أود أن أشكر المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي القومي للعمل الذي يقومان به كل يوم - تعزيز الديمقراطية، ودعم المؤسسات والممارسات الديمقراطية، وحماية الانتخابات، وتعزيز مشاركة المواطنين. إن عملكم هذا يتّسم بأهمية حاسمة. ويظهر أيضاً مدى التزام الحزبين الجمهوري والديمقراطي والتزامنا المشترك بالديمقراطية، والعمليات الانتقالية الديمقراطية السلمية، وإشراك النساء والرجال في تحديد شكل مستقبل بلادهم.
أود أن أهنئ المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي القومي لقيامهما بهذا العمل الشاق والمهم يومياً منذ 30 عاماً، وأشكركما لالتزامكما بالمشاركة السياسية للمرأة، ولتكريسكما الوقت والموارد والموظفين لتحقيق المشاركة الكاملة للمرأة في الحياة السياسية.
لدى كل معهد منكما برامج فعالة ومحترمة تساعد المرأة في اكتساب الأدوات التي تحتاجها للمشاركة بنجاح في جميع جوانب العملية السياسية. واسمحوا لي أن أثني بنوع خاص على العمل المهم الذي تقومان به في الأماكن الصعبة. المعهد الجمهوري الدولي، شكراً على العمل الذي قمت به ضمن شبكة المرأة الديمقراطية - لبناء قدرات النساء السوريات في التفاوض والقيادة والمناصرة، وغيرها من المهارات في هذا الوقت الحرج الذي تمر به بلادهن.
وإلى المعهد الديمقراطي القومي، شكراً على العمل الذي قمت به في أفغانستان لمساعدة النساء الأفغانيات ليصبحن قادرات على المنافسة في الانتخابات القادمة - من خلال مدارس الحملات الانتخابية النسائية، وإجراء المشاورات المباشرة وجهاً لوجه مع المرشحات وإنشاء مجموعات عمل لوضع السياسات.
إن عملي كسفيرة متجولة حول قضايا المرأة العالمية يهدف إلى تعزيز وضع النساء والفتيات باعتباره عنصراً حاسماً في جهودنا الدبلوماسية. إننا نؤمن بأن السلام والأمن والازدهار والنمو الاقتصادي لا يمكن تحقيقها بدون المشاركة الكاملة للمرأة، وبأن الرجال والفتيان هم شركاء في هذا الجهد المهم. فإذا كنا نسعى للنهوض بالمشاركة السياسية أو الاقتصادية للمرأة، وإنهاء ويلات العنف القائم على الجنس، أو العنف الجنسي المستخدم في النزاعات، أو الاتجار بالبشر، أو خفض معدلات وفيات الأطفال والأمهات – علينا أن نعمل معاً، على جميع المستويات، وعبر جميع القطاعات، لحماية حقوق النساء والفتيات وتحقيق المساواة الدائمة بين الجنسين.
إننا نعلم أن هذا الاستثمار في النساء والفتيات – أي مساعدتهن في إطلاق العنان لقدراتهن، هو الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به من الناحية الأخلاقية – والشيء الحكيم الواجب اتباعه استراتيجياً.
لقد شاهدت بنفسي مباشرة كيف أن إشراك المرأة في الحياة العامة والسياسية يحدث فرقاً. ففي الشهر الماضي، سافرت إلى أفغانستان، حيث اجتمعت مع نساء في الحكومة على الصعيدين الإقليمي والوطني، وأمضيت وقتاً مع القيادات النسائية في كابل ومزار الشريف، وناقشنا عدداً من القضايا، بما في ذلك دورهن الحاسم في الانتخابات المقبلة - كناخبات، وكمرشحات، وكباحثات، وكمراقبات. وجميعهن التزمن بالدور المتزايد للمرأة.
كما أنني عدت للتو من رحلة إلى اليابان، حيث تعمل الحكومة الحالية على زيادة نسبة النساء في المناصب القيادية في المجتمع، من أقل من تسعة في المئة إلى 30 في المئة. يبدو أن هناك إدراكاً متزايداً بأن الطريقة الوحيدة لضمان نهوض اليابان من عقود طويلة من الانكماش الاقتصادي يكمن في ضمان إعطاء النساء أخيراً تلك الأدوات للمشاركة اللازمة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن شأن هذا أن يشكّل تحدياً شاقاً، نظراً للتقاليد الثقافية المترسخة هناك التي تجعل غالبية النساء يتركن العمل بعد بدء أسرة. إذ لا تمثل المرأة سوى نسبة 2.6 في المئة من المناصب الإدارية في الخدمة المدنية في اليابان، وحوالي 8 في المئة من أعضاء مجلس النواب، و18 في المئة من أعضاء مجلس المستشارين. ولكنني اجتمعت مع بعض العضوات اليابانيات الديناميكيات في البرلمان وفي الحكومة اللواتي التزمن بالجهود المبذولة لزيادة تلك الأرقام. اجتمعت مع رئيسة بلدية يوكاهاما (فقط 1 في المئة من رؤساء البلديات باليابان من النساء) التي تمكنت ضمن سنوات قليلة من خفض قائمة الانتظار لرعاية الأطفال في مدينتها من عدة آلاف إلى الصفر.
وعلى الرغم من أن النساء يشكلن أكثر من 50 في المئة من سكان العالم، فلاتزال المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً في جميع نواحي الحياة السياسية والعامة. واليوم لا تمثل المرأة سوى نسبة 21 في المئة من النواب في العالم، وهناك 21 امرأة إما تتولى رئاسة دولة أو رئاسة حكومة. و17 في المئة فقط من وزراء الحكومات هن من النساء، بينما تعمل غالبية النساء في مجالات التعليم والصحة. ومنذ العام 1992، مثلت النساء نسبة أقل من 3 في المئة من الوسطاء و8 في المئة من المفاوضين في عمليات السلام الكبرى. هذه الأرقام متدنية جداً. وهذه هي الأماكن التي تحصل فيها عمليات اتخاذ القرارات، وبكل بساطة، لا يوجد في تلك الأماكن عدد كاف من النساء.
لايزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، وما يقوم به كل من المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي القومي هو أمر حاسم لإحراز تقدم في هذا المجال، ولضمان تحرك هذا التقدم بسرعة.
إن كافة جهودي تستند إلى إيماننا بأن البلدان تكون أكثر سلاماً وازدهاراً عندما تمنح النساء حقوقاً وفرصاً كاملة ومتساوية. لقد بدأت الشعوب والبلدان في جميع أنحاء العالم قبول هذه الحقيقة الأساسية للغاية. هناك تركيز متزايد من جانب صانعي السياسات والحكومات على ضرورة مشاركة المرأة ومساهمتها في بناء مجتمعات أقوى.
ويشكل مكتبي مثالاً على التزام الحكومة الأميركية بالدور المحوري للمرأة في السياسة الخارجية؛ وكذلك هو الحال بالنسبة لمنسّق برنامج المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة لدى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. فمن خلال مبادرات مثل الشراكة المستقبلية المتساوية، نشجع الدول الأخرى على توسيع المشاركة السياسية والاقتصادية للنساء والفتيات. لقد بدأت النساء من حول العالم المطالبة بحق المشاركة في الحياة العامة.
وتتمثل زيادة المشاركة المجدية للمرأة في الحياة السياسية والعامة في تغيير المعايير الثقافية المتعلقة بالمرأة وفي تغيير ثقافة السياسة نفسها. إنها ترتبط ببناء واستدامة المجتمعات المتمثلة. ومن الضروري التأكد من أن القوانين والأنظمة والسياسات تجسد واقع حياة المرأة اليومية. وغالبًا ما تثير المرأة قضايا يتجاهلها الآخرون، وتسعى للوصول إلى جمهور من الناخبين يتجاهله الآخرون، كما لديها معرفة فريدة تنبع من دورها ومسئولياتها في المجتمع. وبالنسبة لمكتبي، فإن هدف المساواة في المشاركة السياسية هو الدعامة المتكاملة مع أهدافنا الأخرى في ميادين النساء/السلام / الأمن، والتمكين الاقتصادي والنتائج الرئيسية للتنمية ولاسيما في مجالات الصحة والتعليم وتغير المناخ والأمن الغذائي. إننا نشاهد المشاركة السياسية للمرأة باعتبارها واحدة من الأسس الرئيسية لتمكين المرأة عموماً وإشراكها في مختلف القطاعات. ونحن ندرك أن التجارب والخبرات والمعرفة النسائية ينبغي أن تكون حاضرة حول كل طاولة لاتخاذ القرارات، وفي كل محفل عام. إن مشاركة المرأة تؤثر على أنواع القضايا السياسية التي تجري مناقشتها وتُتخذ بشأنها القرارات في كل من البرلمانات والمجالس المحلية والوزارات الحكومية. وتؤثر أيضاً على الحلول التي تجري مناقشتها والبت بها. إن تجارب وخبرات النساء- كما وتجارب وخبرات الرجال – ينبغي أن تشكل ما تملكه من معلومات لوضع السياسات.
لقد وجدت دراسة أجرتها منظمة التعاون والتنمية في أوروبا في 19 بلداً، أنه عندما يزداد عدد النساء المشرّعات في بلد معيّن، تزداد الأموال التي تنفق على التعليم في تلك البلدان. ففي الهند، أظهرت الأبحاث أن قرى ولاية البنغال الغربية مع تمثيل أكبر للمرأة في مجالسها المحلية المسماة «البانشيات» قد شهدت استثمارات في مرافق مياه الشرب بلغ ضعف ذلك الذي شهدته القرى التي تضم مجالسها المحلية عدداً أقل من النساء.
وأخيراً، إننا نعرف أن منظور المرأة الفريد أمر بالغ الأهمية لبناء السلام وإعادة الإعمار في أعقاب النزاعات الدامية. وغالباً ما تعاني النساء بشكل غير متناسب نتيجة للنزاعات المسلحة. وفي أحيان كثيرة تناصر النساء بشدة تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار ومنع حصول المزيد من النزاعات. تكون فرص نجاح اتفاقيات السلام، وإعادة الإعمار وإنشاء نظام حكم ما بعد النزاعات، أكبر على المدى الطويل، عندما تشارك المرأة في كل ذلك.
واستناداً لبحث أجرته مجموعة الأزمات الدولية في السودان، والكونغو، وأوغندا، فإن النساء اللواتي يشاركن في محادثات السلام كثيراً ما يثرن قضايا مثل حقوق الإنسان، والأمن، والعدالة، وفرص العمل، والتعليم، والرعاية الصحية التي تعتبر أساسية لتحقيق المصالحة وإعادة الإعمار، وبالتالي الوصول إلى سلام دائم ومستدام.
إذاً إننا نعرف الطريق إلى الأمام. ونحن لسنا بحاجة سوى الحفاظ على إلزام أنفسنا وتجنيد الآخرين للانضمام إلينا. قال مارتن لوثر كنغ الإبن (زعيم الحقوق المدنية) مقولته الشهيرة بأن «قوس الكون الأخلاقي طويل، ولكنه ينحني نحو العدالة»... وأعتقد أن هذا صحيح بالنسبة للمرأة في جميع أنحاء العالم. إن عملنا، والعمل الذي نقوم به سوية، هو جزء لا يتجزأ من هذه الجهود.
إقرأ أيضا لـ "كاثرين راسيل"العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ