حفروا الصخر من أجل الحياة، حاربوا الدنيا بلقمة عيشهم، سطروا للبحرين مجدًا، شيده سواد سواعدهم، كتبوا تاريخ بحريننا بعرق جبينهم، لذا سنسلط الضوء على الحاج عباس الفردان، فهو سبب من أسباب تسمية البحرين ببلد «المليون نخلة»، فهو فلاح من قرية العكر، قضى أكثر من 70 عامًا من عمره في الفلاحة، ولايزال يجد في الأرض راحته، وفي التجوال بين جداولها سعادته، فيومه لايزال كما الأمس، لم يتغير منه شيء سوى محيط البشر، وهذا ما قاله في حوارنا معه:

الحاج عباس الفردان، كم سنة وأنت تعمل في الأرض؟

- أكثر من 70 عاماً، وأنا أعمل في الزراعة، فمنذ الخامسة من عمري وأنا أعمل مع خالي في الأرض.

ما الأعمال اليومية التي تقضيها في هذه المزرعة؟

- من بعد صلاة الفجر أفتح المزرعة، وأسقي الزرع، وأقطع الحشائش، وأطعم البهائم «الغنم»، وإذا رأيت ان الرويد أو الطماط أو البقل قد زرع أفردهم وأوزعهم، وبعدها أقوم ببيع الذرة عند بعض المدارس.

ألا تشكل الفلاحة عبئًا عليك وأنتَ بهذا العمر؟

- العمل في الأرض راحة للبدن، وراحة للبال، «فاليوم أنا مريض، لكن من دخلت الحين المزرعة ارتحت ونسيت المرض والتعب».

هل لديك عامل يساعدك في الزراعة؟

- لا، أنا أعمل بمفردي في هذه الأرض و «المساعد رب العالمين».

ماذا عن أبنائك، هل أخذوا منك صفة حب الأرض والفلاحة؟

- أبنائي لم يتربوا إلا على هذه الأرض، فطبعًا كانوا ولايزالون يحبون الأرض، ويزرعون أحيانًا معي، حتى ان أحد أبنائي أنشأ له مزرعة بنفسه من الصفر، وبقية أبنائي يأتون لهذه المزرعة بشكل شبه يومي، وخصوصاً أن الأرض مقسمة، فلابد لهم أن يتفقدوا أقسامهم فيها.

ما هي المحاصيل الموجودة في مزرعتك؟

- أزرع في الأرض الرويد والطماط والبقل، و «ما ظلت إلا شجرة الصبار إلا فيها البركة وهذه النخيل».

هل كنت تزرع قديمًا مزروعات أخرى؟

- في أيام زمان، كانت الأرض فيها خير، «بطيخ، صبار، لوز، طماط، بقل، الرويد، وكان في كل زاوية من هالأرض ترى النخيل».

هل تبيع ما تنتجه الأرض من محاصيل زراعية؟

- الأول كنا نبيع، من الساعة 2 الفجر وإحنا في المنامة، نبيع البقل والرويد حوالي 600 صرة والمئة صرة بمئة روبية»، وكان الدخل معقولا، أما اليوم فالإنتاج قليل فلا يكفي إلا لحاجة البيت أما ما زاد عن حاجتنا فكان من نصيب الجيران.

إلى من كانت تعود ملكية هذه الأرض؟

- هذه الأرض كانت ملك والدي، فقد اشتراها من الشيخ أحمد «مال المعامير» بـ4 دنانير، ولكن لم أكن أعمل فيها وذلك لصغر سني، واليوم الأرض لي ولأختي، ولكن كل أخذ نصيبه منها.

هل فكرت يومًا في أن تبيع هذه الأرض؟

- لم أفكر أبدًا ببيع الأرض، حتى انني قسمت الأرض على أبنائي، وأعطيت كل ولد وبنت حقهم في الأرض، ووهبت البيت الذي أسكنه للسيدة زينب (ع) بعد موتي، ولكن مادمت أنا موجودا، الأرض لا تباع، «وأنا جاري لما كان يريد يبيع أرضه كلمته وحاولت أنهيه، لكن لم يرض، فكيف أبيع أرضي؟».

هل عملت في شيء غير الزراعة؟

- نعم، فأنا لم أكن مزارعاً فقط، ففي الليل بحار وفي الصبح مزارع، وعملت في شركة ألبا، وكنت مزارعًا في وزارة التربية والتعليم في مدرستي «عثمان وأم كلثوم»، حتى انني حين وصلت لسن التقاعد، كلا المدرستين رفضتا الاستغناء عن خدماتي، وأنا رفضت البقاء أكثر في المدرستين معًا.

ما رأيك اليوم في قرية العكر، وفي البحرين بشكل عام، هل هناك اهتمام بالزراعة؟

- اليوم لا يوجد من يهتم في زراعة الأرض، فالأعمال كثيرة، والكل لا يريد التعب، وفي الوقت نفسه قلة الأراضي وصعوبة الحياة لا تجعل الناس تستطيع أن تبني بيوتًا فكيف لها أن تزرع أرضاً؟، صحيح اننا نحنُّ لأيام زمان، لكل المزارع التي كانت موجودة، ولكن لا نستطيع أن نلومهم فهم يريدون أن يعيشون بكرامة.

وأخيرًا هل لديك شيء تريد أن تقوله للناس؟

- لا أقول سوى، يا ليت أيام أول ترجع، فالبحرين بالزرع والنخيل أحلى، ولو الدولة تهتم بالمزارع أكثر وتحافظ على ما تبقى من النخيل لكان أفضل، ففي النخيل بركة.