حَلَّ الشتاء، فبَانَت معه سوءاتنا. ينزوي البعض إلى مخادعهم، يتلفَّعون فيها الصوف والقطن، ويُشعلون بداخلها نار التدفئة، بينما يتوسَّد آخرون الصقيع، داخل الخيم المنصوبة، يلفح وجوههم زمهرير الريح، وكأنهم لحوم جاءت من قِصَابة، وتُرِكَت على الثلج كي تتجمَّد حتى حين. وهل يشكُّ أحدٌ أنَّنا نحن قصَّابوها ونحن لا يُرمَش لنا جفن؟
لا يستغرب أحدٌ إن قلنا أننا القصَّابون لتلك الأجساد، مادامت أموالنا تذهب في التبذير، وأوقاتنا للترف، والرحلات الترويحية. فبدلة شتاء واحدة لِمعوَزٍ في العراء، يُساويها رسوم الدخول إلى أحد الأفلام السينمائية! وإعاشة عائلة من عشرة أفراد مدة شهر كامل، يتمنون العيش بأقلّ من حدّ الكفاف، يساويها ساعة يد، يشتريها المتسامرون في الليالي الحمراء! هذه هي مشكلتنا في أننا لا نقوم بما يتوجَّب علينا فعله أو الانتهاء عنه.
هل سَمِعَ أحدٌ منا بهذا الاسم: حسين الطويل؟ ربما كثيرون لم يسمعوا به، وهذا ليس حقاً لهم بالتأكيد، ماداموا قادرين على سماع آخر صيحات الموضة وتتبع آخر إصدارات الدَّندَنة. نعم... أقول: ليس من حقهم أن لا يسمعوا باسم ذلك الطفل ذي الستة أشهر، الذي مات من شِدَّة البرد في مدينة حلب شمال سورية. مات هذا الطفل، بعد أن تجمَّد جسَدُه من شدة البرد، ثم لحقه ثمانية أطفال غيرهم، كان آخرهم طفل الرّستن بريف حمص، الذي لم يبلغ هو الآخر سوى سبعة أشهر، في وضع أسوأ من أخيه الحلبي.
يفتح الناس أعينهم على أشدها عندما يسمعون أن موجة البرد هذا العام، هي الأقسى منذ 122 عاماً، دون أن يُدركوا، أن كلَّ دقيقة تمرّ عليهم هي الأشد أيضاً منذ 122 عاماً، ودون أن يُدركوا، أن كلّ ما سيستخدمه الناس لم يعد كما استخدموه هم ولا آباؤهم طيلة 122 عاماً كذلك. إذاً، فإن تحت كل تلك الأرقام مآسٍ كبيرة، من موتٍ ومرضٍ وفقرٍ وكآبةٍ لا تنتهي. لا خير إن قرأنا الرقم بلقلقة اللسان، دون أن نتفكر في حقيقته وفعله.
اليوم، نحن لا نحتاج أن نُكَذِّب الخبر الذي يقول بأن «نصف خطة التمويل الإجمالية للأمم المتحدة، والبالغة اثني عشر مليار، وتسعمئة مليون دولار» التي قُدِّرَت «لمساعدة اثنين وخمسين مليون شخص في سبعة عشر دولة» هي مخصصة لسورية! ما يعني أن نصف بلاء العالم من التشريد ونتائجه البيئية والصحية، يتحمَّلها السوريون في هذه اللحظة، أطفالاً ونساءً وشيوخاً.
البرد القارس، الذي كان كفيلاً بإبادة وجرح مئة وخمسة وخمسين ألف جندي ألماني مُدجَّجين بالسلاح والعتاد وعلى ظهورهم حقائب التموين في بحر ثلاثة أسابيع فقط خلال المواجهة النازية الشيوعية في الحرب العالمية الثانية، هو بالتأكيد أقدر على صَرْع طفلٍ بجلد غشائي، وعظم لم يُبنَ بعد، أو شيخاً أكَلَ العمر من عافيته وقواه، فعاد كالعرجون القديم.
إذا كانت السكتات الدماغية، والنوبات القلبية وأمراض القلب والأوعية الدموية والانفلونزا الموسمية وارتفاع ضغط الدم، هي النتاجات الطبيعية لموجات البرد، وبالتالي ازدياد عدد الوفيات بنسبة سبعين في المئة حسب دراسات هارفارد، فهذا يعني، أن مشكلة المشردين السوريين، تتجاوز نقص الرعاية المعيشية، لتنقل إلى تدني الرعاية الطبية، التي باتت من كماليات العيش في المخيمات نتيجة الوضع الكارثي الذي يعيشونه.
كنتُ أقرأ قبل أيام، أن الشوكولاتة الداكنة التي تزيد إفراز الأندروفين في الدماغ، والأفوكادو المحتوي على الدهون الأحادية غير المشبعة الخافضة لضغط الدم، والأسماك المتضمنة لأحماض OMEGA 3 هي الأكلات الأكثر فائدة للشعور بالدفء خلال موجات البرد، وبالتالي ينصح الأطباء بها، قلت متفكراً: ما عسى السوريين أن يفعلوا إن هم سَلَخُوا الحمير والأسود ليأكلوها، ولم يُؤمِّنوا الحبوب والماء والمحروقات فكيف بهم أن يُؤمِّنوا تلك الأصناف من الطعام، التي يستحصل عليها الإنسان في الظروف الأعلى من العادية وليس العادية حتى. إنه منطقٌ أنطوانيتي تام الأركان!
في هذا الصراع الدموي والعبثي في سورية، لم يعد للإنسان السوري قيمة، بل الاستحواذ على الأرض هو الأهم بالنسبة للمتقاتلين، حتى ولو كانت مقبرة! هذه لغة عسكرية عَدَميّة عمياء، لا تقيم وزناً للحياة ولا لِمَن عليها. كثيرٌ من المناطق السورية تحوَّلت إلى برلين العام 1945 ولم يعد فيها روح. حتى القطط والكلاب هجرتها فما بالك بالإنسان!
أما في الخارج حيث المخيمات المنصوبة في العراء، فإن الحال أقسى وأشد. فإذا كانت الأبنية الإسمنتية، والسقوف المسلحة، والقرميد الأحمر، لا تَقِي من البرد ولا تمنعه إلاَّ بالكاد، فكيف بخيمة من الخَلَق، يترنَّح عامودها، وتنفخ في زواياها الريح، فتُدخلها إلى الجوف، أو تقلعها من جذرها بلا استئذان، إنه العراء ولكن بصورته الخادعة للعين.
شكراً لك يا شتاء لأنك أعلمتنا مَنْ نكون. شكراً لك لأنك أريتنا البرزخ الفاصل بين الإنسانية والحيوانية! جعلتنا ندرك معنى الأخوَّة، ومعنى الضمير، ومعنى الحياة، ومعنى الدناءة، ومعنى اللؤم، ومعنى الكذب، ومعنى الدِّين، ومعنى كل شيء. وربما نَسِيَ الكثيرون (أو تناسوا) أن «لقضاء حاجة أخٍ لي في الله أحبّ إليّ من اعتكاف شهر» كما قال الحسن بن علي بن أبي طالب.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4121 - الأربعاء 18 ديسمبر 2013م الموافق 15 صفر 1435هـ
الله المنتقم
من كل من مول وسلح وساند وحرض فسقة الدين للعبث بجراحات الشعب السوري وقام باللعب على اللاجئين السوريين باستغلالهم جنسيا بسبب عوزهم.... وحرض على خروجهم عن موطنهم وجعل مخيماتهم مرتعا لهوسهم في سلب المواطن السوري وتشريده في الخارج ووعده بما لا يستطيعون ..... الم تكن الدولة السورية حافظة لهم و لكرامتهم ؟..... حين لم يكن هناك لا جوع ولا موت ولا تشريد
بارك الله فيك أ. محمد
وضع مؤلم ومخز
الاسد باقى
الاسد باقى لو صرفو الى تحت البلاط لا اتعبو روحكم وتركو عنكم التمسكن باسم الشعب السورى المظلوم .الظلم واقع على الشعب من ايام حافظ الاسد وش معنى الحين قانت الحمية ؟! لاكن ما اقول النجوم السماء اقرب لكم من خط الممانعة
الصراع الدموي والعبثي في سورية،
مخطط إبادة جما عية صهيوني وبتمويل عر بي
بارك الله فيك يا استاذ محم
نعم ما حرم فقير الا بما متع به غني ، بل ما مات فقير الا بما متع به غني ، فتقوا الله وسيحاسب الذين جمعوا الاموال وارسلوها لقتل الناس بدلا من اعانتهم على العيشه ، فلك الويل يا من ارسلتم الجنود والعتاد لمحاربة المسلمين .
تقولون مالا تفعلون
معاونة و الوقوف مع الظالم بشار لهو بصمة عار على جبين كل من يقول انه مناصر للمظلوم ... تقولون مالا تفعلون
ما الفائدة
اللوم و التقريع ايضا لا يدفأ السوريين و لا يطعمهم افيدوهم بارسال التبرعات عبر جهات موثوقة و بالترويج لهذه الجهات، الكثيرون من اهل الخير يودون التبرع لهم و لكن....
سوريا كتاتور يحكم شعب
كاتب ترفع عن الطائفية وامراضها ، تستحق الاحترام والتقدير على ما تكبت فكم نحن بحاجة لمن ينتقد وضعنا من اجل اصلاحها وليس من اجل تمزيقها وتفتيتها كما يتجار بها بعض الصحفيين
nice eyes
أحسنت ،،، عَلّ مَنْ يتّعِضْ
سوريا وليبيا
بدأت الفوضي الخلاقه في ليبيا عندما هجمتها القوي الغربيه وكان الطريق الي دخولها هو القذافي ، فدمرت وخربت وارسل المجرمين ليرهبوا المواطن الليبي البسط والطيب كل هذا علشان القذافي هذه نكته من نكت الغرب وبعض الدول العربيه ثم جائت سوريا لتكملوا الفصل الثاني من اللعبه ولاكن كان في استقبال المجرمين والارهابين ابطال اشاوش دحروهم وانتقموا لكل المظلومين في تونس وليبيا واليمن وافغانيسان وسوريا العز والصمود
مقال رائع
ما جاع فقير إلا بما مُتِّعَ به غني
بشار دكتاتور
نعم بشار الأسد دكتاتور ولكن هناك دكتاتوريين كثر على الكراسي في أغلب الدول العربية.. فهل تسمح كل تلك الدول بفتح حدودها للإرهابيين من مشارق الأرض ومغاربها ليعيثوا فسادا بإسم الجهاد وتدمير بلدانها كما هو الحاصل في سوريا؟؟!! مالكم كيف تحكمون
وا إنساناه!!!
أستاذ محمد جزاك الله خيرا على هذه الروح الإنسانية التي تفيض بالنبل والخلق الرفيع.. سيدي إنه امن المخزي لكل من ساهم في وصول الشعب السوري لهذه المأساة الإنسانية وعلى رأسهم الدول الداعمة للإرهاب العالمي الذي يصفي حساباته على الأراضي السورية.. أقول أستاذي تخيل لو أن المليارات التي أنفقت في تسليح الأرهابيين صرفت كمساعدات على الشعب السوري فكيف ستكون الأوضاع؟ لاننكر الأخطاء التي ارتكبها النظام السوري والتي بالمناسبة ارتكبتها أنظمة أخرى في مواجهة الإحتجاجات ولكن لم تؤد إلى ما أدت إليه الأوضاع في سوريا
لاحول الله
نظام بشار ظالم والاظلم منه هم التكفيريون اللذين يدمرون سوريا وشعبها
متابع
نرجوا من الكاتب القدير أن يشرح لنا هذه القضية : ماذا تعني اسرائيل بالنسبة للغرب و العالم ؟ ما هي أهميتها بالنسبة للغرب ( امريكا تحديدا ) ؟ ما هي المصلحة التي توفرها لهم بحيث يولونها و يولون أمنها كل هذا الاهتمام و كل هذا العمل ( من نزع الكيميائي في سوريا إلى اتفاق نووي في ايران ) ؟ لماذا يتسابقون لنيل رضاها ( تصريحات الزعماء و زياراتهم المتكررة ) ؟ بل حتى روسيا ظاهرا في خط الدفاع عنها ! ..... و أخيرا متى يمكن أن يوقفوا التضحية لأجلها أو يحصل بينهم ( افتراق مصالح ) ؟
الحكام الفاسدين هم السبب
هل ينكر احد ان كل حكام العرب فاسدون متجبرون كلهم و لا استثني منهم احد و هم سبب مأسات الامة وهذا لا يعفينا عن التقصير ينبغي علينا تغيير احوالنا بأنفسنا و لا نعتمد على غيرنا.
حين يدخل المفسدون باسم الاصلاح هكذا تكون الحال
عندما تدخلت دول الفساد والظلم تحت مسمى انقاد الشعب السوري من فساد النظام! كيف يصلح هؤلاء المفسدون بلدا يعاني من مشاكل؟
من يعتقد ان الفكر التفكيري يمكن ان ينقد بلدا من الخراب فهو واهم فهذا الفكر هو كالغراب يحل اينما حل الخراب
الله يبتقم من كل الارهابيين الذين عاثو في سورية الحبيبة الفساد والافساد والارهاب
نعم...الله ينتقم من كل من ساهم في تشريد الشعب السوري و جلب جيش الارهاب البربري الذي لا يعرف للدين معنى ولا يملك من الانسانية شيئا غير الذبح وبقر البطون والقتل الطائفي.
قولوا لهم
فليسمعوا ويروا من يدعون ان سوريه كانت ديكتاتوريه وغزوها سوريه كانت حاضنه لشعبها وماذا جنيتم من وراء حربكم لها
متابع
ما شاء الله !!! ... 120 ألف قتيل وتدمير المدن و القرى و اغتصاب 2000 امرأة سورية ، هذا كله احتضان و حب للسوريين ، الله يستر ماذا كان النظام سيفعل لو كان يكرههم فعلا !!! ... في البحرين جربتم قانون الطوارئ 3 أشهر و قلتم النظام ديكتاتوري ، ألا تعطون الحق للسوريين أن يصفوا النظام بالدكتاتورية و هو يخنقهم بقانون الطوارئ منذ 47 عاما !!! وين الإنصاف يا رب . . .
كيف كان الطفل في سوريا و كيف الآن بعد الغزو التكفيري
سوريا كانت مضرب المثل في التعايش المجتمعي و كان نظامها المستبد المنصف ولا اقول العادل و بعد غزو قطعان التكفير تلاشى كا شيء
الجوع والبرد
الجوع والبرد من اقسى البلاء على الانسان.. اذا كانت بعض الحيوانات لا تستطيع مواجهة البرد القارص الا بالبيات الشتوي فما هي مقدرة الانسان الضعيف ..لهم الله يعينهم.. واما نحن فمسئولون امام الله عنهم ..
thanks
مقالاتك مشكورة في مناصرة الشعب السوري في وجه الظلم اخ محمد
الأسد
الله ينتقم منه