تبرر لنا أن نستعظم الماضي «عندما يتصدى بعض الكتاب للرواية التاريخية يلجأون إلى الماضي وليس إلى الحاضر، ربما كان ذلك للإحساس «بالنستولوجيا» أو الحنين إلى الماضي وأمجاده، أما حين نأخذ روايتين تاريخيتين لأمين معلوف، ورضوى عاشور؛ فنجد أن رواية أمين معلوف «ليون الإفريقي» فيها بيان أسباب سقوط الدولة العربية في الأندلس، وكيف أن هؤلاء الخلفاء تحاربوا وتنازعوا، وأسباب انهيار الدولة في الأندلس، أما ثلاثية رضوى عاشور فتتحدث عما لقيه العرب من بؤس واضطهاد على يد القشتاليين، بينما الحنين إلى الماضي يدفع الكاتب إلى عدم الحيادية أمام القضايا الكبيرة والمهمة، فنحن نمجد الأبطال حينما نتناول سيرة رجل معين، ومن الأمثلة «أرض وسماء» لسحر خليفة التي تميزت بأنها عظمت ومجدت أنطون سعادة، أو يحيى الكركي لسميحة خريس التي عظمت ومجدت هذه الشخصية، وكذلك «قناديل البحر» لإبراهيم نصر الله الذي عظم أبطاله بما يتنافى مع التاريخ، فهل يحق لنا أن نضفي آراءنا الشخصية أو نعظم هؤلاء فقط؛ لأنهم من التاريخ، وأن التاريخ الراهن مليء بالخيبات والانكسارات».

وعن تجربتها في الرواية أشارت الأطرش «كتبت روايتي الأولى وأنا مازلت في المرحلة الثانوية، ولم تنشر ولم تكن رواية تاريخية، فقد كتبت عن القهر الذي يمارس على النساء في ذلك الوقت، وأنا أصنف أني مع قضايا المرأة، أما الرواية الثانية وهي «وتشرق غرباً» فكانت عن التاريخ الفلسطيني الاجتماعي من بعد النكبة وإلى أن تفجرت الانتفاضة الأولى، والنقد تنبه إلى أن هذه الرواية بها استشراف للانتفاضة الأولى وكتب عنها الكثير؛ لأنها استشرفت وقوع الانتفاضة الأولى مع أني كتبتها في فترة الركود السياسي بعد زيارة السادات للقدس وكان هناك قنوط عام وانقسام عربي».

العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً