العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ

النظر أبعَد من الأنف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن تقرأ لا يعني أنك تُدرك حتماً. فالقراءة على أشكال كما نعرف. بالتأكيد لا نعني بها هنا القراءة الحرفية المُحبَكَة والتامة، لكن، وفي أدنى المراتب الإدراكية للنصوص، فإن ما يتوجب علينا جميعاً، هو أن تكون قراءتنا لما يُكتَب وما يُذاع تفسيرية، استنتاجية، وخصوصاً في مجال فهم الأحداث السياسية وتصريحات السياسيين.

قبل أيام، تحدّث المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) والجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي مايكل هايدن، في كلمة له أمام المؤتمر السنوي السابع حول الإرهاب، الذي نظمه معهد جيمس تاون، بكلام خطير جداً حول سورية.

أوساطنا العربية الإعلامية منها والسياسية (في أغلبها لا كلها طبعاً)، انساقت وراء ردَّة الفعل «العاطفية» طبقاً لانتماءاتها السياسية والأيدلوجية عندما قال هايدن إن انتصار بشار الأسد سيكون «الخيار الأفضل بين ثلاثة سيناريوهات مرعبة».

مَنْ «يكرهون» الأسد والنظام السوري، أشبعوا الرجل (هايدن) شتماً، والولايات المتحدة الأميركية تشكيكاً في مواقفها تجاه الأزمة السورية، إلى الحد الذي دفع بالسفير الأميركي في دمشق إلى القول إن تصريحات هايدن، «هي تصريحات شخصية ولا تمثل رأي الإدارة الأميركية».

ومَنْ «يحبون» الأسد والنظام السوري، انتعشت آمالهم بقولهم إن ما قاله (هايدن)، هو اعتراف صريح من الولايات المتحدة الأميركية بأن خياراتها تجاه سورية بدأت تضيق، وأن ما ينتظر الأزمة السورية هو حزمة من قرارات «إعادة التقويم»، وبالتالي الاستدارة مرة أخرى نحو إعادة الأمور إلى المربع الأول إلى ما قبل مارس/ آذار من العام 2011.

والحقيقة، أن كِلا الطرفيْن، لم يلتفتا إلى «جوهر الكلام» الذي تحدث به هايدن، والذي هو أهم بكثير من الحديث عن بقاء الأسد أو رحيله أو انتصاره أو انتصار معارضيه في الصراع الدموي الحاصل في سورية، مع التشديد هنا، على أن هذا الجنرال (هايدن) هو أحد واضعي ومهندسي الاستراتيجيات الأمنية والسياسية في الولايات المتحدة، وهو الذي قال رأياً نافذاً في اتفاق جنيف الأخير بين الإيرانيين و(الخمسة + واحد) بشأن عمليات تخصيب اليورانيوم.

هنا نتساءل: ما هو الكلام الخطير الذي تحدَّث به مايكل هايدن؟ هو قال: «إننا ذاهبون إلى تفتُّت البلاد بين فصائل متخاصمة، وهذا يعني نهاية معاهدة (سايكس - بيكو)، التي رَسَمَت الحدود في جزء مهم من العالم بين العامين 1915 و1916، بعد التفاهمات الفرنسية والبريطانية والروسية القيصرية أيضاً. وهذا يؤدي إلى تفتت دول وُجِدَت في شكل اصطناعي في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى».

ثم أضاف هايدن «أخشى بقوة تفتُّت الدولة السورية. وهذا الأمر سيؤدي إلى ولادة منطقة جديدة من دون حَوْكَمة على تقاطع الحضارات»، مشيراً إلى كافة دول المنطقة، لكنه خصَّ في إشارته لبنان والأردن والعراق، كونها دولاً سريعة التأثر بهذا الانهيار والتبدُّل الجغرافي.

هذا الكلام لا يبدو أنه ينطوي على مُزاح سياسي، أو تكهنات مُرتَجَلة، مع لحاظ موقع الرجل. وهو بذلك يعطينا مجالاً للتفكير في أمرين:

الأول: أن تحذير هايدن فيما خص نتائج «سايكس - بيكو» وكافة سياسات ومصالح القرن الماضي، سيعني أن وعد «بلفور» الصادر في العام 1917، ومقررات مؤتمر «سان ريمو» في العام 1920، الذي حدَّد «مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي»، وتقسيم سورية الكبرى إلى أربعة أقاليم، هي: سورية، لبنان، الأردن، وفلسطين، وضم لواء الأسكندرون السوري إلى تركيا ستكون معروضة مرة أخرى للنقاشات الدولية بين الكبار على أثير الأزمة السورية.

من بين كل ذلك، سيبرز الحديث عن حقيقة الوضع الفلسطيني، بعد قيام دولة «إسرائيل» في العام 1948، وما تلاها من وقائع وصراعات إسرائيلية عربية لا زالت قائمة لغاية الساعة. وكلنا يعرف ماذا تمثل «إسرائيل» للغرب، وبالتحديد للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا.

الأمر الثاني: إن الحديث عن منطقة غرب آسيا من قِبَل الجنرال هايدن، هو يعني الحديث عن منطقة جغرافية تمتد إلى كافة مناطق الجنوب الغربي لقارة آسيا، بالتماس مع الشرق الأوسط والأدنى بتوابع مناطق الوسط حيث باكستان وأفغانستان، وفي الشمال حيث آسيا الوسطى وانتهاءً إلى حدود أوروبا من جهة الشرق والجنوب، باعتبارها توابع ممتدة.

والحقيقة، أن هذه المنطقة هي وعاء سياسي واقتصادي وثقافي هائل، يضم إرث العالم القديم وصراعاته وثقافته، ونقطة التواصل فيه. وهي بالتالي منطقة تمثل القلب بالنسبة لخطوط الاتصال القادمة من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب.

وعندما نعرض هذيْن الأمرين، فنحن لا نعرض فقط مناطق جغرافية، بل إننا نعرض ديمغرافيات هائلة، وأديان ومذاهب وأعراق وثروات وصراعات وأنظمة مصالح صلبة تهجع وتشتبك وتتعاضد كلها على تلك الأرض. وهو ما يعني، انفجار العالم كله من خلال ذلك الصراع.

ضمن هذا المشهد المتعاظم للنظرة الاستراتيجية للغرب، يُفتَرض أن لا نتحدث أصلاً عن عصبيات دينية وآيدلوجية وسياسية فيما خصّ الصراع في سورية بعد الذي قاله هايدن. فما يجري (وكما أسميته من قبل: خارطة العالم السورية)، هو أكبر بكثير من التفكير المجتزء وغير المكتمل لنا بشأن ذلك الصراع، والذي بات يُعتبر أخطر ملامح الصراعات الدولية منذ سبعين عاماً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:47 ص

      دمار "إسرائيل"

      الواحد يحمل في الداخل ضده -مظفر النواب

    • زائر 6 | 2:07 ص

      وعلى الكاتب يبين لنا أهمية إسرائيل لبعض الدول العربية

      هناك اخبار تتوارد عن هروة عرب مرعوبين لتل أبيب .

    • زائر 5 | 1:23 ص

      متابع ... عن اسرائيل

      نرجوا من الكاتب القدير أن يشرح لنا هذه القضية : ماذا تعني اسرائيل بالنسبة للغرب و العالم ؟ ما هي أهميتها بالنسبة للغرب ( امريكا تحديدا ) ؟ ما هي المصلحة التي توفرها لهم بحيث يولونها و يولون أمنها كل هذا الاهتمام و كل هذا العمل ( من نزع الكيميائي في سوريا إلى اتفاق نووي في ايران ) ؟ لماذا يتسابقون لنيل رضاها ( تصريحات الزعماء و زياراتهم المتكررة ) ؟ بل حتى روسيا ظاهرا في خط الدفاع عنها ! ..... و أخيرا متى يمكن أن يوقفوا التضحية لأجلها أو يحصل بينهم ( افتراق مصالح ) ؟

    • زائر 4 | 11:02 م

      عبد علي البصري (( النظر ابعد من الانف))؟؟؟!!!!!

      فإما أن تقول النظر ابعد من الشم , فالنظر والشم حاستان , ,إما ان تقول العين ابعد من الانف لانهما عضوين قريبين ومهمين للانسان .
      الله يقول (( لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ))

    • زائر 3 | 10:58 م

      عبد علي البصري

      وهناك ميزه اخرى هي الوجود السياسي المناوئ للاحتلال الاسرائيلي والذي رفض الانصياع للهيمنه الاسرائيليه بينما رحب كل من مصر و الاردن بالكيان الصهيوني وكذلك بعض الدول العربيه , فوقف في خندق المقاومه لوحده ؟؟ فصطفت معه ايران وحزب الله وروسيا والصين , ووقف في صف المعارضه الكيان الصهيوني وبعض الدول العربيه وشعوبها وكذلك الكثير من قطاعات الشعب الباكستاني . اذن

    • زائر 2 | 10:52 م

      عبد علي البصري

      الى الاردن حيث الحزب السلفي الجهادي الذي له نفوذ في اوساط الشعب الاردني وموالاته للقاعده في سوريا , وكذلك الحدود مع اسرائيل الدوله صاحبه النفوذ في الكثير من دول الجوار وكذلك تأييد حماس والشعب الفلسطيني للقوى السلفيه في سوريا , الى لبنان حيث حزب الله و ايران و العلويين و السنه المؤيدين للسلفيين في سوريا .

    • زائر 1 | 10:47 م

      عبد علي البصري

      كُتِبَ للصراع في سوريا أن لا يكون كباقي الصراعات في دول الربيع العربي , الصراع في سوريا امتاز بعده مميزات مختلفه عن مصر وباقي دول الربيع العربي , الميزه الاولى الموقع الجيوسياسي الذي تمتاز به سوريا , فمن الشمال تقع تركيا العثمانيه التذي ما فتئت تنادي بالديمقراطيه وسلطه الشعب وفي الجنوب الغربي العراق اعني محافظه صلاح الدين و محافظه الانبار التي تشهد عدم استقرار تجاه الدوله العراقيه الحاليه وبروز نداء بدوله الشام ممتده من هذه المحافظات الى الشام والى الاردن ... تكمله

اقرأ ايضاً